✍ إحسان الدبش – باحث وكاتب:

عندما ينشأ طفل بين أناس لسانهم يتكلم بالحكمة، وقلبهم ينبض بالتقوى، وصدورهم ممتلئة بالحلم، وأيديهم لاتُقَدم إلا الخير، وأرجلهم لاتمشي إلا إلى طاعة. ينشأ وقد تحلى بفضائلهم وتخلق بأخلاقهم.

[ وهكذا كان عروة الذي ولد في سنة 23 هـ في في خلافة عثمان رضي الله عنه، أيام مجد وعز، عاش عروة مع أبيه الصحابي الزبير بن العوام حواري (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع والدته أسماء بنت ابي بكر الصديق ذات النطاقين، ومع خالته عائشة أم المؤمنين. وأخذ علمه عن علي بن ابي طالب والحسن والحسين وسعيد بن زيد وأبو هريرة وأبو أيوب الأنصاري وأسامة بن زيد وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رجالاً ونساءً

وأخذ عنه العلم جمع غفير من التابعين منهم جعفر الصادق، والزهري، وعطاء بن رباح، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد.

كان عروة حريصاً على أن يتزود بالعلم ما استطاع قال فيما يرويه ابنه هشام « ما لكم لاتَعَلَّمون، إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم، وما خير الشيخ أن يكون شيخاً وهو جاهل».

قال أبو الزناد: « فقهاء المدينة أربعة سعيد وعروة وقبيصة وعبد الملك بن مروان »

قال الزهري: « رأيت عروة بحراً لاتكدره الدلاء، وقال: كان عروة يتألف الناس على حديثه.»

قال ابن شوذب: « كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظراً، ويقوم به في الليل. وكان إذا كان أيام الرطب يثلم حائطه (2)، ثم يأذن للناس فيه فيدخلون ياكلون ويحملون » ]

الإنسان مبتلى وخاصة المؤمن، وأنواع الإبتلاءآت كثيرة، منها المرض. المرض الذي قد يفقده عضواً هاماً من أعضاء جسده، أو أن يفقد إنسان عزيز عليه، نسأل الله أن ينجينا من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة. وقد ابتلي عروة بالإثنتين.

[ عن عروة بن الزبير عن ابنه هشام : « أن أباه وقعت في رجله الأكِلَةُ (3)

فقيل : الان ندعوا لك طبيباً ؟

قال: إن شئتم.

فقالوا: نسقيك شراباً يزول به عقلك.

فقال: امضوا لشأنكم ما كنت أظن أن خلقاً يشرب ما يزيل عقله حتى لايعرف به.

فوضع المنشار على ركبته، فما سمعنا له حساً. فلما قطعها، جعل

يقول: لئن أخذت لقد ابقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت، وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة. وكان حاضراً الوليد (4) حيث رفع إليه فقال: " ما رأيت شيخاً قط مثل هذا »

وأصيب عروة بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في إصطبل فلم يسمع منه في ذلك كلمة. فلما كان بوادي القرى قال: ﴿ لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾ الكهف 63 قال: اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً أبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة فاخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت. »

وعن عبد الله بن عروة قال: « نظر ابي في الطَّست فقال: إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط، وأنا اعلم. »

عيسى بن طلحة جاء إلى عروة..فقال عروة لبعض بنيه: « اكشف لعمك رجلي. ففعل، فقال عيسى: إنا – والله يا أبا عبد الله – ما أعددناك للصراع، ولا للسباق ولقد أبقى الله منك ما كنا نحتاج إليه؛ رأيك وعلمك. فقال: ما عزاني أحد مثلك. » ]

لقد كان صبر عروة على قطع ساقه صبراً أقرب إلى الخيال فلم يتكلم بكلمة أخ من الألم، ولا نستغرب ذلك، فالقلب المعلق بالله تهون أمامه كل المصاعب. قال سبحانه وتعالى : ﴿ ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون ﴾ النحل 96

1- الحواري: صاحب وناصر. وتاتي أيضاً بمعنى : الذي أخلص.

2- يَثْلمُ حائطه : أي يفتح فيه شق. ويقال للحائط الجدار أو البستان

3- الأكلة: الغرغرينة.

4- الوليد: هو الخليفة الوليد بن عبد الملك

[ ] بين قوسين عن سير أعلام النبلاء للذهبي مع الإختصار، وشيء من التصرف.

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"