السبت، 07 سبتمبر 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

الدكتور أحمد زكي عاكف وتأديب العلم

د. محمود صالح البيلي - دكتوراه في الأدب والنقد: قيض الله سبحانه وتعالى للعربية من الكتاب من جمع ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

2566325

أحمد عبدالجواد زايدة :

الحديث عن يوم الجمعة وفضله وعظيم مكانته حديث له قدره، والناظر في النصوص القُرآنية الآمرة بصلاة الجمعة والنصوص الحديثية المتحدثة عن فضله وآدابه وهداية الأُمة له يُدرك أن لهذا اليوم مقاصدَ وفلسفة تحتاج إلى تأملها والغوص في أعماقها وأن تتشربها الأُمة فتصبح سلوكًا وواقعًا.. حقيقةً لا مجازًا.. فعلًا لا كلامًا! وهذه الأبعاد أو تلك الفلسفة التي يخرج بها المتأمل من صلاة الجُمعة وشعائرها يجد أنها تتقاطع مع كثير من الأركان والشعائر الإسلامية، فالأوامر والإرشادات الواردة في حق يوم الجمعة تُمثل مساحةً واسعةً من معالم هذه الأُمة.

عن أبي سعيد الخُدري عن أبيه أن رسول الله ص قال: «الغُسل يوم الجمعة واجب على كُل محتلم وسواكٌ ويمس من الطيب ما قدر عليه» (رواه مُسلم)، فهو أمر بالاغتسالِ والتطهرِ، سواء أكان الأمر للوجوب أو للاستحباب على اختلافٍ بين المذاهب، بغرضِ النظافةِ والتجملِ والتطيبِ لإظهارِ جماليةِ المسلمين في صورةٍ بهيةٍ بحيث تكون سمةً من سماتِ الإنسان المسلم ومعلمًا من معالِمهِ، وبالتالي يكونُ معلمًا من معالم الأُمة وسمةً من سماتها، فهي أُمةٌ جماليةٌ وهي أمة الجمال في كل شيء، وخالقها جميلٌ يُحب الجمال وطيب لا يقبل إلا طيبًا، والبُعد الجمالي يُلمس في كل أحكامها، ويمتد في الشريعة بتفصيلاتها، حتى في الاعتقاد، وقد أبدع العلامةُ المغربي فريد الأنصاري- رحمه الله- لمَا سمى كتابه «جمالية الدين.. من معارج القلب إلى حياة الروح» لقد تحدث الرجل عن جمالية التعريف بالله وجمالية القُرآن وجمالية الإيمان باليوم الآخر، بل عن جمالية الموت! فالجمال مقصد يؤخذ ويُعمم ويُنزل في كل مناحي الحياةِ.. سلوكًا وعملًا وتطبيقًا.. وذلك ملمح من ملامح الإحسان ومستوى من مستوياته.

التعليم والتزكية

اختُصت هذه الأمة بهذا اليوم وهُديت إليه وجُعل لها عيدًا، فعن أبي هريرة ] أن رسول الله ص قال: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة، بيد أن كل أُمةٍ أوتيت الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم ثم هذا اليوم الذى كتبه الله علينا هدانا الله له، فالناس لنا فيه تبعٌ اليوم غدًا والنصارى بعد غد» (رواه مسلم).

وقال تعالى {يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كُنتم تعلمون}(سورة الجمعة)، فالسعي إلى ذكر الله واستشعار أهمية هذه الشعيرة، وأن الأُمةَ مختصةٌ بها وحدها إنما هو تذكير للأُمة برسالتها وبدعوتها، وتربية شاملة لها، تربية وجدانية روحية، وتربية فكرية للأُمة لبناء وعيها وتوضيح أهدافها وتصحيح عقيدتها، ومن هُنا يتأتى الحديث عن خُطبة الجُمعة وأهمية محتواها، وهو ما يفتقده واقع اليوم، فالمسلمون يحضرون هذه الشعيرة الأسبوعية «الحاشدة» كي يستمعوا إلى خطبة من الواجب أن تكون لإنهاضهم وتوضيح الصورة الحقيقية في أذهانهم وتذكيرهم بما ينبغي التذكير به ومناقشة الواقع ومشاكله، فالواجب إذن أن يكون خطاب نهضة وحضارة لتحقيق مقاصد هذا الدين ومقاصد إخراج هذه الأُمة للناس، ومن العجيب أنك قد تجد من يتحدث عن تفصيلات التفصيلات مما لا علاقة له بالمُستمع على الإطلاق مما ينُفر من الاستماع، حتى صار البعض يصوغ النكات على ذلك الأمر! فالواجب أن تكون خطبةً واضحةً تناقش واقع اليوم وتُلبي احتياجات وتطلعات الناس، تتحدث من واقع الأُمة.. لا من واقع أحدٍ غيرها.. ولهدف الأُمة.. لا لهدف أحد غيرها.. وبروح الأُمة لا بروح أحدٍ غيرها، تُربي الفكر والوجدان وتُرسخ المفاهيم الأساسية المُحركةَ للأُمة في أذهان وقلوب أبنائها.

الأُمة هي الأصل

وذلك معلم من أهم المعالم وهو مُـتكررٌ في أغلب الشعائر والأحكام الشرعية، إن لم يكن في جميعها، وهو وحدة الأُمة والانسجام فيما بينها، وهذه الرابطة الأخوية بين جميع أفراد الأُمة وهذا التكاتف والتعاضد وهذه الأخوة والمساواة بين الفقير والغني والحاكم والمحكوم والضعيف والقوي، تسهم في المحافظة على وحدة جماعة المُسلمين وإيجاد الجامعة الإسلامية والتذكير بالأخوة الإسلامية، فمهما اختلفت بعض الأفكار وتعددت الوسائل والبرامج العملية في آلياتها، فإن الجمعة تكون محضنًا أُسبوعيًّا لجمع الأواصر والتركيز على الأصول والمقاصد والكليات الأساسية لهذه الأُمة التى يسعى الجميع لتحقيقها والسعي إليها، بالإضافة إلى اللقاء اليومي خمس مرات في صلاة الجماعة، وكذلك الحج، ذلك المؤتمر السنوي للأمة.

قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كُنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}، وقال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}(الانفال:46). manbar1.jpg

ومن هُنا وجب التنبيه على أن تكون المنابر للأمة فقط! وليس لأحزاب أو لحركات إصلاحية أو جماعات أو غيرها، فإن المنبر مقام كان يقف فيه رسول الله ص فهو منبر للأُمة يتحدث بروح الأمة.. و في قضايا الأُمة.

ولذا فإن مشهد الجمعة هو مشهد لمناقشة هموم الأُمة والواقع، والسعي لتحقيق أهدافها، مشهد تلتقي فيه الأُمة كلها فتكتسب قوتها من وحدتها، فتُحقق أهدافها التي كانت تظنها مستحيلة، فإذا بها واقعًا بفضل وحدتها واجتماعها.

بناءُ الأُمة وعمارة الأرض

بعد أن أمر الله- سبحانه وتعالى- عباده بالسعي إلى ذكر الله وإجابة نداء الجُمعة، أمرهم بالانتشار في الأرض و الابتغاء من فضل الله، والسعي في الأرض.

قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تُفلحون}، فهو جمعٌ بين بناء الروح والفكر وبين بناء الأُمة وعمارة الأرض بروح المؤمن الذاكر لربه في كُل وقت وحين.

وهو ما يميز هذه الرسالة الخالدة الموازنة، والجمع بين الروح والمادة والمصالح الدنيوية والأخروية، وقد هدفت الشريعة إلى تحقيق كليهما، وعمارة القلب وعمارة الأرض.. ومن هُنا تتحقق الشهادة على العالمين وتتأتى النهضة المرجوة.

علاقة الأُمة بمفهوم الزمن

الناظر في فضل التبكير إلى صلاة الجُمعة وجزاء من يأتي في الساعة الأُولى ثم الثانية... وهكذا يُدرك أهمية الزمن بعمقه الفلسفي، بامتداده العرضي وليس فقط الطولي، وباحتوائه للعديد من أحداث وقصص وأخبار الأُمم التي أُمرنا بالتفكر فيها.

كذلك ففي هذا اليوم ساعة إجابة نجلس ننتظرها ونترقبها لعل الله يُكرمنا بفتحٍ من عنده، وهو ذات الأمر في الصلوات الخمس، فهي في أوقات مختلفة (الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء) ما بين نور وظلام وشروق وغروب، ربط بالزمن وبالكون، و في كتاب الله سور باسم هذه الأوقات (الفجر- الضُحى- الليل- العصر) كي لا ينقطع المسلم عن هذا العالم وكي لا ينحصر نظره وينحسر!.

يوم الجمعة وصلاة الجمعة.. ملامح لبناء العرفان والإنسان والبنيان.. هي صياغة مُستمرة مُتجددة.. لبناء الإنسان والأُمة.. والله أعلم.

8 23 2015 9 11 39 AM

أحمد سامي درويش :

النّور: هو الضياء المتشعشع الذي تنفذه أنوار الأبصار، فتصل به إلى نظر المبصرات، وهو يتزايد بتزايد أسبابه. ويقال: نار الشيء وأنار واستنار، إذا أضاء. والنور مأخوذ من النار، يقال تنورت النار: إذا قصدت نحوها. ثمّ يستعار في مواضع تدل عليها القرينة فيقال: أنار فلان كلامه إذا أوضحه. ومنار الأرض: أعلامها وحدودها. والمنارة: مفعلة من الاستنارة.

يقول السعدي في تفسيره عند قوله تعالى في سورة النور: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل يفقد نوره فثمّ الظلمة والحصر، «مَثَلُ نُورِهِ» الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين.

وذكر أهل التفسير أن النور في القرآن على عشرة أوجه:

أحدها: الإسلام، ومنه قوله تعالى في التوبة: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وفي الصف: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وفي سورة النور: {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ}.

والثاني: الإيمان، ومنه قوله تعالى في البقرة: {الله وَلِيُّ الَّذِينَ ءامَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، وفي الأنعام: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، وفي النور: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}، وفي الحديد: {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}.

والثالث: الهدى، ومنه قوله تعالى في النور: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}، أي: هادي من في السماوات والأرض.

والرابع: النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى في المائدة: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}.

والخامس: ضوء النهار، ومنه قوله تعالى في الأنعام: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}.

والسادس: ضوء القمر، ومنه قوله تعالى في الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}، وفي سورة نوح: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}.

والسابع: ضوء المؤمنين، وهو نور يجعله الله للمؤمنين يمشون فيه إلى الموقف وعلى الصراط، ومنه قوله تعالى في الحديد: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}، وفي التحريم: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا}.

والثامن: بيان الحلال والحرام، ومنه قوله تعالى في المائدة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}، وفي الأنعام: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ}.

والتاسع: القرآن، ومنه قوله تعالى في الأعراف: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ}، وفي التغابن: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}.

والعاشر: ضوء نور الربّ، وهو يوم يتجلّى الربّ عزّ وجلّ وينزل للفصل، ومنه قوله تعالى في الزمر: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}، وفي الحديث عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ: (نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ).

thum2003

د.محمد سعيد :

البحث والنظر في قيم الجمال من البحوث العميقة التي اهتم بها علم الأخلاق، باعتباره علمًا يقوِّم الملكات الإنسانية المختلفة، ويسدد نظرة الإنسان في اتجاه إيجابي وهو يحيى حياته الفردية والجماعية، ويتقلب في آلاء هذه البسيطة.

والإنسان مفطور على حب تذوق القيم الجمالية في كل فعل يفعله أو يُفعل له، وفي كل مُيسَّر يُسِّر له، لذلك تجده بالفطرة يُقبل إقبال الفرِح الطرِب على كل ما يتلقاه ويواجهه، إذا توفرت فيه شروط الصحة والحق، وغشيته ولفته قوالب الحسن والجمال، وقل مثل ذلك في باقي النعم التي منَّ بها المنعم على خلقه، أطعمةً و دوابَّ و جناتِ الأزهار و تضاريسَ في غاية الحبك والإحكام، وآفاقَ السموات وزينتها.. وما لا عد له من قبيل آيات الجمال المقروءة والمنظورة.

وعلى هذا النسق يبحث الأستاذ الدكتور سعيد بن أحمد بوعصاب الطنجي هذا الموضوع ويحرر فيه كتابًا جديدًا- هو الثاني في حلقة تآليفه- وسمّاه بعنوان «القرآن الكريم والدعوة إلى الحس الجمالي» نشرته مطبعة ليتوغر اف بطنجة ط1 /2012 في 208 صفحات من الحجم المتوسط.

استُهِل الكتابُ بمقدمتين، الأولى للدكتور محمد الشربجي الشامي، أستاذ الدراسات القرآنية في كليتي الشريعة والآداب بجامعة دمشق، فرج الله كربها، ختمها بقوله: «وكان أسلوبه سلسًا، ولغته سليمة، وألفاظه جميلة، وعبارته جزلة، وسجعه جميل دون تكلف أو تصنع، يأسرك عند قراءته، فلا تكاد تترك الكتاب إلا وقد أتيت على آخره»، وهو ما نستشف منه طبيعة الشكل والقالب الفني الذي حوى المضامين التي عالجها المؤلف في كتابه، إذ لا يستساغ أن تقارب موضوعًا دقيقًا يتتبع مواقع الجمال في الآفاق بلغة بعيدة عن نَفَسِ الذوق الرفيع والإحساس المرهف، لذلك تجدني أوافق د.الشربجي في هذا التعليق الجميل الذي أبداه تجاه التركيب اللغوي والمعجمي والأسلوبي للكتاب.

والمقدمة الثانية لصاحب الكتاب، والذي أبدى فيها شغفه بموضوع الجمال وما حبَّره قلم المرحوم فريد الأنصاري في كتابه «جمالية الدين»، إلا أن استهواءه لهذا التأليف وجده «قد وقف عند معان محدودة، وقضايا معدودة، وددت لو أن شيخنا الحبيب تناول قلمه غيرها، فضمها إلى أخواتها».. لذلك عقد الأستاذ سعيد بوعصاب العزم على خوض غمار بحث وصف موضوعه بـ «جد خطير»؛ لأنه وُظفت له منابرُ ووسائل جد معتبرة «لتلعب بالأفهام، وتزخرف الكلام فتضل الأنام، حيث حصرت الحديث فيه في جانب الأجسام، وغفلت ما للروح من سمو المقام، فكان لزامًا على كل من له بالفن إلمام، أن يعمد لإماطة اللثام..».

قيم كونية

ونظرا لما لحق الفكر والحضارة الإسلاميين من سوء فهم وغرابة تأويل، من قِبل بعض المعاصرين الذين أدركوا من الدين طقوسًا ورسومًا جافة وتقاليدَ؛ بدل شرائعَ وأركان وقيم كونية خالدة، فإن المقام- كما يرى صاحب الكتاب- حري بأهل العلم وجمالية القول أن يبرزوا «تلك الأخلاق الجمالية الرفيعة، التي كانت تمثل زمن حضارة الإسلام الوجه الحقيقي للمسلمين، إذ هي تبرز الذوق الرفيع، والسلوك النبيل، والرؤية الجميلة، والنظرة الراقية، والحركة البانية، كما أن الخطاب الدعوي بحاجة ماسة اليوم إلى إبراز مكامن الحسن والجمال في العرض والأسلوب، والمعنى والموضوع.. ».

يمكن تقريب متن الكتاب للسادة القراء عبر تقسيم بنيته إلى محورين، المحور الأول: نظري خصه للحقل الدلالي والمفهومي لكلمة «الجمال»، ولسمات ومعايير الجمال في النص القرآني. فالسمات لخصها المؤلف في:

  • الدقة والإحكام.
  • التناسق والنظام.
  •  الإبداع والابتكار.
  • التبديل والاستمرارية.
  • التنوع والإكثار.
  • السهولة واليسر.

أما خصائص الجمال التي ضبط القرآن موازينها وحدودها فاستوعبتها خصيصة «الربانية» التي تربط الانسان بربه، وتربط مظاهر الجمال وسحرها بفعل صانع الجمال وموجده، على نحو من الروعة واللذة والبهاء.. وخصيصة «السمو» والذي يرمز به إلى العفة اللفظية والفعلية في التعاطي مع مواقع الجمال في مختلف ضروب الحياة.. وأخيرا خصيصة «الشمول» الذي أثار فيه الخلط- الذي وقع فيه البعض فجعلوا «الفن» و«الجمال» واحدًا- «والواقع أن الفن هو ميدان واحد من ميادين الجمال المتنوعة والمتعددة، ذلك أن الجمال في الذوق القرآني يربي في المسلم المتأمِّل تلمسَ قيم الجمال في منحاها الشمولي والتركيبي، بدل الفعل التجزيئي والتصنيفي الذي سقط فيه الكثير. فأية قيمة لجمال الصورة- يقول الأستاذ سعيد بوعصاب- التي تسحر الألباب إذا كان صاحبها فجَّ السلوك، سيئ الأخلاق، ذابل الروح، قد جمع في داخله كل معاني الشر التي يستعاذ منها في كل الأحوال..».

ورصد المحور النظري الأخير «مقاصد التربية الجمالية في القرآن» التي تهدف إلى تنمية الجانب الإيماني، وتكوين الشخصية السوية المتكاملة، وتنمية ملكة الإبداع والإتقان، والتحلي بالذوق العالي.

وانتقل المؤلف في حيز عريض من كتابه إلى الجانب التطبيقي، والذي وسمه بـ «مع القرآن الكريم في تنمية الحس الجمالي»، حيث أبان فيه قدرة وبراعة في استشفاف واستقصاء ملامح الجمال التي نوه إليها الوحي، ولفت انتباه قارئيه ومستمعيه (الوحي) عبر العصور والقرون إلى أهمية إعمال النظر في الآيات المنظورة، وإحكام الصنعة والخلق والجمال فيها. ولأن الباري تعالى وضع الكون وصنعه لمرام وغايات.. فمن الطبيعي والمنطقي أن تُستثمر آيات الكون في آيات القرآن لتثبيت عقائد الناس وتوحيد نظرتهم تجاه موجِد الوجود وتوحيده، ومن ثمة اتباع هديه وشرائعه، وهكذا توقف المؤلف مع الآيات القرآنية التي ترصد جمالية السماء، والأرض، والبحر، والإنسان، والصورة، والحيوان.

وفي الشعائر التعبدية تتبع المعالم الجمالية الشفافة والعميقة في كل من شعيرة الصلاة، والصدقة، والصيام، والحج. ثم انتقل إلى تقصي قيم الجمال في الأحوال الشخصية، وقسمه إلى قسمين:

1- «في جانب فقه الأسرة» التي استوحى درر جمالياتها من الصداق، والزواج، والمعاشرة الزوجية، والأبناء والحفدة، ومعالجة الشقاق، والطلاق، والميراث، والعِدَّة.

2- «في جانب الآداب الاجتماعية»، واكتفى فيها بقيمتين كبيرتين في الحياة الاجتماعية: جمالية الاستئذان وجمالية الضيافة.

وفي المعاملات يسبر غور الجمال والقيم العليا في: المعاملات المالية، والتجارة، والدَّيْن، الحدود والكفَّارات، والعلاقات الدولية، والسلام، والجهاد.

فن القول

وفي آخر قسم تناول المؤلف جمالية فن القول من خلال مهارات التواصل وعنونه بـ«القرآن الكريم ومعالم التربية الجمالية في الأخلاق»، وتتبع فيه جماليات التأدب في مخاطبة الله تعالى، وفي مخاطبة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، وفي مخاطبة الوالدين، وفي مخاطبة الناس عامة. وختم بجمالية الأفعال: الذوق في طريقة المشي، والإقبال على المتكلم بالوجه، والعفو عند المقدرة، والشفاعة الحسنة، وبذل المعروف.

ثم نبه قبل الختم إلى جمالية الخطاب الدعوي القائم على «الحكمة والموعظة الحسنة» و«المعرفة بمضمون الخطاب ومآل الخطاب وظروف الخطاب زماناً ومكاناً». وفي كل ذلك كان المؤلف يغذي تحريره بالاستشهاد والنقل عن الشاطبي والطبري ومحمد الطاهر بن عاشور وسيد قطب ومحمد المكي الناصري، ومسفر القحطاني وفريد الأنصاري ومحمد عمارة وفهمي هويدي، وغيرهم كثر، مما أثمر حصيلة مرجعية مهمة تفيد الباحث في الجماليات وفق المنظور الإسلامي.

لقد وفق المؤلف في اختيار الموضوع، الذي نستشف منه أن صاحبه لاحظ حدود التعامل مع النص القرآني الذي لا يفارق حدَّ القراءةِ الظاهرية والتفسيرِ البسيط والمعاملات المناقضة لجوهر نص الوحي وقيمه العليا، لذلك نقول- وبموضوعية- إن التأليف ذو راهنية ملحاحة، ولفت صريح- وبلغة جذابة- لأهمية اهتمام المسلمين بجمالية التدين في كل مناحي الحياة.

1502042620012

محمد شعبان أيوب :

إن نظرة القرآن الكريم للنفس الإنسانية عمومًا هي نظرة التوجيه والرحمة والهداية والحنو والأمل والسعادة والرأفة وترسيخ معاني الطمأنينة وغيرها من المعاني التي تبعث في هذه النفس كل قيمة مطلقة تأخذ بنا تجاه الهدوء والسكينة والراحة والجنة في نهاية الأمر. وهذه النفس التي يراها القرآن غير متقولبة في طور واحد، فهي متغيرة ما بين الاطمئنان والضيق، وما بين الرضا والشقاء، بيد أن هذا الكتاب الرباني المعجز يحرص على أن «يأخذ الإنسان كما هو بفطرته وميوله الطبيعية واستعداداته، ثم يسير به من حيث هو كائن، ومن حيث هو واقف.. يسير به خطوة خطوة، صعدًا في المرتقى العالي، على هينة وفي يُسر، فيصعد وهو مستريح، هو يلبي فطرته وميوله واستعداداته، وهو ينمي الحياة معه ويرقيها لا يحس بالجهد والرهق، ولا يكبل بالسلاسل والأغلال ليجر في المرتقى، ولا تكبت طاقاته وميوله الفطرية ليحلق ويرفُّ، ولا يعتسف به الطريق اعتسافًا، ولا يطير به طيرانًا من فوق الآكام، إنما يصعدها به صعودًا هينًا لينًا وقدماه على الأرض وبصره معلق بالسماء، وقلبه يتطلع إلى الأفق الأعلى، وروحه موصولة باللّه في علاه»(2).

والشباب هم التجسيد لحيوية وسمو هذه النفس وقوتها ونشاطها، ولعل ما يندهش له القارئ الكريم ألا يجد لفظة «الشباب» في القرآن الكريم ولو لمرة واحدة، بل يزداد تعجبه حينما يرى أن القرآن يعبر عن هذه المرحلة المهمة من عمر الإنسان بالفتوة، وهي عند علماء اللغة صفة تجمع ما بين الشباب والكرم والشجاعة، بل إن العلامة النسفي يقول في تفسيره: «الفتى من لا يدعي قبلَ الفعل، ولا يُزكي نفسه بعد الفعل»(3)، إشارة إلى الإخلاص الذي يجب أن يتمتع به الشاب المسلم، بل الأعجب من ذلك أن قصص القرآن المتعلقة بالفتوة هي قصص تؤكد على قدرة هذه الفئة من المجتمع على التغيير، بل على الفهم والوعي الذي ربما لا يوجد عند من هم أكبر منهم سنًّا، وأكثر منهم خبرة!

إن نبي الله إبراهيم هو نموذج الشاب الذي اصطفاه الله لرسالاته، هو النموذج المبهر لقوة الشباب والعقل معًا، انظر إلى حواره المنطقي والعقلي الرائع مع قومه كلهم، هو وحيد بينهم، لكنه قوي الإرادة، ثاقب الذهن، قادر على الإقناع بالحجة والمنطق، مؤمن إيمانًا راسخًا بما يقوم به، إنه شاب استطاع أن يغير القناعات والعقائد الفاسدة التي تأصلت في نفوس قومه، وما أعظم هذا الحوار القرآني الخالد الذي يصور لنا تلك المشاهد الحية التي يستطيع كل منا أن يتخيلها وكأنه ناظر إليها من قريب، يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}( الأنبياء: 51- 57).

لقد حسبه قومه شابًّا لاهثًا لاعبًا يريد المجادلة من أجل الجدال، وما أغربها من نظرة استعلائية لا تقيم لهذا الشاب وزنه، إنها ذات النظرة التي تُوجّه للشباب اليوم، فهم في نظر كثير من الناس نموذج للضياع والحمق والتفاهة، لكنه- عليه السلام- يقبل هذا التحدي {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} (الأنبياء:58- 70)، لقد استطاع أن يحطم هذه العقائد البالية على صخرة الحقيقة والعقل، لقد استطاع أن يغير هؤلاء بالفعل، لقد رجعوا إلى أنفسهم وأقروا ببغيهم وكبرهم وانحلالهم، ومع ذلك أصروا واستكبروا استكبارًا، ورغم ذلك ضحّى هذا الشاب في نهاية الأمر بنفسه من أجل ما يؤمن به، لكن الله سلّم ونجّاه من النار.

إن الشباب هم القوة القادرة على التغيير، وطالما أن القرآن يقر بذلك فهذه سنة يؤكدها التاريخ والواقع، فقصة أصحاب الكهف هي قصة التضحية والإرادة والإيمان بالله الذي لا تشوبه شائبة، إنها رمز للوحدانية المطلقة متجسدة في تضحية مجموعة من الشباب الطاهر النقي، شباب دعا إلى عقيدة التوحيد بالله- عز وجل- عندما رأوا ضلال قومهم وعبادتهم الطواغيت من دون الله، فهُم {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)} (الكهف:13- 15)، ولقد علّق العلامة ابن كثير رحمه الله على هذه الآيات بما يؤكد على كون الشباب هم القوة القادرة على التغيير تجاه الحق، فيقول: «ذكر تعالى أنهم فتية- وهم الشباب- وهم أقبلُ للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عتوا وعَسَوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله [ شبابًا، وأما المشايخ من قريش، فعامتهم بَقُوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا»(4).

ولكون هؤلاء الشباب دافعوا ونافحوا وضحّوا بأنفسهم من أجل ما يؤمنون به، جعلهم الله آية للعالمين، يعلمها قارئ القرآن الكريم إلى يوم القيامة، لقد علم قومُهم حقيقة الوحدانية والبعث من خلال هؤلاء الفتية الذين بعثهم الله من نومهم، صحيح أن ثمرة ما قاموا به لم تتجل إلا بعد ثلاثمائة ونيف من السنين لكنهم استطاعوا بفضل الله أن يكونوا أداة لتغيير مجتمعهم، وهي ثمرة بلا ريب عظيمة، لم يستطع أحد أن يقوم بها إلا هُم.

وأما يوسف الصديق \ فهو شاب آخر ووجه باهر من وجوه البذل والتضحية من أجل الإيمان بالله والاستعصام به، إنه نموذج الشاب الطاهر العفيف الذي أعانه الله على تغيير سمت الشرك والإلحاد الذي أصاب المجتمع المصري القديم لقرون عدة، ولا غرو في ذلك فلقد أتاه الله العلم والحكمة والنبوة يقول- عز وجل-:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 22)، وقد ابتُلي هذا الشاب بإغواء امرأة العزيز له، لكن الله أعاذه من مكرها، فكان السجن أحب إليه من هذه الرذيلة، في السجن مارس يوسف \ الدعوة إلى ربه بالقول والعمل، فيختصر السياق القرآني «ما كان من أمر يوسف الشاب في السجن، وما ظهر من صلاحه وإحسانه، فوجّه إليه الأنظار، وجعله موضع ثقة المساجين، وفيهم الكثيرون ممن ساقهم سوء الطالع مثله للعمل في القصر أو الحاشية، فغضب عليهم في نزوة عارضة، فألقي بهم في السجن.. يختصر السياق هذا كله ليعرض مشهد يوسف في السجن وإلى جواره فتيان أَنِسا إليه، فهما يقصّان عليه رؤيا رأياها، ويطلبان إليه تعبيرها، لما يتوسمانه فيه من الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك(5) وبقية القصة معلومة ومعروفة، فقد استطاع يوسف \ أن يصبر في السجن سنين عدة، وقد احتاجه الملك في تأويل الرؤيا، ثم اعتمد عليه في تسيير شؤون مصر في قحطها ومحنتها، فكان خير وزير للمالية والزراعة في مصر القديمة، وكانت كفاءته العلمية والإدارية وأخلاقه محل إعجاب الجميع حتى آمن آلاف من أهل مصر بدين إبراهيم الذي جاء به يوسف الشاب \ مبشرًا وداعيًا.

هذه إذن نظرة القرآن الكريم للشباب، إنها نظرة تؤكد على قدرة هذه الفئة من المجتمعات على إحداث التغيير، وهو تغيير ليس عضليًّا جسمانيًّا بطبيعة المرحلة التي تؤهل هؤلاء لذلك، وإنما هو تغييرٌ إيمانيٌّ عقلي حياتي وجداني كذلك، ولا عجب أن نرى ما يحدث في مجتمعاتنا اليوم من تغيير منطلقُهُ ومبتداه من الشباب، فصدقَ كلامُ رب العزة الذي أخبرنا أن التغيير سنة من سننه الثابتة، وأن الشباب هم وقود هذا التغيير.

الهوامش :

1- باحث مصري في التاريخ والتراث.

2- سيد قطب: في ظلال القرآن، 1/221، 222.

3- النسفي: مدارك التنزيل وحقائق التأويل، 2/227.

4- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 5/140.

5- سيد قطب: في ظلال القرآن ، 4/1987.

8 11 2015 9 17 21 AM

علاء عبدالفتاح :

 تحت عنوان «القرآن الكريم في الجوال.. مسائله الفقهية» يقدم لنا الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحيى أستاذ الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية بحثا محكما في موضوع افتقرت إليه المكتبة العربية الإسلامية.. في هذا الكتاب مجموعة من المسائل المهمة التي ظهرت بعد استخدام القرآن الكريم في الجوال، منها ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال من حيث اشتراط الطهارة للمسه، ومن حيث الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء، إضافة إلى حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال، وكنغمة جرس للتنبيه.

إلى أن يتناول البحث -المهم- حكم قراءة القرآن من الجوال، ثم حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف.

ويصف مدير جامعة القصيم خالد بن عبدالرحمن الحمودي الكتاب بقوله: وجدته مؤلفا رصينا، عالج موضوعا معاصرا يتعلق بالعديد من الأحكام الفقهية المترتبة على وجود القرآن الكريم في جهاز الجوال، وغيرها من المسائل التي تهم كثيرا من الناس.

وبالرجوع إلى أصل هذا الكتاب نجده بحثا محكما نشر في مجلة علمية محكمة، ثم حاز على جائزة التميز البحثي في جامعة القصيم لعام 1430، يقول المؤلف: وكانت المجلة تصرفت في العنوان فنشرت البحث بعنوان «تخزين القرآن الكريم في الجوال وما يتعلق به من مسائل فقهية» وهو العنوان الذي أعلن في جائزة التميز، ولكن الآن أنشره بعنوانه الأصلي الذي أراه وأرتضيه.

ويضيف في مقدمة الكتاب: من تلك الخدمات التي تشتمل عليها كثير من أنواع «الجوال» إمكانية تخزين نسخة من القرآن الكريم في ذاكرة ذلك الجوال، ومن ثم استخدام هذه النسخة ،على اختلاف في كيفية التخزين وآليته، والبرامج التي من خلالها يمكن تشغيل تلك النسخة.

ولما شاعت هذه التقنية تساءل البعض عن مسائل في هذا الاستخدام، وهو دليل على حرص الناس على معرفة الحلال والحرام، أسأل الله تعالى أن يزيدنا جميعا علما نافعا وعملا صالحا، وخدمة لكتاب الله تعالى، ثم لأولئك الذين يبحثون عن حكم الله ليتبعوه رغبت أن أكتب في تلك المسائل مجتهدا في تلمس الحكم الشرعي لعل الله يفتح به علي، أو أكون سببا في عرض المسائل فيقيض الله من يحرر الحكم فيها ويجليه.

وقد جاء هذا البحث في تمهيد وأربعة مباحث وخاتمة، وتناول التمهيد التعريف ببعض برامج القرآن المصممة لأجهزة الجوال، بينما تناول المبحث الأول ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال من حيث اشتراط الطهارة للمسه، ومن حيث الدخول به إلى الخلاء، أما المبحث الثاني فيتناول حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال.

ثم نأتي للمبحث الثالث، حيث حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس للتنبيه، ويأتينا الرابع بحكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم القراءة من المصحف في الصلاة، والمطلب الثاني: حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف، ثم تأتي المقدمة بأهم نتائج البحث وتوصياته.

ولنعرض بشيء من التفصيل لإحدى المسائل التي تناولها الكتاب حيث يقول المؤلف: لا يخفى خلاف أهل العلم في اشتراط الطهارة عند لمس المصحف. وليس المقصود من هذا البحث عرض الخلاف في هذه المسألة، بل مسألتنا هي ما يتعلق بمس الجوال المشتمل على المصحف، هل تشترط له الطهارة بناء على قول عامة أهل العلم في اشتراط الطهارة عند لمس المصحف، وهو الراجح في هذه المسألة.

ويضيف: لا يخلو الجوال المشتمل على المصحف من حالين: الحال الأولى: أن يكون المصحف مغلقا (أي في غير حالة التشغيل) والحال الثانية: أن يكون المصحف مفتوحا (في حالة التشغيل)، فأما الحال الأولى: فإنه لا يعتبر له حكم المصحف، لذا فمس الجوال لا تشترط له الطهارة، ولم أجد من الفقهاء المعاصرين من قال باشتراط الطهارة في هذه الحال، وأما الحال الثانية: وهي حال فتح برنامج المصحف في الجوال (في حال التشغيل)، حيث تظهر على شاشة الجوال صورة آيات المصحف، فهذه المسألة في نظري تنبني على مسألتين من مسائل مس المصحف: المسألة الأولى: مس المصحف من وراء حائل، والمسألة الثانية: مس كتب التفسير.

ووجه كونها تنبني على هاتين المسألتين: أن المس في الجوال لا يكون غالبا للشاشة مباشرة، وإنما من خلال الجهاز، وهو حائل بين اليد وبين الآيات ذاتها، كالجلد الذي يكون على المصحف. ولذا فلو كان المس مباشرة للشاشة خرج من الإلحاق بمسألة الحائل وبقيت المسألة الأخرى.

أما أهم نتائج البحث فتتلخص في أن الجوال الذي يضم المصحف إن كان مغلقا (أي في غير حالة التشغيل) لا يعتبر له حكم المصحف، لذا فمس الجوال لا تشترط له الطهارة، وإن كان المصحف مفتوحا (في حالة التشغيل)، فهذه المسألة تنبني على مسألتين: مس المصحف من وراء حائل، ومس كتب التفسير، والأرجح هو عدم اشتراط الطهارة لمس الحائل ولو كان متصلا بالمصحف، وعدم اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير، فكذلك الجوال لا تشترط الطهارة لمسه إذا كان في وضع التشغيل بشرط عدم مس الشاشة ذاتها، لأن مسها حينئذٍ مس للمصحف فتشترط له الطهارة.

وفي مسألة الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء ينبغي التفريق بين حال تشغيل البرنامج بحيث تظهر الآيات على شاشة الجوال، وبين حال عدم التشغيل، ففي الحال الأولى يعتبر الدخول به كالدخول بالمصحف، وأما في الحال الثانية فلا يعتبر دخولا بالقرآن إلى الخلاء، نظرا إلى عدم ظهور تلك الآيات.

أما حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال، وكنغمة جرس للتنبيه فينبغي الإشارة إلى الفرق بين نغمة الاتصال ونغمة جرس التنبيه، فإن علل المنع أو الكراهة في اتخاذ صوت القرآن كنغمة جرس أوضح منها في المسألة الأخرى.

كما عرضت الخاتمة للخلاف في حكم القراءة من المصحف في الصلاة، مرجحة أن الأصل الإباحة في هذه المسألة، وعلى من يمنع الدليل.

يقع الكتاب في 80 صفحة من القطع المتوسط ونشرته دار التدمرية بالرياض.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

تربية إبداعية لأبنائك.. كيف؟

رويدا محمد - كاتبة وباحثة تربوية: يعرف الإبداع بأنه النشاط الإنساني المختلف عن المألوف، والذي يؤدي ...

"تمكين التعليم والحياة لذوي الاحتياجات الخاصة".. سلسلة علمية للدكتور أسامة هنداوي

القاهرة – محمد عبدالعزيز يونس: تأتي سلسلة "تمكين التعليم والحياة لذوي الاحتياجات الخاصة" ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال