الجمعة، 29 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

553 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

press19-6-3

د. سعاد الناصر :

حين نقول السلوك الحضاري أو السلوك المدني تأتي إلى أذهاننا مجموعة من المعاني والدلالات، كلها تصب في هاتين الكلمتين، فنجد السلوك الذي يعني ما يقوم به الفرد الواحد من ممارسة في المجتمع، داخل الأسرة، داخل المدرسة، مع الأصدقاء، في المجتمع ككل. وهذا السلوك أو الممارسة هي التي تقيم الشخص، وتترجم مستويات مختلفة من القيم والأفكار الموجهة لذلك السلوك. أما معنى المدني فيحيل على مفهوم التحضر، وهو مجموعة من المفاهيم والقوانين المرتبطة بتنظيم الحياة العامة في مجتمع من المجتمعات. وقد حدد بعض الباحثين السلوك المدني في معنيين يعكسان تطور المفهوم: «معنى عام يشمل واجبات المواطن ومسؤولياته في علاقته بالدولة من جهة وبالمواطنين من جهة ثانية، ومعنى عام يحدد الفضائل الضرورية الواجبة في تنشئة المواطن الصالح المتمتع بالجس المدني والانضباط والإخلاص للمجموعة الوطنية»(1)،

فالسلوك المدني يمكن اعتباره معيارا أخلاقيا لضبط العلاقة بين النزوعات الفردية من سلوكات ومواقف وبين متطلبات الهيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأفراد، الغاية منه توجيه السلوك الفردي من جهة، وتنظيم الحياة الاجتماعية من جهة ثانية. وهنا يجب الإشارة إلى أن الوعي بأهمية السلوك المدني وعي متأخر، كان يجب الالتفات إليه منذ زمان، وهو تأخر نتج عن غياب القيم الأخلاقية والإنسانية التي نجد معالمها مبثوثة في ديننا. وعلى هذا لا يمكن أن يكون تحضر وتمدن وعلم بدون قيم أخلاقية وإنسانية.

وهناك من يطلق على السلوك المدني التربية على المواطنة كي تترسخ علاقات مسؤولة بين الأفراد ومؤسسات الدولة والمجتمع، وتمتين روابط انتماء الفرد على المجتمع المؤسسة على احترام حقوق وحريات الإنسان والالتزام بآليات الديموقراطية المكتسبة عبر التربية والتكوين. بناء على كل هذا يمكن القول إن السلوك المدني أو التربية على المواطنة هو التطبيق العملي لمجموعة من المعارف والمهارات والخبرات والأخلاق التي يكتسبها الفرد داخل منظومة تربوية أو اجتماعية محددة تؤهله ليقوم بأدواره داخل مجتمعه. فهو يندرج في إطار يستند إلى رؤية أخلاقية واجتماعية تسعى في جملة ما تسعى إليه، إلى جعل المدرسة أداة للتحرر، أي مؤسسة تربي الإنسان على قيم وأخلاق تجعله يشعر بكرامته وحريته وإنسانيته، وتحفز طاقاته على العمل والإبداع. إن الإنسان الذي يرغب أن يحقق ذاته ووجوده، ولا يكون مجرد صفر من الأصفار، ينبغي عليه أن يحدد هدفه من الحياة. لا نتحدث هنا عن الهدف الذي يشترك فيه كل البشر وهو الذي عينه الخالق جل وعز في قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56) وإنما أقصد الهدف الخاص بكل إنسان، ما الذي يريد أن يكونه في الحياة؟ من هو الإنسان الذي تشرف به ذاته هو وأسرته ومجتمعه وأمته؟. إذا وضعنا هدفا لنا ولحياتنا سيسهل علينا تكوين شخصية لها استعداد للاستجابة إلى تربية مدنية تحقق طموحه وهدفه، وتحقق أمل وهدف المجتمع الذي ينتمي إليه. من هنا يجب أن نتعلم من ديننا أن التركيز يجب أن ينصب على بناء الإنسان الصالح، وتشكيل شخصيته بما يؤهله لأخذ مكانه داخل المجتمع وتأدية دوره فيه، وهذا ما يهدف إليه السلوك المدني. فما هي القيم الأساسية التي يجب عليه أن يكتسبها لتحقيق هدفه؟ وما هو أساس السلوك المدني وسبل تنميته؟ أولا: اكتساب القيمة الأخلاقية والإنسانية وتعويد النفس عليها، لكن ماذا نعني بالأخلاق؟ الأخلاق هي مجموعة من القواعد والمبادئ المنظمة للسلوك الإنساني، التي لا تقوم على نظريات مذهبية، أو مصالح فردية، وهي ثابتة لا يمكن استبدالها تحت أي ظرف ولا في أي مكان، فهي ليست ثوبا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء، كما أن جوهر الرسالات السماوية كلها هي الأخلاق. وها هو رسولنا (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(صححه الألباني) فالغرض من بعثته ­(صلى الله عليه وسلم) ­ هو إتمام الأخلاق، والعمل على تقويمها، وإشاعة مكارمها بين الناس. وحين تتشكل شخصيتنا بالقيمة الأخلاقية فإنها ستنعكس إيجابا على سلوكياتنا وتصرفاتنا في المجتمع انطلاقا من البيت والمدرسة وانتهاء بالمجتمع والوطن الذي نعيش فيه.. ولذا نجد أن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة.

 ولتأخذ مثالا على قيمة أخلاقية يجب اكتسابها. الحب، حب الله تعالى ورسوله، حب الوالدين، حب المعلم والأستاذ، حب الأصدقاء والأصحاب، حب الوطن، حب الناس جميعا، حب الخير، حب الدراسة والعلم، حب العمل والتفاني فيه. حين نتعلم أن نحب فعلا تفيض هذه القيمة على من حولنا، وتتغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، لأن الذي يحب لا يمكن أن يظلم، لا يمكن أن يعتدي على نفسه بالغش مثلا، أو بالكذب على والديه أو أصدقائه، لا يمكن أن يقترف أي عمل أو سلوك فيه إساءة أو فساد مهما كان، لأن نشر الفساد واستشراءه في المجتمع، والإساءة إلى الناس هدر لكل القيم الأخلاقية والإنسانية، بل تضييع الطاقة الإنتاجية في الإنسان، وقد كثر الحديث عن هذه القيمة في الكتاب العزيز، وبين لنا الحق سبحانه أصناف البشر الذين يحبهم، فهو يحبّ المحسنين، الذين يحسنون إلى الناس ويحرصون على عدم الإساءة إليهم، ويحبّ التوّابين، ويحبّ المتقين، ويحبّ الصابرين، ويحبّ المتطهرين، وفي مقابل ذلك فهو تعالى لا يحب المعتدين، ولا يحب الظالمين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين. وهاهو نبينا يعلن أمرا خطيرا يقول: «والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا» (رواه مسلم). وهذا مدعاة إلى إبعاد كل مشاعر الكره والحسد والخيانة والعنف وسوء المعاملة وغيرها واحتضان المحبة والإيثار والتسامح وغير ذلك. ثانيا: الحرص على الهوية والمواطنة: الهوية بشكل مبسط هي معرفة أصل الإنسان وانتمائه، أي التعرف على ذاتي، من أكون؟ من تكون؟. وحين نقترب من مكونات الهوية، نجدها متعددة، كمكون اللغة والدين والعرق والوطن وغير ذلك، وهذا يعني انتماء الفرد إلى الجماعة الإنسانية أولا ثم انتماؤه إلى مجموعة معينة. وهذا الإحساس بالانتماء الاجتماعي يرسخ في الذهن والوجدان الاعتزاز بالهوية وبقيمة المواطنة، ويمنحها حصانة وقوة. وترتبط الهوية والمواطنة بوعي الإنسان باعتباره ينتمي إلى جماعة يشترك معها في أشياء عدة كالتاريخ والدين واللغة وغير ذلك، فالتاريخ هو الذاكرة المشتركة التي تجمعنا على القوة والتوحد. الدين هو الرابطة التي تدفعنا، بالإضافة إلى القوة والتوحد، إلى التسامح والتكافل واحترام الاختلاف. وهكذا.. والهوية هي حافز للتشبع بالمواطنة. والمواطنة باختصار من أعمق المشاعر الإنسانية التي تضفي على الفرد قيمة واعتزازا. تكتسب دلالاتها من مفاهيم الحرية والحق والعدل والخير، وتتحدد أبعادها بوصفها مجموعة من القوانين التنظيمية والسلوكية تحدّد موقع الإنسان في وطنه، وموقفه من وطنه. أما موقعه فيحرص على ترسيخ وجوده فيه من خلال مجموعة من الحقوق كالحق في مؤسسات وقوانين ديموقراطية، الحق في المساواة وتكافؤ الفرص، الحق في المشاركة والتدبير واتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات، الحق في حرية التعبير، الحق في الأمن، في الصحة والتعليم والخدمات الأساسية العمومية، وغير ذلك من الحقوق التي يجب أن يكون واعيا بها، أهلا للتمتع لها. لكن هنا يبرز تساؤل: كيف يمكن أن أتمتع بحقي في المواطنة؟ يكون ذلك بالالتزام بمجموعة من الواجبات، والتي من أهمها: احترام النظام العام، عدم خيانة الوطن، الحفاظ على الممتلكات العمومية، الدفاع عن الوطن كلما دعت الحاجة إلى ذلك، التعلّق بأرضه التكافل والوحدة الوطنيين، المساهمة في بناء وازدهار الوطن. الاعتزاز بمنجزاته الحضارية، واحترام تاريخه وتراثه، التعاطف مع آلام شعبه وآماله، والوعي بالخطوط المتداخلة بين الحقوق والواجبات. هذا بصفة عامة، أما بصفة خاصة، فكل مواطن له واجبات يجب عليه أن يقوم بها من أجل التمتع بحقوق المواطنة، فبالنسبة لأبنائنا أهم واجب يجب أن يضعوه نصب أعينهم، هو الانضباط، والاهتمام بالوقت، الهندام النظيف، احترام المؤسسة التعليمية والحفاظ عليها وتشكيل لجان نظافتها وتزيينها، احترام المعلم والأستاذ واعتباره قيمة حضارية لا يجوز المس بها، وقدوة ورمزا للعدل والمسؤولية والعطاء والإخلاص، وقبل هذا وبعده، الحرص كل الحرص على الدراسة والعلم والتفوق فيهما. أي باختصار تمثل القيم الوطنية والقيم الأخلاقية، وتطبيقها عمليا من خلال السلوك والعلاقات.

 ثالثا: اكتساب جماليات السلوك المدني: كثيرا ما نسمع ونردد قول المصطفى(صلى الله عليه وسلم) «إن الله جميل يحب الجمال»(صحيح مسلم)، وهذا يعني أن هذه القيمة متأصلة في حضارتنا. فماذا نعني بالجمال؟ الجمال هو انطباع في النفس والروح بسبب تذوق دلالات التناسق والتنظيم والإبداع والإتقان يؤدي إلى البهجة والانتشاء والراحة. والقرآن الكريم ينص في مختلف الآيات على تذوق الجمال في الكون وفي الإنسان من خلال التركيز على ارتقاء الذوق الى مستوى التصرف والممارسة، وهو يجعل من الجمال سلوكا وجدانيا يقترن بالعبادة، فمثلا في الصلاة حين يقول تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}(العنكبوت:45) نكون نمارس شعيرة جميلة، تخرج المصلي من إطار أي قبح كقبح الفحشاء والمنكر إلى فضاء الجمال والفضيلة، وهكذا في كل ممارسة أو تصرف أو علاقة ينبغي التركيز على الدلالات الجمالية سواء من خلال الإتقان أو الإخلاص ليرتقي إلى درجة العبادة. وهذا الارتقاء نجد تطبيقاته في قدوة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): يقول تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21). وإذا كنا نسمع بأن المجتمعات المدنية مثل أمريكا وأوروبا تحرص على تربية أفرادها على جمالية السلوك المدني من مثل الحرص على النظافة، نظافة الطرقات والأماكن العمومية، عدم تكوم الشباب في الطرق والأزقة دون فائدة مما يشوه المكان والإنسان، عدم إزعاج الجار لجاره، لا يمد الرجل يده ابتداء للسلام على المرأة حتى تمد هي يدها، إذا كنا نسمع مثل هذه الجماليات في السلوك المدني ويخيل إلينا أنها مكتسبات غربية، فإننا نقول إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان ينبوعا رقراقا من جماليات السلوك المدني فهو فيض لا ينضب من الحبّ والحنان ورقة المشاعر والرفق، وهو رمز للتسامح والنظافة والعطاء. وإذا أردنا أن نتربى على السلوك المدني فعلينا بقراءة سيرة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، والغوص في استشراف دلالاتها الإنسانية الرائعة، كما علينا التحلي بأخلاقه وجماليات سلوكه وعلاقاته، لتنمية سلوكنا المدني، حتى نقدم من أنفسنا نماذج حضارية تبني ولا تهدم، تتسامح ولا تحقد، تعدل ولا تظلم، تحب ولا تكره، تتقن ولا تهمل، تتحاور ولا ترهب، تبدع ولا تتبع.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال