السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

481 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

juii9 y

مصطفى القلاوي – كاتب وباحث إعلامي:

إن قضية الأخلاق وما أصابها من وهن وانزواء أمر ليس بالهين، فلا يتصور بناء إنسان جاد يفرج هموما متكالبة، ويصلح فسادا واقعا، وينشر خيرا نافعا، دون وجود دعائم أخلاقية مكينة وأعمدة متينة من الخلال الحسنة.

ووجود الخلق الأصيل في حياة المرء ضمان وثيق لرفعة شأنه وعلو منزلته، إذ به تسود الأمم، وبتجويده تنتصر الرسالات وأصحابها، وأمامه تنهار الطواغيت وعبادها.

فكل أمة منزوعة الأخلاق والفضائل لا بقاء لها وإن ارتفعت شاراتها أياما وسنوات، مثلها كمثل الجسد كامل الخلقة، مُنِحَه إنسان مهمل منعه الغذاء والدواء، حتى تعطلت أجهزته عن العمل، وتوقفت غدده عن الإفراز، فصار هيكلا معتلا لا قيمة له، سرعان ما انهار وارتضخت قامته وتهشمت.

والمتعارف عليه أن المجتمع الذي تمسي فيه الرذيلة مكونا رئيسا من كيانه لا خير فيه، وإن تشدق رعاياه بالتدين، فلوك الألسنة بلا أفعال ودلائل لا مفهوم له ولا معنى.

فالأخلاق قرينة الدين ووليدته، فإذا صح إيمان المرء وانتظمت عبادته؛ ازدهرت الفضيلة وهيمنت المكارم الحسنة، وتوارت عند ذلك الرذائل، كما أن انهيار الأخلاق وضعفها يعود إلى غياب الإيمان أو ضعفه، إذا رفع أحدهما رفع الآخر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

إن الرذائل التي يقترفها بعض العجزة بسوء أخلاقهم، لا يقف وبالها على ذواتهم الضعيفة؛ إنما يتطاير شررها إلى آماد بعيدة، لذلك حذر الإسلام من تفشي مثل هذه الأوبئة، حتى لا يدمر المجتمع وتفتت لحمته، إذ إن اقتراف كل خلق سيئ يأتي بالويلات على الشعوب، فكان العقاب الرادع لمثل هؤلاء تجريدهم وعزلهم عن جماعة المسلمين لسوء أخلاقهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن غشنا فليس منا» (رواه مسلم وغيره). ويقول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» (رواه البخاري ومسلم وغيرهما)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ومن ادعى ما ليس له فليس منا» (رواه مسلم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبدا على سيده» (صحيح، رواه أبوداود)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا» (صحيح، رواه أحمد). فكل من يغش الناس أو يحرش بينهم، أو يتخلق بسيئ الصفات، أو يهدر أقدار الكبار، أو يجحد حقوق الأماجد العظام؛ لا نصيب له في ميراث النبوة، وإن ادعاه.

إن أصالة الأخلاق لا تكمن في النفوس بإقرار الألسنة، ولا يكتسبها المرء بالقراءة والمطالعة وحدها، ولا يتلقنها المجتمع بالخطابة والدعاية فقط، إنما تتحصل بالمعاناة الطويلة، وتكمن في النفوس بمثابرة النفس على تلقيها، ويتناقلها المجتمع بالمعاملات الحسنة، ومن خلال الآداب الحميدة.

ربما تختلف العادات والتقاليد بين الشعوب، لكن دستور الأخلاق الذي تتحاكم إليه البشرية واحد لا يتغير، ومتعارف عليه لا ينكره أحد ولا يخرج عليه متزن، فهو لغة أصيلة تتفاهم بها المجتمعات، وتتقبلها الفطر السوية، وترتكز عليها العقول السليمة في إقرار الحسن ورفض كل قبيح ماجن.

وبما أن الأخلاق صاحبة سلطان على المرء، ولا يكون لها هذا إلا إذا تمكن الإيمان من الفؤاد، وعندئذ تسود الأخلاق وتنتصر الفضائل على ما سواها.

والغاية من الرسالة المحمدية هي إتمام الأخلاق الفاضلة وإرساء قواعدها في النفوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (صحيح، رواه أحمد).

وما انتاب الأمة من هبوط وتحدر، وما تخللها من تناحر وتشرذم، إلا نتيجة ما أصاب أخلاقهم من علل وأسقام، وما فرطت فيه من آداب وتعاليم.

والعبادات والشعائر التي فرضت ليست أعمالا غامضة لا معنى لها، وليست طقوسا جافة لا جدوى من تطبيقها، كلا! إنما يؤديها المسلم كي تعوده أن يحيا بالأخلاق الحميدة التي لا غنى له عنها، مهما تغيرت أمامه الحياة وواجهته العقبات. يقول تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } (العنكبوت:45).

إنك حين تتأمل العبادات المفروضة تجد إشراقات ونفحات ربانية، تغرس المشاعر النبيلة والأخلاق الحسنة في نفوس المؤمنين جميعا، إن التزموا بها.

فالصلاة تغرس في النفس مشاعر التذلل لله سبحانه، والتواضع للناس أجمعين، ومراقبة الله في كل كثير وقليل..

والزكاة التي فرضها الله ليست جباية تؤخذ من الجيوب للقهر، إنما هي غرس لمشاعر التراحم والتآلف بين المؤمنين، وتوطيد لعلاقات التآخي والتعاطف بينهم، تزكي نفوسهم الطاهرة، وتعمق مشاعرهم الصادقة، يقول تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } (التوبة:103).

كذلك الصيام لم يشرع لتجويع الأكباد وحرمانها صنوف الطعام والشراب فترة من الوقت، فإذا انقضت نهمت من الحلال والحرام، ويترك للمرء بعد ذلك أن يقول ما يشاء وأن يفعل ما يريد، إنما فرض لقمع طغيان الهوى ولكبح جماح شهوات النفس وحرمانها من النزوات المحظورة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، وجهل عليك فقل: إني صائم» (صحيح، رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم). ويقول صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري). كذلك شرع الصيام لتقوى الله التي تتجلى صورها في الشعور بالفقير الجائع والإحساس بالمحروم الضائع.

والحج إلى البقاع المقدسة الذي فرض على المستطيع ليس رحلة عديمة الروح فقيرة الأخلاق، بل هو رحلة، من مقاصدها: توطيد الأخلاق الطيبة، وتوطين المعاملات الحسنة، وترسيخ المبادئ القويمة، وتقويم اعوجاج النفس، وتهذيب تبذل السلوك، يقول تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة:197).

وكما يحرم على المؤمن في حرم الله أن يعضد شوكه، أو ينفر صيده، أو يلتقط لقطته، فمن الأولى ألا يفسد في أرض الله، فلا يقطع شجرة دون نفع، ولا ينفر آمنا من الخلق، ولا يسرق لُقطة بإخفائها عن صاحبها دون تعريف وإظهار.. كل هذه أخلاق يتعلمها المؤمن من الحج.

فالخلق لا يولد في النفس كبيرا، كما أنه لا يوجد فيها فجأة، إنما ينمو على مراحل عدة، لذلك كان سر ارتباط نمائه وتطوره بإدامة العبادات وتكرارها.

إن الأخلاق معارج للكمال، ومبادئ كريمة تربط الناس بميثاق رحيم، وتحوط المجتمع بسياج المودة والرأفة، وتحيي بداخله روح الألفة والتناصر، ولا حظ لمن حرم.

إن قيام الخلق الحسن في النفس وملازمته لها، يعصم من الزلل ويقي من الانحراف، وذهابه عنها يعود على المرء بخسارة لا يعقبها فلاح، وهلاك لا نجاة منه، فإن رجلا ذكر امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم وعدد من عبادتها وصفاتها، بيد أنها سيئة الخلق، فقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها، هي في النار» (صحيح، رواه أحمد واللفظ للحاكم).

إن الفَلَسَ الحقيقي هو فلس الأخلاق، الذي يجرد صاحبه من كل خير ويعري سوءته، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضيَ ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» (رواه مسلم).

والأخلاق في النفس شيء أصيل، وليست مواد ترف أو أمورا هامشية دخيلة يمكن الاستغناء عنها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكمل المؤمنين إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقا» (صحيح، رواه أحمد وغيره)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن» (صحيح، رواه أحمد).

إن الاشتغال بالإصلاح الخلقي يعود على صاحبه بالخير الكثير، ويرفعه أعلى المقامات، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليدرك بخلقه درجة الصائم القائم» (صحيح، رواه ابن حبان).

وتحقيق الأخلاق يتطلب تعهدا مستمرا لغراسها، ولا يتأتى هذا إلا بالتربية الطويلة والمتابعة الدقيقة، التي تؤتي ثمارها بالاعتماد على الأسوة الحسنة واقتباس الآثار الطيبة، المتجلية بالأفعال الكريمة والشيم الحسنة، يقول أنس رضي الله عنه: «خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت» (رواه البخاري).

وعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: «لن تراعوا لن تراعوا» وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: «لقد وجدته بحرا. أو: إنه لبحر» (رواه البخاري).

لقد كان الصحابة يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم بأعينهم قبل آذانهم، ويتأسون بجميع أفعاله إلا ما خص به، هنيئا لهم فقد وردوا نهرا زاخرا نهلوا منه حتى بدا أثر الري يخرج في أظفارهم.

ولما كانت النفس البشرية موضوع عمل الرسالات السماوية ومحور نشاطها، كرس الإسلام جهودا هائلة لتهذيبها، وغرس مبادئه في أعماقها، حتى صار هذا التهذيب وتلك المبادئ قوة تصلح بها النفس مما اعتراها من خلل، ودواء ناجعا تعالج به مما أصابها من علل، وضمانا أكيدا لخلود حضارة الإسلام المجيدة، إذ بالخلق القويم يستطيع المرء أن يواجه انحراف الفطر المشوهة، وانجراف الطباع السيئة، وإكمال نقص النفوس المفرطة.

وكما يحث الإسلام على إيجاد الأخلاق الحميدة، كذلك يسعى لتوفير البيئة الصالحة التي تحتضن هذه الأخلاق وترعاها وتعمل على تنميتها، فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم حكاية القاتل الذي يبحث عن توبة تغسله من خطاياه، فدُل على عالم يجيبه عما خالج صدره، وينتشله من براثن الضياع، فنصحه العالم بقوله: «انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء» (رواه مسلم)، فملاحظة البيئة الصالحة أمر لازم لا غنى عنه، وضمان فعال لبقاء مجتمع نقي آمن.

إن بقاء الأخلاق ضمان لبقاء الحضارة وازدهارها، فإذا سقطت الأخلاق في أمة، أوشكت الأمة على الانهيار، وقد أحسن شوقي حين قال:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقال أيضا:

وإذا أصيـب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتما وعويـلا

فلا بقاء لأمة إلا بمقدار ما تتمسك به من صفات حميدة، وما تبقيه من أخلاق كريمة، وعلى قدر صلة الأمة بالأخلاق، تكون صلتها بالله ومكانتها بين الأمم، فإذا انسلخت الأخلاق من النفس أذنت بانسلاخ المرء من دينه، فيصير عريانا لا يستره شيء، يتفشى ضرره ويتفاقم خطره.

يجب على المجتمع أن ينظر إلى الأخلاق نظرة اهتمام وتقدير، إذ إنها وليدة العقائد والشرائع وثمرتها، كما أنها عنصر رئيس يهيمن على كل شؤون الحياة وتصرفاتها، لذا وجب الاهتمام بها، والعمل على إيجادها، ونشر فضائلها بالدعوة والإرشاد، إذ في غيابها انحلال للقيم، وإطلاق لعنان الشهوات، بما يحدث اضطرابا يفتك بالمجتمع كله، ويسوقه إلى فوضوية جارفة لا تبقي ولا تذر.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال