الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

117 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 Untitledntitl

  محمد خالد*:

ثمة ظاهرة يستطيع المتابع للإعلام العربي إدراكها وتلمسها عن قربٍ في كثير من المعالجات الإعلامية للملفات والموضوعات المطروحة على الساحة، تتعلق تلك الظاهرة بغياب أو تهميش التفاصيل في ظل "عصر السرعة" والمنافسة بين وسائل الإعلام - وهي المنافسة التي عززتها الصحافة الإلكترونية وأضافت إليها أبعادًا مختلفة بما لها من ميزات - وتنافس كل صحافي وإعلامي من أجل "الانفراد" و"السبق".

صحيح أن ذلك السعي نحو التفرد والانفراد والتميز في ضوء المنافسة بين وسائل الإعلام يفرز سباقًا محمودًا بين الوسائل ينعكس على غزارة المادة المُقدمة بما يصب في الأخير في صالح قارئ نهم مُهتم بالمتابعة لما يدور حوله، إلا أن ذلك قد يكون دافعًا أو مُبَرِرًا لأن يُهمل الكثيرون "التفاصيل" ودقة السرد والطرح، بما يفرز مواد منقوصة ومشوهة تجانب الدقة ولربما تثير لغطًا واسعًا يأتي بنتائج عكسية تمامًا.

ومن مُسببات "إهمال التفاصيل" في بعض الأحايين هي رغبة بعض الجهات الإعلامية – على اختلاف الوسائل - في إضفاء نوع من الغموض، لاسيما في العناوين – خاصة في المواقع الإلكترونية- من أجل اللعب على وتر فضول القارئ وإثارته لإجباره على الإطلاع فتظهر عناوين دون متن جاد أو مُعبّر أو شامل للتفاصيل في بعض الأحيان، الأمر الذي يؤدي لتنفير القرّاء والجمهور من تلك المعالجات، بما يجعل ثقة القارئ تتراجع ربما في الإعلام العربي بصفة عامة مقابل ثقة متزايدة في الإعلام الغربي.

هذا لا ينفي وجود مؤسسات إعلامية عربية رشيدة وحكيمة أو يسقط دور تلك المؤسسات التي تتشبث بمعايير العمل الصحافي الجاد مكتمل الأركان والتفاصيل وتقوم بموازنة سعيها نحو الإنفراد والتميز دون الإخلال بتلك المعايير التي أراها معايير أخلاقية في المقام الأول قبل أن تكون معايير مهنية، فاحترام القارئ وتزويده بكل ما يريد من معلومات أمر تُحتمه الضوابط المهنية وكذا الأخلاقية.

 

والقارئ لرواة التاريخ القدامى يجد ثمة اهتمام بنشر أدق التفاصيل في الحياة العامة للأمم، وثمة حرص كبير على عدم إغفال المعلومات في مُهمة "إعلامية" في المقام الأول. يعتمد كثير من هؤلاء الرواة في مذاهبهم في النقل وسرد الأحداث على نمط سينمائي تفصيلي لا يغفل حتى الإيماءات والنظرات والإشارات المُصاحبة للواقعة محل الرواية، لتكون التفاصيل مكتملة أمام القارئ فيما بعد وكأنه يشاهد تجسيدًا مباشرًا للواقعة، في انتصار لأهمية التفاصيل، وفي لفتة إن تم النظر إليها بعين الإعلامي أو الصحافي فهي قدوة حسنة يمكن اتباعها في السرد وعدم إهمال التفاصيل.

وهنا أتوقف عند حديث رواه سيدنا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- والذي لم يرو عن النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- سوى 539 حديثًا اتفق البخاري ومسلم على 26 منهم- وهو الحديث الثاني في الأربعين النووية، وأفنده في إطار السرد والتفاصيل الواردة به، كالتالي:

عن عمر رضي الله عنه أيضا، قال: بينما نحن جلوس عـند رسـول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب "1" شديد سواد الشعر "2" لا يرى عليه أثـر السفر "3" ولا يعـرفه منا أحـد "4".

قبل استكمال الحديث، نُلاحظ هنا أن الراوي سيدنا عمر – رضي الله عنه - قد اعتمد أولًا على وصف الضيف الذي حلّ على مجلس النبي – صلى الله عليه وسلم - ووصفه في أربع ملاحظات رئيسة (شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، لا يعرفه منا أحد) في رصد تفصيلي لواقعة مُهمة جدًا في سياق التعريف بمفاهيم الدين (الإسلام والإيمان والإحسان والساعة).. ويستكمل الراوي تفاصيل روايته وسرده لتلك الواقعة بقوله:

حتى جـلـس إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فـأسند ركبـتيه إلى ركبتـيه "1" ووضع كفيه على فخذيه "2".

حتى حركات الضيف (سيدنا جبريل) وجلسته كان لها نصيب من الرواية.

قال: "يا محمد أخبرني عن الإسلام". فقـال رسـول الله صـلى الله عـليه وسـلـم: (الإسـلام أن تـشـهـد أن لا إلـه إلا الله وأن محـمـد رسـول الله وتـقـيـم الصلاة وتـؤتي الـزكاة وتـصوم رمضان وتـحـج البيت إن اسـتـطـعت اليه سبيلا).

قال: صدقت. فعجبنا له، يسأله ويصدقه‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌؟

قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال: صدقت.

قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"

قال : فأخبرني عن أماراتها. قال: "أن تلد الأم ربتها ، وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان".

ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال: "يا عمر أتدري من السائل؟" قلت: "الله ورسوله أعلم". قال: فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم". رواه مسلم [ رقم : 8 ].

في تلك الرواية البديعة من حيث الأسلوب السردي لم يغفل الراوي ترتيب الأسئلة، ولا رد فعل من هم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم عند أول مرة قال جبريل للنبي "صدقت" فقال: "فعجبنا له، يسأله ويصدقه؟".

يا معشر الإعلاميين، هذا سيدنا عمر يعلمنا دقة السرد، وأهمية التفاصيل.

وهنالك العديد من النماذج الماتعة فيما يتعلق بعدم إغفال التفاصيل أو تهميشها، والتي تقدم انموذجًا بالغ الدلالة في فن سرد التفاصيل بدقة، من حيث رصد الوقائع وما يحيط بها من علامات أو إشارات ربما تستخدم في دعم "الواقعة".

عصر السرعة ليس مبررًا أبدًا لتقديم معلومات منقوصة، وليس مبررًا أبدًا لعدم إعطاء الجمهور أو القارئ حقه في المعرفة والإطلاع على أدق التفاصيل.

كما أن التنافسية تحسمها المعالجات المنضبطة والرزينة التي لا تغفل التفاصيل وتقدم مشهدًا "بانورامي" يلم بتفاصيل الواقعة.

  * مُدَرِّب صحفي

 

 

التعليقات   

0 #2 محمود 2017-02-23 17:56
مقال رائع ومميز.. الربط هايل ومميز جدااا. وبقدم رسالة في غاية الأهمية.
ديننا يعلمنا الاتقان في كل شيء.. وهذا ما تفتقده بعض وسائل الإعلام
سلمت يداك أخي.
اقتباس
0 #1 مصرية 2017-02-23 17:44
ممتاز.. لفتة رائعة منك. بوركت. عل إعلاميينا يدركون أهمية التفاصيل. سلمت يداك. نتمنى المزيد من نوعية هذه الموضوعات المميزة والقوية التي تلمس قطاع مهم في حياتنا وهو الإعلام.
اقتباس

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال