الخميس، 25 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

52 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تدوينات

54655 1

د. يسري عبدالغني عبدالله :

لقد كتب الكثير عن تقدم العلوم العقلية والنقلية عند المسلمين في العصور الوسيطة، وعن إسهام المسلمين بوجه عام في كل مجالات العلم والفكر، وعن استفادة الغرب فيما بعد من ازدهار الحركة العلمية والفكرية في العالم الإسلامي، ولذلك يقول البعض: ليس ثمة ما يدعو إلى فتح ملفات هذا الموضوع من جديد.

وفي رأينا أن هذا الموضوع لا ينتهي بالتقادم، أو بالطرح الموسمي، وعليه فإن أي حديث عن تعدد الثقافات أو الحوار بين الحضارات، أو قضية التأثير والتأثر.. أي حديث في هذا السياق لا يمكن أن يخلو من الإشارة الصريحة إلى جهد المسلمين في تقدم العلوم، في نفس الوقت الذي يجب أن نعترف فيه بإسهامات عدد كبير من أهل الاستشراق بالذات في إبراز فضل المسلمين على الحضارة الغربية، وعلى التقدم العلمي الحديث لديه.

نقول: إننا في أمس الحاجة إلى ضرورة إلقاء الضوء الكاشف مرات ومرات، على هذه الناحية، ناحية الدور الذي قام به أهل الاستشراق في مجال خدمة تاريخ العلوم عند المسلمين، وذلك بما قاموا به من تحقيقات علمية، وأبحاث ودراسات، وكتابة مقالات وآراء حول دور المسلمين في النهوض بالعلم.

وعندنا: إن هناك العديد من الجوانب المتعلقة بالتراث العلمي الإسلامي في حاجة إلى المزيد من الدراسة والتأمل والتفكير والتحليل، خاصة وأن وقتنا الحالي بما فيه من تداعيات وملابسات والتباسات يحتم علينا المزيد من الاهتمام بتراثنا العلمي، واضعين في الاعتبار أن أي حديث عن اهتمام أهل الاستشراق بتراثنا العلمي سيضع في اعتباره الحديث عن دور المسلمين في العطاء العلمي للبشرية، بعيدًا عن أي تعصب أو ادعاء أو مبالغة.

ونعترف هنا أن هناك بعض الجهود التي تبذل في العالم الإسلامي بهدف إحياء التراث العلمي الإسلامي، ولكن بكل أسف نلاحظ أن هذه الجهود كثيرًا ما تتكرر بدون أدنى تنسيق بين الجهات المنوطة بذلك، وهذا يؤدي إلى ضياع الكثير من المال والوقت والجهد، وحبذا لو انطلقت هذه الجهود من إطار علمي منهجي سليم.

إن الاهتمام بالتراث العلمي الإسلامي يجب أن يقابل من جميع مؤسساتنا العلمية والتعليمية والثقافية بالترحيب والتشجيع، بعد أن طال إغفاله وإهماله والانصراف عنه.

نعود بعد ذلك لنقول: معنا الآن ابن النديم، الذي ولد ونشأ في بغداد العباسية، خلال القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) والذي عني بالتاريخ واللغة والأدب، وشهرته في التأليف مرتبطة بتأليفه لكتاب (الفهرست) وهو في نشأة العلوم، وأقدم الكتب في هذا المضمار.

ويعد كتاب (الفهرست) لابن النديم من أهم الكتب في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، فهو وثيقة مهمة يمكن لنا أن نتعرف من خلالها على ملامح الازدهار الثقافي، ولقاء الثقافات والحضارات في إطار الحضارة الإسلامية، وهذا ما نؤمن به، وندعو إليه بعيدًا عن أكذوبة صراع الحضارات أو نهايتها، واضعين في الاعتبار أن الله تعالى خلقنا فوق المعمورة الأرضية من أجل أن نتعارف، ونتفاهم، ونتبادل الآراء والخبرات والأفكار، من أجل أن نتعاون ونتضامن ونتكاتف، وهدفنا في كل ذلك هو السعي من أجل العيش في واقع أفضل وأحسن للبشرية جمعاء.

إن نحو ثلث كتاب الفهرست لابن النديم، يتناول الرافد الأجنبي، وتأثيره في الحضارة الإسلامية، وعليه فإن هذا الكتاب يعد من هذه الزاوية مصدرًا مهمًا يدلنا على المعرفة العميقة الواعية بتراث اليونان والفرس والهنود.

لقد بذل المسلمون جهودًا كبيرة من أجل نقل هذا التراث (تراث الآخر) والإضافة إليه، بعد أن استوعبوه جيدًا، ونقدوه، وحذفوا منه الكثير الذي لا يتناسب مع العقل أو المنطق، أو الذي لا يتفق مع ثوابتهم، وكان ذلك في جميع التخصصات: الفلسفية، والرياضية، والطبيعية، والطبية، والموسيقية، والكيميائية... الخ.

هذا، وقد خصص ابن النديم صفحات للحديث عن «جالينوس» أشهر أطباء اليونان، وعن مؤلفاته التي قام حنين ابن إسحق وتلاميذه من المترجمين المسيحيين السريان بترجمتها في العصر العباسي.

والسريان- كما نعلم- هم أبناء اللغة السريانية، وكانت هذه اللغة من أهم لغات بلاد الشام والعراق قبل الإسلام، وظلت مستخدمة عند بعض الجماعات إلى جانب اللغة العربية في إطار الدولة الإسلامية، والحق يقال أن السريان أسهموا في حركة ترجمة التراث اليوناني إلى السريانية، وإلى العربية، كما أسهموا بعلمهم في النهضة العلمية الإسلامية.

وفي نفس الوقت ينبغي علينا ألا ننسى أعلام الطب الإسلامي، مثل: أبي بكر الرازي، طبيب الدولة الإسلامية الأول، الذي ألف أكثر من مائة كتاب في علوم الطب، فهؤلاء جميعًا ذكرهم ابن النديم، وعرفنا بجهودهم في التأليف والترجمة، ولهذا يعد كتاب «الفهرست» من أهم الكتب الدالة على أهمية التعددية الثقافية، وضرورة لقاء الثقافات والحوار بينها، من أجل نهضة فاعلة لسائر الأمم.

وبهذه المناسبة يجب القول أن الثقافة اليونانية كانت أكبر تأثيرًا في العلوم العقلية التي ألف فيها المسلمون مثل الطب، والرياضيات، والفلسفة وغيرها.. وأن الثقافة الفارسية كانت أكثر تأثيرًا في الأدب العربي، وفي نظام الحكم، وفي الفنون بوجه عام.. والمجددون في الأدب العربي نثرًا وشعرًا كانوا من أصل فارسي.

نقول: نحن لا ننكر فضل أهل الاستشراق على تاريخ العلوم العقلية الإسلامية، مهما كان اختلافنا مع بعضهم في بعض المنطلقات الفكرية.. إن لأهل الاستشراق الباع الأجل في الكشف عن تاريخ العلوم عند المسلمين، وهو فضل رائع وعظيم، يعيه ويدركه جيدًا كل من له اطلاع، ولو قليل في مجال الدراسات الإسلامية، أو في تاريخ العلوم الطبيعية.

لقد تناول أهل الاستشراق التراث العلمي الإسلامي بالتحقيق والتمحيص والدرس، والمقارنة بينه وبين أصوله اليونانية والهندية، وتأثيره على الغرب في العصور الوسيطة، وأوائل العصر الحديث.

وعليه فلا ضرر أن نقوم بدراسات وأبحاث تحاول أن تعرض لأطراف مما قاموا به، ولا بأس أن تكون هذه الدراسات مسهبة ومعمقة، أو تكون سريعة عاجلة غير مستقصية أو مستفيضة، وهذا النوع الأخير يمكن أن يكون في شكل مقالات تنشر في الصحف السيارة، أو في المجلات العامة، أما النوع الأول الذي ينطلق من الإسهاب والتفصيل فيحتاج إلى مجلدات ومجلدات، ويكفي أن يعلم القارئ أن مجرد السرد الببليوجرافي لجهود أهل الاستشراق في دراسة العلوم الإسلامية، يمكن أن يستغرق بمفرده أكثر من ألفي صفحة أو ما يزيد على أقل تقدير.

فلا غضاضة بالمرة من أن نعترف بجهد الآخر، والآخر هنا قدم خدمة جليلة لتراثنا العلمي، فما المانع من أن نشكره ونقدره، ونحاول أن نطور ونعمق ونجود ما قام به، ونبدأ من حيث انتهى، ومهما اختلفنا معه، فإن الود لا يفسد للعلم والفكر الإنساني قضية.

ويرى كاتب هذه السطور أن أوضح وسيلة أو طريقة لتناول موضوع جهود أهل الاستشراق في خدمة العلوم العقلية الإسلامية، هو أن نتناوله: علمًا علمًا، وبالطبع قد لا يتمكن أي باحث من ذكر أو الحديث المفصل عن كل العلوم، إذن فلا ضرر إذا قام بذكر بعض ما قام به هؤلاء المستشرقون في دراسة تاريخ العلم العربي، وبحثه وتحقيق نصوصه.

وختامًا: فليس عيبًا على الإطلاق أن نسعى لعلم الآخر أو فكره، نفحصه، ندرسه، نتأمله، ننقده، ثم نأخذ منه ما ينفعنا، وما يصلح لنا، وما يتفق مع ثوابتنا.

imag s

القاهرة - الوعي الشبابي:

يعتقد الكثير من الناس خطأً أن حب الناس لشخص معين يرتبط فقط بطبيعته التي ولد بها، أو لامتلاكه موهبة عظيمة وهبت له، وعلى ذلك يصبح الأشخاص المحبوبون وفق اعتقادهم قليلين جدًا، لكن الحقيقة هي أنه بإمكان أي فرد أن يصبح محبوبًا ممن حوله، والفكرة بأكملها تخضع لسيطرته، وذلك ما يسمى بالذكاء العاطفي أو الذكاء الاجتماعي.

 

32

تحقيق - نشوه صالح :

 لماذا غيّب الشره الاستهلاكي ثقافة الادخار في عالمنا العربي؟ وماهي الأسباب والعوامل التي أدت إلى تفاقم النزعة الاستهلاكية في المجتمعات العربية إلى هذا الحد؟ وكيف نقضي عليها لتعود ثقافة من جديد؟

هذه الأسئلة وغيرها حاولت «الوعي الإسلامي» الإجابة عنها من خلال الالتقاء بعدد من المحللين الاقتصاديين وعلماء النفس والاجتماع والدّين، الذين أكدوا جميعهم أن ظاهرة الاستهلاك انتشرت وبقوة في المجتمعات العربية بصورة لافتة للأنظار، في ظل غياب ثقافة الادخار ، وأشاروا إلى أن حب تقليد الآخرين، وغياب سياسة ترشيد الإنفاق يغذي ثقافة الإنفاق المبالغ فيه.

في البداية يوضح الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور أن الادخار ثقافة يكتسبها الفرد من أسرته، ومن البيئة التي يشبّ فيها، موضحا أن الشعوب التي تتمتع بثقافة الادخار هي الشعوب التي تتمتع بذكاء عال، وحرص على المستقبل، لافتا إلى أن الحكومات عندما تتمتع هي الأخرى بالثقافة الادخارية، فإن مواطنيها يكتسبون هذه القيم منها تلقائيا، ولكن عندما يجد الأفراد والشعوب أن الحكومات تنفق ببذخ هائل دون رشد فسيكونون أكثر بذخا.

وأكد بوخضور أن هناك عدة جوانب أخرى تبعد الإنسان عن ثقافة الادخار، وتدفعه نحو الترف الاستهلاكي، أهمها محاولات الدول الرأسمالية الكبرى تقوية النزعة الاستهلاكية في الشعوب الغنية والفقيرة، من أجل استنزاف كل ما في أيدي تلك الشعوب، موضحا أن تقليد الآخرين يشجع على غياب ثقافة الادخار، لأن هناك أشخاصا يبحثون عن ملذات النفس، من خلال امتلاك سلع كمالية للاستهلاك وتقليد الآخرين والتباهي.

سلوك منفلت

ويقول الخبير الاقتصادي صلاح العازمي: إن هناك مؤشرات اقتصادية توضح مدى غياب ثقافة الادخار، منها تراجع نسبة المدخرين في شهادات الاستثمار، منبها إلى أن ارتفاع نسب قروض المواطنين من البنوك يعد من المؤشرات الرئيسة لغياب ثقافة الادخار، فضلا عن أن هناك بنوكا تعمل ليل نهار على تحفيز المواطنين على الاقتراض من البنوك، وتقدم في سبيل ذلك إغراءات غير عادية.

واختتم العازمي كلامه قائلا: إن غالبية من مواطني العالم العربي لا يقدرون قيم الادخار، موضحا أن شعوب الدول الأوروبية ودول جنوب شرق آسيا لديها  ثقافة ادخارية عالية جدا، ولذا فإن مواطني هذه الدول لا ينفقون أموالهم إلا فيما يستحق.

ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر د. محمد العبيدي أن الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية تشير إلى زيادة النزعة الاستهلاكية التي تنتشر في المجتمع بصورة سريعة، عندما تغيب ثقافة الادخار عن هذا المجتمع، موضحا أن السلوكيات الاجتماعية الانفلاتية ذات الشراهة الاستهلاكية تتوغل في المجتمعات بصورة أعظم عندما لا تتخذ حكومات تلك الدول أي إرشادات لمواطنيها، لتحثهم على الادخار.

وأوضح د. العبيدي أن مؤسسات المجتمع المدني عليها أن تقوم بدورها الإيجابي لمعالجة ظاهرة زيادة النزعة الاستهلاكية، مع ضرورة ترسيخ قيم الثقافة الادخارية في المجتمع.

حب القصور

ويشير أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. عويد المشعان إلى أن غياب ثقافة الادخار تنتشر في الكثير من المجتمعات العربية، خاصة الخليجية، نظرا لارتفاع دخل الفرد فيها عن الدول العربية الأخرى. ومع هذا فإن ثقافة الاستهلاك الترفي المبالغ فيه تنتشر في معظم المجتمعات العربية، مفيدا أن المواطن لا يكبح جماح نفسه عن شراء كافة الموديلات الحديثة، سواء في السيارات أو كافة المقتنيات الأخرى، وهو يفعل ذلك ليس حبا في اقتناء كل ما هو جديد، وإنما حبا في الظهور بالمظاهر الخداعة.

ورأى د. المشعان أن الآباء والأمهات يلعبون دورا أساسيا في غياب ثقافة الادخار وزيادة النزعة الاستهلاكية لأولادهم، عن طريق إعطاء الأولاد كل شيء دون حساب، مطالبا أولياء الأمور بضرورة تعويد أبنائهم على الادخار منذ صغرهم. فالابن الذي يدخر من أجل شراء هدية لأمه أو لوالده أو لشقيقه الأصغر، فإن هذا الابن ستنمو لديه ملكة الادخار، أما إذا تعود الأبناء على الإنفاق المبالغ فيه حسب قاعدة «اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب» فهؤلاء الأبناء لن يقدروا على الادخار في حياتهم. ومن هنا سوف يعاني هؤلاء الأبناء في كبرهم من الإفراط في الإنفاق.

دور الأم

وأشار د. المشعان إلى أن الأم عليها أن تعود أبناءها على الادخار، وأن تساعدهم في ذلك، وعليها أن تحببهم في القناعة وعدم تقليد الآخرين، متأسفا لوجود بعض الأهل الذين يزرعون سلوكيات البذخ والإسراف المبالغ فيه في نفوس الأبناء. فاذا اشترى ابن العم هاتفا حديثا فإن بعض الأمهات تتجه فورا لشراء الهاتف نفسه لأولادها بحجة واهية.

غيرة المرأة

ويرى الاستشاري في الطب النفسي د. خالد الإبراهيم أن غيرة المرأة من المرأة تلعب دورا كبيرا في غياب الثقافة الادخارية، موضحا أن المرأة إذا رأت زميلتها في العمل اشترت سيارة جديدة أو حتى عباءة فإن دوافع الغيرة تتحرك داخلها، ولذا تتجه لشراء ما هو أفخم مما اشترته زميلتها في العمل، موضحا أن هناك الكثير من الشباب والرجال أيضا الذين لا يهتمون بتوفير أي مبالغ للمستقبل، لأنهم اعتمدوا على الدولة في كل شيء، موضحا أن المواطن عندما يجد أن دولته ترعاه من المهد إلى اللحد، فما الذي يجعله يدخر، ذاكرا أن الثقافة الادخارية تزداد في المجتمعات الفقيرة بشكل أكثر من المجتمعات الميسورة، مطالبا بضرورة تعزيز السلوكيات النفسية التي تدفع الأجيال الصاعدة نحو الثقافة الادخارية بكافة الطرق. منها على سبيل المثال أن يسلط الإعلام الضوء على تعزيز الثقافة الادخارية، وأن تهتم الأسر بتربية أبنائها على ثقافة الادخار، وتقوم المدارس بدورها في تعزيز هذه الثقافة وتبتعد عن ثقافة الشره الاستهلاكي.

ترشيد الإنفاق

وشدد الأمين العام لمؤسسات المجتمع المدني عبدالرحمن الغانم على أهمية أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدورها التوعوي والإرشادي، لتعزيز قيم الادخار في المجتمع، كما أكد على أهمية قيام الآباء والأمهات بتعويد أولادهم على ثقافة الادخار من أجل تأمين المستقبل، موضحا أن الدول النفطية ينبغي عليها أن تربي أجيالها على ثقافة الادخار، من خلال ترشيد الإنفاق، ومن خلال الابتعاد عن الهدر المتواصل.

ويرى المحامي ماجد بورمية أن غياب ثقافة الادخار أدت إلى دخول الكثير من الرجال والنساء والشباب السجون، نتيجة عدم تعودهم على الثقافة الادخارية، موضحا أن الإنسان عندما يشب على قيم الإفراط في الإنفاق، فإن هذا الإنسان من السهل عليه أن يورط نفسه في قروض بنكية من أجل شراء سيارة جديدة مثلا، أو يستدين من البنوك من أجل أن يستمتع بالسفر من خلال الاستدانة، مشيرا إلى أن القوانين ملزمة لأي إنسان لا يدفع مستحقات البنوك، خاصة وأن تحرير شيك بدون رصيد أصبح جناية وليس جنحة.

كل البسط

ويقول الداعية الإسلامي الشيخ أحمد الموسى: إن على الإنسان أن يلتزم بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فيما يتعلق بالادخار، لأن الإنسان إذا أنفق كل ما لديه دون أن يدخر للمستقبل فإنه سوف يلوم نفسه. والآية الكريمة في ذلك تقول {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى  عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء:29).موضحا أن المواطن الذي يحب تقليد الآخرين، ويتجه لشراء أحدث السيارات وآخر صيحة في الهواتف النقالة مهما كان سعرها، دون أن يكفي راتبه كل هذا هو إنسان يهلك كل ما لديه من أموال.

 مشيرا إلى أن الادخار نعمة من نعم الله، لأن الإنسان إذا كان الآن في سعة من رزقه فعليه أن يعلم أن النفس لا تدري ماذا تكسب غدا، ولذا يجب أن يدخر المسلم على قدر استطاعته، ولكن في نفس الوقت يجب أن يخرج الزكاة في مواعيدها، ويتصدق على الفقراء، وأن يستثمر ويتاجر مع الله عزوجل، مع استمراره في الادخار، محذرا في الوقت نفسه من المبالغة في الادخار لدرجة البخل على النفس وعلى الغير.

 

236332522333

 

محمد شعبان أيوب*:

العلم منذ العصر النبوي دِعامة قوية من دعائم التربية الإسلامية، فهو الوعاء الثقافي والفكري الذي يُشَكِّل الشخصية المسلمة، به يعرف المسلم دينه وشريعته ودنياه، ثم غايته وآخرته ومنتهاه؛ ولذلك كان العلم في المجتمع الأموي أصلاً من أصول الحياة، بل يكاد يكون عادة من العادات والتقاليد المشتركة بين كل المسلمين.

وثمة أشكال متنوِّعة لأثر العلم على المجتمع والشباب قد يصعب بنا حصرها في هذا المقام الضيق، لكن ذلك لا يُثنينا عن الإتيان ببعض هذه النماذج المهمة، التي تكشفُ لنا كيف أن العلاقة بين العلم والتربية كانت تسير في طريق متناغمة؛ سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الأمم والجماعات.

تقول المستشرقة الألمانية الشهيرة زيجريد هونكه في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "ما أن انقضى قرن واحد من الزمان على الفتوحات الإسلامية حتى ازدهرت حضارة العرب، وآتت أكلها مكتملة ناضجة... كانت الاحتكاكات بين الآراء المختلفة قد منحت الحركة الفكرية حيوية دائمة، وحمت الإسلام من الجمود، وأجبرته على أن يُسلِّح نفسه علميًّا، وأن يتطوَّر بالقوى العقلية وينهض بها من سباتها، وساعده على ذلك المطالب العديدة المنبثقة من شعائر الدين، أو من الحياة اليومية للشعوب.. ففي كل حقل من حقول الحياة صار الشعار للجميع: تعلَّم وزد معارفك قدر إمكانك وأينما استطعت. وبأقدام ثابتة ونفوس هادئة مطمئنة، تعرف حقَّها، وتُؤَدِّي واجبها، أقبل العرب على ما وجدوا من معارف، فاغترفوا منها قدر جهدهم، وما رأوا فيه نفعًا لهم"([2]).

وقد كانت مؤسسة الخلافة تتدخَّل في بعض الأوقات لتحديد النظام الأخلاقي والتربوي المترتِّب على طلب العلم؛ فمثلاً "كتب عمر بن عبد العزيز ينهى المعلِّمين أن يحملوا الصبيان على الدواب إذا حذقوا"([4]).

وعلاقة المعلم بصبيان مكتب القرآن حدَّدها -أيضًا- كبار التابعين، وتناولوها في أحاديثهم وحلقاتهم، وأخذها عنهم تلاميذهم الذين أصبحوا فيما بعد رؤساء حلقات وعلماء أجلاء، فقد رُوي عن مجاهد بن جبر (ت104هـ) التابعي الكبير وتلميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: معلم الصبيان إذ لم يعدل بينهم جاء يوم القيامة مع الظَّلَمة([6]). ومن ثَمَّ حرص المعلمون والمؤدبون على تطبيق هذه الأقوال المأثورة عن أولئك العلماء الأجلاء، وظهرت جليًّا في ثقافة ووعي الطلاب المتخرجين في هذه المكاتب والحلقات.

وكان الرجل إذا رأى ابنه ارتكب خطأ، أو تهاون في أداء فريضة تحدَّث على الفور مع مؤدِّب ولده؛ يُخبره بما اقترفه من جُرم، ويُبَلِّغه آثار تربيته في ذلك الولد بالإيجاب كان أم بالسلب، ومن أجمل ما ذُكر في هذا الأمر، ما أخبرنا به ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة في محاسن الشعر وآدابه" عن القاضي الكبير شريح بن الحارث (ت78هـ)، قال: "كتب (أي شُريح) إلى مؤدب ولده وقد وجده وقت الصلاة يلعب بجرو كلب، وأودع الأبيات رُقعةً(

طَلَبَ الْهِرَاشِ(

فَلَيَأْتِيَنَّكَ غُدْوَةً بِصَحِيفَةٍ

كُتِبَتْ لَهُ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ(

فَإِذَا هَمَمْتَ بِضَرْبِهِ فَبِدِرَّةٍ(

وَإِذَا بَلَغْتَ بِهِ ثَلاثًا فَاحْبِسِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا أَتَيْتَ فَنَفْسُهُ

مَعَ مَا يُجَرِّعُنِي أَعَزُّ الأَنْفُسِ(

وكان بعض هؤلاء المؤدبين والمعلمين يأخذون الأجرة، فكان بعض الولاة والعلماء يستنكف من ذلك، بل ويتعجَّب ممن يأخذون أموالاً نظير العلم، ويعدُّون ذلك من خوارم مروءة المؤدب نظرًا لكون الأمر مستجدًا؛ فقد ذُكر عن الضحاك بن قيس([13]) فسلَّم عليه، وقال له المؤذن: إني لأحبك لله U. فقال له الضحاك: ولكني أُبغضك لله. قال: ولِمَ تبغضني أصلحك الله؟! فقال: لأنك تتزاهى بتأذينك، وتأخذ أجرًا على تعليمك. وكان معلم كُتَّاب"([15])!

هذه بعض آداب طلب العلم للمعلّم والمتعلم في زمن الدولة الأموية، وفي مقالنا القادم سنقف مع بعض مظاهر النظام التربوي والتعليمي في تلك الدولة التي تكشف لنا بعضًا مما توارى في غيابات التاريخ الإسلامي ومصادره!

*باحث في التاريخ والتراث


([2]) سنن الدارمي 1/150 ح569.

([4])سنن الدارمي 1/116 ح373.

([6]) عبد الله بن عدي الجرجاني: الكامل في ضعفاء الرجال 3/139.

([8])الهراش: تقاتل الكلاب وتحريش بعضها على بعض.

([10]) الدرة: ما يُؤَدَّب بها الأطفال من الجريد ونحوه.

([12])الضحاك بن قيس الفهري من صغار الصحابة، قُتل في موقعة مرج راهط بين قوات عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم عام 64هـ. ابن حجر: الإصابة 3/479.

([14]) ابن عساكر: تاريخ دمشق 24/290.

([15])سنن الدارمي 1/151 ح574.

0200010

د. حسن عزوزي:

يسجل مفهوم التسامح حضوره في عمق التجربة الإنسانية من خلال مختلف الآداب الفكرية للأديان السماوية والوضعية على السواء. وقد عرفت الحضارات الإنسانية مفهوم التسامح كواحد من المفاهيم التي تندرج في إطار حقوق الإنسان مقابلا لمفاهيم العنف والتعصب واللاتسامح.

وإذا كان التعصب يشكل مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية لدى كثير من شعوب العالم، فإن التسامح يعتبر فضيلة إنسانية تغيب عنها مظاهر العنف، وتنجلي فيها قيم الأمن والسلام. ولذلك، فإذا غاب التسامح فهذا يعني غياب الأمن المجتمعي ومن ثم غياب السلام.

وتجمع القواميس العربية على أن المقصود بالتسامح هو المساهلة (1) والسخاء والجود والكرم، فيقال: أسمح: إذا جاد وأعطى بكرم وسخاء. وأسمح وتسامح: إذا وافقني الآخر على المطلوب، والمسامحة هي المساهلة. أما في المعاجم الأجنبية فنجد في معجم «هاشيت» تعريفا للفظة «التسامح» بأنها «موقف يقضي باحترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه ومعتقداته» (2)، كما نجد في معجم العلوم الاجتماعية تعريفا قريبا لهذا الأخير, جاء فيه أن التسامح هو قبول الآخرين وسلوكهم على مبدأ الاختلاف، ويتعارض مع مفهوم السلطة والقهر والعنف، ويعد هذا المفهوم إحدى سمات المجتمع الديموقراطي (3).

لقد ترجمت لفظة «Tolérance» عربيا إلى «التسامح»، ومع ذلك لابد من الإقرار بأن المفهوم يعتبر وليد حركة الإصلاح الديني الأوروبي، حيث نشأ عن تغير في الذهنية ناتج عن علاقة جديدة هي علاقة الاعتراف المتبادل بين مختلف القوى التي استمر صراعها خلال الحروب الدينية الأوروبية.

التسامح والاعتراف بالآخر المختلف

تتضمن هذه التعريفات إذن مفاهيم تجعل من التسامح سلوكا وقيمة يتحلى بهما الشخص تجاه الآخر، خصوصا الآخر المختلف عن الذات، دينيا وفكريا، إذ لا ينبغي الاعتقاد بأن الجميع ينبغي أن يكون مشابها للذات وإلا وجب إقصاؤه ونبذه، ولقد أمر الله تعالى رسوله  " صلى الله عليه وسلم"  بأعلى درجات التسامح فقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } (المائدة:13)، وقال أيضا: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(الحجر:85). «ومعنى العفو ترك المؤاخذة بالذنب، ومعنى الصفح ترك أثره من النفس، وكونه لم يبق أثره في النفس قمة في التسامح» (4).

من جهة أخرى، يمكن القول إن المفهوم الراهن للتسامح ينطوي على أبعاد قوية يمكن أن نجمعها في كلمة واحدة وهي «الاعتراف». فكل شخص إنساني ملزم بالاعتراف بالآخر، سواء كان مماثلا له أو مختلفا عنه، اعترافا القصد منه الإيمان بحق كل شخص في العيش وفق قناعاته في مجتمع آمن تسود فيه علاقات التفاهم والتساكن والتعايش (5).

إذن فالتسامح وسيلة الانسجام، وهو عملية تصفية لعرض الأفكار وفهم آراء الغير حتى يتنازل الإنسان عما علق برأيه من أنانية واعتداد بالرأي؛ ليحقق الانسجام مع فكر غيره. وبذلك يحقق الفعالية والاستمرارية لأجواء التفاهم والتساكن فيما بين أفراد المجتمع، في ظل الأمن الوارف، الذي يستظل بظلاله كل من ينسجم مع مجتمعه في وحدة الموقف وسمو النفس والارتفاع عن الضغائن والأحقاد.

إن هناك شيئا لا يدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين، ويلزم بها القضاء، وتشرف على تنفيذها الحكومات، ذلك هو روح التسامح التي تتجلى أسمى مظاهرها في حسن المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية، من البر والرحمة والإحسان، وهي الأمور التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية من أجل أن ينعم بالأمن المجتمعي الرغيد.

التسامح.. والأمن المجتمعي

إن الإنسان إذا تسامح، أو عبر عن سلوك متسامح فمعناه أن يأخذ الآخر، الذي يعيش معه في أمان، بعين الاعتبار، ويقبل حججه. وبذلك يكون مفهوم التسامح مرتبطا ارتباطا عميقا بمفهوم الأمن والسلام، فالأمن هو لازمة طبيعية لمفهوم التسامح، وإذا كان مفهوم الأمن والسلام هو غياب الحرب والصراع ووجود الأمن المجتمعي، فإن هذا يعني وجود التسامح كضرورة حيوية لمفهوم الأمن والسلام، ويبقى العنف في النهاية هو الصيغة المقابلة لمفهوم التسامح، فالعنف التعصبي أو العدواني هو نقيض التسامح، وذلك لأن التسامح هو التصور المنافي لأي ممارسة للعنف والتسلط والعدوان.

ولاشك أنه في ظل انتشار الأمن المجتمعي تسري عدوى التسامح من الفرد إلى الفرد، ليصبح المجتمع متسامحا، سواء في المعاملات، أو في تلقي الآراء والأفكار، أو في التساكن مع مختلف الجماعات، أو الحوار مع الآخر. ومن البديهي أن يكون التسامح من طبيعة الإسلام، لأنه دين اجتماعي وليس دينا ترتكز تشريعاته على الفرد وحده باعتباره محط اهتمامه، لأنه لا يرى سعادة الفرد إلا في تلاحمه مع مجتمعه، فالمجتمع بيئة الفرد التي ينمو فيها متعاونا ومنسجما معها، ولا سبيل لسعادة الفرد إلا في مجتمع متسامح، كما لا سبيل لوجود مجتمع متسامح إلا في فرد متسامح أيضا، وهذا التسامح إنما يسود في مجتمع آمن يعتمد الاستقرار والسلام والتفاهم. وإذا كان الفرد المسلم يوجه إليه الخطاب القرآني بضمير الجماعة أكثر مما يوجه إليه بضمير المفرد، فلأن الإسلام دين اجتماعي تتحقق تعاليمه ومبادئه وقيمه بالتجاوب والتواصل داخل إطار جماعي وليس فرديا. ولو تأملنا في مبدأ الشورى، على سبيل المثال، لوجدناه في الإسلام يؤدي إلى إبراز طبيعة التسامح في شخصية الإنسان المسلم. فالشورى تقتضي وجود آراء متعددة متفاضلة لا تجد حلها إلا في التسامح الذي يذيب عوامل التصلب في الرأي والتعصب في المواقف والسير في الطريق الواحد دون الإصغاء إلى مختلف الاتجاهات، فالشورى تنازل عن بعض المواقف أو بعض جوانب الرأي، فإذا كان المسلم من طبعه التسامح سهلت عليه استساغة الرأي المعارض إذا لم يمس حقا من حقوق الله أو حقوق العباد، وإنما هو التسامح الذاتي في قبول وجهة نظر أخرى تحقق الهدف أو ما يؤدي إلى تحقيقه. فالشورى إذن هي فلسفة الاجتماع الإسلامي في الأسرة والمجتمع والدولة، وهي سبيل مشاركة الإنسان في تدبير شؤون العمران، وبها يرشد الإنسان تدبير المجتمع الذي ينتسب إليه ويشعر بالأمن الاجتماعي الذي يحققه له هذا الانتماء.

وهكذا فالتسامح يعد أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده. فالتعددية، والديموقراطية، وحرية المعتقد، وقبول الاختلاف في الرأي والفكر وثقافة الإنسان، وتقدير المواثيق الوطنية والدولية، واحترام سيادة القانون.. خيارات استراتيجية وقيم إنسانية لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة. فالتسامح عامل فاعل في بناء المجتمع المدني وتعزيزه واستقراره.

قيم التسامح في التوجيهات الإسلامية

إذا كان الإسلام دين سلام وعقيدة محبة ووئام بين جميع الناس، مسلمين وغير مسلمين، فإنه أيضا نظام اجتماعي يستهدف تحقيق الأمن المجتمعي الشامل، الذي يرمي إلى أن يستظل بظلاله كل من يعيش داخل المجتمع من مسلمين وأهل ذمة وغيرهم، وهذا الأمن المجتمعي هو الذي يجمع كل هؤلاء أناسا متعارفين متحابين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا  إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13).

إنه حتى في حالة الخصومة والشنآن يبقي الإسلام أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة وسماحة الخلق، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا  اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة:8)، وقال سبحانه: { عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً  وَاللَّهُ قَدِيرٌ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7) لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} (الممتحنة:7-8).

فهذه بعض من تلك القواعد السامية التي جعلها الإسلام أصولا لمعاملة غير المسلمين، وهي أعدل القواعد التي تتفق مع روح هذا الدين وسماحته، وهي أساس شريعته الدولية التي تجعل حالة السلم بينه وبين الناس جميعا هي الحالة الثابتة لا يغيرها إلا وقوع الاعتداء الحربي عليه وضرورة رده.

ومن التوجيهات الإسلامية التي تحث على السماحة ومقابلة الشر بالخير والسيئة بالحسنة قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ  نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (المؤمنون:96)، وقوله سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34).

ومن تلك التوجيهات أيضا أن يكون جدال الآخر بالتي هي أحسن، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ   وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).

ووجه الإسلام إلى مقابلة النوايا السيئة والحقد الدفين بالعفو والصفح، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ   فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى  يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ   إِنَّ اللَّهَ عَلَى  كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:109).

أما سيرة الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  وصحابته الكرام فتعد ترجمة واقعية لتلك التوجيهات القرآنية، حيث طبعت حياتهم بمواجهة الأذى بالصبر والحلم والثبات، أما بعد الهجرة النبوية فكان الحرص على أشده لكي تتحقق داخل المدينة المنورة ملامح الأمن المجتمعي الشامل الذي يؤنس لشيوع أجواء التسامح والتساكن السلمي. ولذلك آخى الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  بين المهاجرين والأنصار، وعقد معاهدات كثيرة مع أعدائه، حيث عاهد  " صلى الله عليه وسلم"  أهل الكتاب من يهود المدينة وما حولها على السلم والتعاون، وعاهد المشركين في الحديبية على السلم والأمان، وتساهل معهم إلى منتهى التساهل والتسامح، لكن عن قوة وعزة لا عن ضعف وذلة، بل تجلت روح التسامح عند النبي  " صلى الله عليه وسلم"  حتى في الحرب، فقد قال لهم أيضا: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن» (رواه مسلم).

والإسلام حين يحث على التسامح مع المخالفين، ومن ضمنهم أهل الكتاب، يمنع المسلمين منعا جازما من اتخاذ أولياء منهم يتعاونون معهم، فالتسامح شيء واتخاذهم أعداء الإسلام أولياء شيء آخر، قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ   وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران:28).

ومن سماحة الإسلام أنه حين يكشف للمسلمين عما تضمره لهم نفوس أعدائهم من الحقد والبغض، لا يأمرهم ولا يحرضهم على مقابلة الغل والدس والكراهية بمثلها، وإنما يحذر المسلمين ويبصرهم بحقيقة العدو، وينبههم إلى الخطر الذي يهدد الأمن المجتمعي لحماية المسلمين، ومع ذلك يحث على الصفح والعفو والجنوح إلى السلم وعدم اللجوء إلى العنف إلا عند الضرورة، كما يربي المؤمنين على أن يعاملوا الناس جميعا بسماحة الإسلام؛ منعا للفتنة وإزالة للتحديات التي تعيق استتباب الأمن والسلام والاستقرار.

الهوامش

(1) لسان العرب لابن منظور 2/490، طبعة دار صادر، بيروت، 1995، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، مكتبة الخانجي بمصر، ط 3/1402.

(2) Dictionnaire Hachette ,2 ed p 1173.

(3) Lexique des sciences sociales ;dallaz- Paris 1983 p 358.

(4) الشوكاني، فتح القدير، 1/28.

(5) Hassan Azzouzi ;La question de la tolérance entre chrétiens ,Juifs et Musulmans in: AL MISBAHIA revue dela faculté des Lettres Sais – Fès ,Volume 4/ 2000 p 59

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال