الخميس، 18 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

46 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

63325263

عبد العزيز عماري :

 كلمة الشورى بما تعنيه من التعاون وتكثيف الجهود بغية الوصول إلى الرأي الصواب الذي فيه مصلحة الأمة عن طريق جلب أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين هي مما جاء به الإسلام وحث عليه، بل إن هناك سورة في القرآن سميت سورة الشورى تنويها بمقامها، وهي أيضا تراث بشري مشترك بين الأمم، وهذا ما سنحاول بيانه في مقالنا هذا.

 تعريف الشورى

 بالرجوع إلى معاجم اللغة يتبين أن من معاني الشورى الاستخراج، فيقال: «شار العسل شورا وشيارا وشيارة ومشارا استخرجه من الوقبة» (1). ويقول الراغب في المفردات: «ومنها الشوار ما يبدو من المتاع ويكنى به عن الفرح كما يكنى به عن المتاع، ومنها شرط الدابة والتشاور والمشورة والمشاورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض» (2).

 «وشــاوره في الأمـــر واستشـــــاره بمعنى» (3). مما سبق يتضح أن الشورى عملية استخراج الآراء المتعددة في أمر ما مع تقليبه جيدا وفحصه للموازنة بين المصلحة والمفسدة واختيار أنفع الآراء وأجودها، قال بدر الدين العيني «وحاصل معنى شاورته عرضت عليه أمري حتى يدلني على الصواب منه» (4).

 وكلمة الشورى عند أكثر العلماء مصدر فعل شاور قال القرطبي: «والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى» (5). وقال الشوكاني: «والشورى مصدر شاورته» (6). وقال الزمخشري: «والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور» (7). وقال البيضاوي: «وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور» (8).

 والشورى من الأمور التي مارستها الأمم قبلنا، فهي تعد من التراث المشترك بين البشر، وقد سجل لنا القرآن الكريم بعض النماذج التي ظهر فيها أقوام يأخذون بهذا المبدأ الأساسي ويسيرون على هديه.

 نماذج قبل الإسلام

 ذكر القرآن الكريم قصة ملكة سبأ عندما أرسل إليها سيدنا سليمان - عليه السلام - رسالة يدعوها وقومها إلى التوحيد فلما وصلت الرسالة إليها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } (النمل:32). ومن نماذج الشورى التي ذكرها القرآن الكريم قبل الإسلام ما كان من أمر ملك مصر زمن يوسف عليه السلام - حينما رأى رؤيا أفزعته، فقال للملإ من قومه {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ  يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تعبرون} (يوسف:43).

 وهناك نموذج ثالث ذكره القرآن عن الشورى قبل الإسلام وهو مشاورة فرعون الطاغية للملإ من قومه في أمر موسى عليه السلام لما قامت عليه الحجة بالبيان والعقل {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) } (الشعراء:34-35).

 ومن الملاحظات حول الشورى

 < قصر الشورى على الكبراء والأشراف بعكس الإسلام فإن المستشار قد يكون من أحد الناس إن توفرت فيه الشروط المطلوبة في المستشار وعلى رأسها العلم والأمانة.

< أهل الشورى عندهم يكونون سلبيين ولا يشيرون بشيء فيه منفعة لمن شاورهم، ففي النموذج الأول عرضوا باستعدادهم للحرب ولم يذكروا شيئا فيه منفعة، وهذا أمر لا يخفى قطعا على بلقيس. وفي النموذج الثاني لم يزيدوا على الرجم بالغيب والقول بغير العلم وهذا حرام في شريعتنا {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء:36).

 < طلب الشورى عندهم غالبا ما يكون من باب الضرورة وليس قاعدة متبعة في إدارة شؤون البلاد وسياسة الرعية.

 لكن الشورى تختلف في الإسلام عما كانت عليه في الأمم السابقة كما سنبين إن شاء الله تعالى.

 وردت كلمة الشورى في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع

 < الأول في قوله تعالى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

 (آل عمران:159).

 < الثاني في قوله تعالى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (البقرة:233).

 < الثالث في قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:38).

 وبالنظر إلى مجالات الشورى في الإسلام فإنها لا تنحصر في مجالي السياسة والحروب، وإن كانت تتضمنهما بعموم اللفظ بل تشمل حتى المجال الأسري كما في النموذج الثاني الذي يتحدث عن فطام الرضيع بحيث لا يحصل هذا الفطام إلا بالتشاور بين الوالدين والتراضي فيما بينهما إن كانت فيه مصلحة للمولود.

 إلا أن الشورى في الإسلام لا يمكن أن تكون فيما ورد فيه نص صريح بالحكم لأنه لا اجتهاد مع النص. كما أن الشورى في الإسلام تعتبر مبدأ عاما للحاكم والمحكوم وشاملا لكل شؤون الحياة.

 وإذا رجعنا إلى سنة الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  فإننا نجده يشاور أصحابه في كثير من الأمور وفي مختلف المجالات والمناسبات، وكذلك فعل خلفاؤه من بعده، حتى قال أبوهريرة  "رضي الله عنه" : «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" » (9). فقد شاور أصحابه يوم بدر في الذهاب إلى العير فقال: «أشيروا أيها الناس علي» (10). فقالوا: لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.

 وشاورهم في أحد أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو (11). وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة رضي الله عنها فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين (12).

 وبالرجوع إلى سيرة الخلفاء الراشدين نجدهم أيضا قد ساروا على نهج الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  في المشاورة، ومما حفظه التاريخ:

 < مشاورة الصديق الصحابة في قتال مانعي الزكاة.

 < مشاورة عمر في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: «نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإن هذى افترى» (13).

 < مشاورة عثمان في جمع الناس على مصحف واحد، ولهذا قال علي بن أبي طالب  "رضي الله عنه" : «ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملإ منا» (14). ولهذا قال البخاري في صحيحه: «وكانت الأئمة بعد النبي يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها» (15)، قال ابن حجر العسقلاني: «لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله» (16).

الهوامش:

1- القاموس المحيط مادة «شار».

 2- الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن، ص.270.

 3- مختار الصحاح مادة «شور».

 4- عمدة القاري 24/269.

 5- الجامع لأحكام القرآن، 16/34.

 6- فتح القدير، 4/769.

 7- الكشاف، 1/160.

 8- أنوار التنزيل، 1/133.

 9- رواه الترمذي، (1636).

 10- رواه البخاري، (3860).

 11- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/401.

 12- رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب قول الله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

 13- رواه مالك في الموطأ، كتاب الأشربة، باب الحد في شرب الخمر.

 14- فتح الباري، 13/416.

 15- كتاب الاعتصام، نفس الباب السابق.

 16- فتح الباري، 13/415.

101 800348179

د. باسم عامر:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،،،

فلو جلس أحدنا يتأمل في صلاة المسلمين لوجد أنَّ كلهم يأتي بمعظم الأركان المطلوبة في الصلاة، كتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجود، ولكنْ في الوقت ذاته كثيرٌ من المصلين يُخِلُّ بركن عظيم لا تصح الصلاة إلا بالإتيان به وهو ركن الاطمئنان، بالرغم من أنَّ هذا الركن يصاحب معظم الأركان الأخرى، بمعنى أنه لا بد من الاطمئنان في القيام والركوع والسجود والجلوس.

3 29 2015 9 39 28 A445M

محمد خاطر:

 التوبة باب عظيم من أبواب الوقاية، فالإنسان العاصي إن لم تفتح له أبواب التوبة سيستمر في اقتراف الذنوب والمعاصي والشرور بأنواعها.

 والتوبة لها آثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، فالتوبة تعطي الإنسان الأمل وتمنحه السلام النفسي، وتشجعه على ترك المعاصي والذنوب، وفتح صفحة جديدة في تعامله مع الخالق عز وجل، وتعامله مع الناس.

 والتوبة تحمي المجتمع من تكرار الجرائم، وبخاصة الجرائم المتسلسلة التي يفقد أصحابها الأمل في أن يكونوا أفرادا صالحين في المجتمع، ويدفعهم اليأس والنقمة إلى الاستمرار في إلحاق الاذى بالآخرين.

ومن رحمة الله عز وجل بعباده أن فتح لهم باب التوبة والعودة إليه مهما بلغت ذنوبهم وخطاياهم، ولو لم تشرع التوبة لفسد الإنسان وفسدت الأرض، فعدم وجود التوبة يعني تأنيب الضمير المستمر، وتكدير الحياة والتفكير في الانسحاب منها أو اللجوء لإيذاء النفس بالانتحار، أو التفكير في إيذاء الآخرين.

 وقصة الرجل الذي قتل مائة نفس فيها الكثير من الدروس:

 فعن أبي سعيد الخدري  "رضي الله عنه" ، أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصَف الطريقَ أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد. فقبضته ملائكة الرحمة». (صحيح مسلم: 2766).

 وفي هذا الحديث جملة من الفوائد ومنها: عدم اليأس من رحمة الله عز وجل، والمبادرة إلى التوبة، والبحث عن أهل العلم، فالعابد أفتى بجهل فكان جزاؤه القتل، وكل ما فعله العالم هو أنه فتح باب التوبة والأمل أمام الرجل القاتل، وأرشده إلى تغيير البيئة السيئة التي يعيش فيها لأنها من الأسباب التي شجعته على التمادي في القتل وإزهاق أرواح الأبرياء.

 يقول د. وهبة الزحيلي: الشريعة الإسلامية تستهدف في أحكامها حماية مصالح الدنيا، وحفظ مقاصد الآخرة، بل إن الدنيا في الحقيقة مزرعة الآخرة، كما ورد في الأثر.

 وبناء على هذا فلا يتصور أن تكون التوبة سببا في ضياع مصلحة الجماعة في تطبيق العقوبة، ولا وسيلةً تؤدي إلى الإغراء بالمعاصي والتجرئة عليها أو تسهيل ارتكابها، وإنما على العكس تكون التوبة الصادقة مساعدة على استئصال شأفة الجريمة، لأنه إذا كانت الغاية الأولى للعقاب هي إصلاح المجرم، فإن التوبة أقوى تأثيرا في تحقيق تلك الغاية لصورها عن باعث ذاتي واقتناع داخلي. فهي إذن تفتح باب الأمل أمام المخطئين، وتدفعهم إلى معترك الحياة بروح إيجابية جديدة وحيوية وفعالية منتجة». (الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ص، 5553).

والله عز وجل حث عباده على التوبة، يقول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } (الشورى:25).

 يقول الله عز وجل: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة:74).

 ومن فضل الله عز وجل على التائبين أنه يبدل سيئاتهم حسنات. يقول الله عز وجل: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا  } (الفرقان:70).

 والله عز وجل يفرح بتوبة عبده، فعن أنس بن مالك  "رضي الله عنه"  أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح». (صحيح مسلم: 2747).

وأرجى آية في كتاب الله عز وجل كما يقول العلماء هي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا  إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53). لما فيها من البشارة للعصاة والمذنبين، والوعد بمغفرة الذنوب، والتذكير برحمة الله عز وجل.

 والإسلام لا يعرف اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل، ولا يعرف مفهوم رجال الدين، ولا يوجد فيه صكوك للغفران، ولا توجد فيه واسطة بين العبد وربه، فباب التوبة مفتوح، ورحمة الله واسعة، وفضله على عباده عظيم، وكلها أمور تشجع الفرد المسلم على التوبة وترك الذنوب وتجنب آثارها النفسية، وتعطيه الأمل في رحمة الله عز وجل، وبذلك يستطيع القيام بوظيفته الأساسية وهي عبادة الله عز وجل، وأداء دوره في الاستخلاف وعمارة الحياة.

 والتوبة فيها وقاية من التمادي في المعاصي والذنوب، وفيها قطع للتسويف ووسوسة الشيطان، وهي بمثابة دعوة لفتح صفحة بيضاء نقية خالية من الشرور والآثام، تخلص الإنسان من أثر الذنوب والمعاصي، وتفتح أمامه أبواب الرحمة والمغفرة.

والتوبة تقرب الإنسان من الله عز وجل الذي أخبر أنه يحب التوابين، يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } (البقرة:222).

12 1 2015 11 17 46 AM

محمد جمال حليم :

 لاشك أن الإنسان مدني بطبعه، ولا يحب العيش منفردا، وهذا الاجتماع بالغير يحدوه شاء أم أبى لمحاكاة هذا الغير.. وعلى حسب نقاء فطرته يكون التوفيق في المحاكاة.. ومعلوم أيضا أن الإنسان عدو ما يجهل، لكنه إذا وجد غيره وقد أقدم على فعل ما حاز فيه تقدما يرجوه هو لنفسه، دفعه هذا دفعا لاتخاذ هذا الغير مثالا له، وتظل فطرة الإنسان تحدوه للمحاكاة والتشبه بالغير لاسيما في الأمور التي يتحقق له بها نفع أو تدفع عنه ضررا.

 وقد توسع اللغويون في بيان معنى «القدوة» واشتقاقاتها، فذهب ابن منظور في لسان العرب إلى أن قدا: القدو: أصل البناء الذي يتشعب معه تصريف الاقتداء، يقال: قِدوة وقُدوة لما يقتدى به. ابن سيده: القُدوة، والقِدوة: ما تسننت به، قلبت الواو فيه ياء للكسرة القريبة منه وضعف الحاجز.

والقِدى: جمع قِدوة يكتب بالياء. والقِدة كالقِدوة. يقال: لي بك قِدوة وقُدوة وقِدة، ومثله حظي فلان حظوة وحظوة وحظة، وداري حذوة دارك وحذوة دارك وحذة دارك، وقد اقتدى به. والقدوة، والقدوة: الأسوة. يقال: فلان قدوة يقتدى به (1)

 وقدوة (مفرد): جمعها قدوات وقدوات: من يقتدى به، أسوة، من يتخذه الناس مثلا في حياتهم لي بك قدوة (2).

فالقدوة إذن تقتضي التأسي والمتابعة، وهي واحدة من أهم وأبرز أساليب التربية، وإذا كان المقصود في الاجتماع البشري الوصول إلى مرحلة إنتاج فرد سليم ومفيد للمجتمع فإن ذلك لن يتحقق من دون العمل على جعل الأفراد سالمين مفيدين فتكون القدوة أهم وسيلة لتحقيق ذلك (3).

 ولما كانت طبيعة الإنسان قد تدفعه للإقدام على ما يضره من حيث لا يعلم، جعل الله الرسالات وأرسل الرسل الكرام لهداية الناس والخروج بهم من موارد الهلكة ومظان الفساد.

 وهنا تأتي أهمية القدوة لدفع الإنسان إلى حيث يكون النفع له ولغيره، ولما كان الإسلام هو دين الله الخاتم الذي أتم به الرسالات كان المسلم هو المعني والمخاطب بالاهتمام باتخاذ القدوة الصالحة النافعة له ولبني جلدته بل وللكون من حوله.

 القـدوة والـولايـة

 وكما أن القدوة تكون بين الأفراد وبعضهم؛ كالآباء لأبنائهم والمدرسين للتلاميذ، تكون أيضا بين المجتمعات، والشعوب والأمم.. ولقد خص الله أمة الإسلام بخيريتها على الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110)، كما خصها بوسطيتها بين الأمم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (البقرة:143)، وفي جعل الرسول هو خاتم الأنبياء وجعل الإسلام خاتم الديانات ما يؤكد تمام كمال الرسالة المحمدية وأنها حوت ما تضمنته الرسالات السابقة، وفي هذا ما لا يخفى من دعوة غير المسلمين لمحاكاة هذه الأمة الخاتمة الراشدة وجعلها قدوة، واتباع هذا النبي الخاتم واتخاذه أسوة.

 {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21)

 وفي الوقت نفسه حذر الإسلام المسلمين من التشبه بغير المسلمين من أرباب الديانات الأخرى ومحاكاتهم في سلوكاتهم ولباسهم وطرق حياتهم: فورد النهي صراحة من اتباعهم، ومن هذا ما رواه شداد بن أوس  "رضي الله عنه"  قال: قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» (4).

 وبالجملة اتخاذ غير المسلمين أولياء من دون المؤمنين، وفي العلاقة بين الولاية والقدوة ما ينبغي الإشارة إليه؛ فالمرء يقتدي بوليه لأنه يعتبره ذا شأن وحظوة، ولما كان الأمر يتعلق بالمسلمين وغيرهم نهى الإسلام عن اتخاذ غير المسلمين أولياء وهو نهي ضمني لاتخاذهم قدوة، كما هو ظاهر في سبب نزول قول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ  بَعْضُهُمْ} (المائدة:51)

 قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت، فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من اليهود، كثير عددهم، حاضر نصرهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية اليهود وآوي إلى الله ورسوله. فقال عبدالله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، ولا أبرأ من ولاية اليهود. فقال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه، فقال: قد قبلت. فأنزل الله تعالى فيهما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ  بَعْضُهُمْ} إلى قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني: عبدالله بن أُبي {يُسَارِعُونَ فيهم}: في ولايتهم {يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (5).

 وقد ورد النهي عن اتخاذ غير المسلمين أولياء للمسلمين في أكثر من موضع في كتاب الله، من مثل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (الممتحنة:1): أي أنصارا، وقد نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة، فعن الحسن بن محمد أنه سمع عبدالله ابن أبي رافع يقول: سمعت عليا  "رضي الله عنه"  يقول: بعثني رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أنا والزبير والمقداد فقال: «انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» قال: فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  فإذا فيه: من حاطب ابن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخــبرهـــم بـــبعض أمر رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" . فقال: يا حاطب، ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش - يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت - إذ فاتني ذلك من النسب فيهم - أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : أما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال  " صلى الله عليه وسلم" : إنه قد شهد بدرا، وما يدريك، لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فأنزل الله تعالى هذه السورة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {سَوَاءَ السَّبِيلِ }.

 ومن أسف على ما آلت إليه أحوال بعض المسلمين اليوم من تشبه مقيت بالغرب ومحاكاتهم في أمورهم الحياتية من طرق المأكل والمشرب والملبس مما يختصون به، بل والتشبه بهم في لكناتهم وطرق كلامهم بدعوى التحضر و«الموضة».. نعم صارت الموضة هذه هي بوابة العبور إليهم للأخذ منهم حتى في قصات الشعر وأساليب الحياة.. وصدق المعصوم  " صلى الله عليه وسلم"  الذي لا ينطق عن الهوى، فقد شخص هذا كله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؛ فيما رواه أبوسعيد الخدري عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن» (6).

 الحل الناجع

 وقد وضع الإسلام لهذا الداء دواء ناجعا، بعد وصفه وتشخيصه تشخيصا دقيقا، فأرسى مبدأ القدوة واعتبرها المنجي من المهالك، ولم يكتف بذلك بل بين لمن تكون وكيف تكون واشترط فيمن يتخذ قدوة أن تتوفر فيه بعض الأمور على رأسها «الصدق» بأن يكون متزنا مع نفسه ولا يخالف قوله فعله، لأن في المخالفة سقوطا مدويا، وقد أشار القرآن إلى هذا في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف:2-3)، كذا ينبغي أن يكون مدركا لطبيعة ما يفعل وما يقول، وهو ما يعبر عنه بالحكمة، حتى يمكن الغير من محاكاته واتباعه ويكون فعله متناسقا مع الواقع دونما تكلف ولا تعسف، كذا ينبغي ألا يشتغل بسفاسف الأمور وتوافهها بما يسقط هيبته ويحقر منزلته، بل الاشتغال بمعالي الأمور وما يجلب الخير.

 ومن هنا جاءت نصوص القرآن واضحة في اتخاذ المعصوم  " صلى الله عليه وسلم"  أسوة، قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (الأحزاب:21)، وباتخاذ الصالحين من الأنبياء والمرسلين، وفي هذا الإطار يفيد التذكير بما توجه به الله تعالى إلى نبيه  " صلى الله عليه وسلم" : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ  فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام:90)، والمشار إليهم باسم الإشارة هم المشار إليهم بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام:89) فهم الذين أمر نبينا  " صلى الله عليه وسلم"  بالاقتداء بهداهم (7). على أساس أن المهتدين من المتقدمين على الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  يحملون من القيم والسلوكات والعقائد السوية ما يجعل ما يحملون محل تقدير وأهمية على مستوى الواقع؛ لذلك طلب من الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  الاقتداء بهم والسير في نفس الطريق السوي والسليم الذي يعبر عن حقيقة رسالة الله تعالى والتي جوهرها الهداية للمجتمعات البشرية.

 نعم، سبق الإسلام البشرية في وصف ما يضرها وما ينفعها، وقد وضع نظاما دقيقا للحيولة دون سقوطها في مرابض الغنم ومعاطن الإبل باتباع ما يهلكها ويقضي عليها.. فالإسلام الذي هو دين الله الذي ارتضاه لعباده وصف الداء ووضع الدواء، جاء لإخراج الناس من موارد الهلكة ومظان الفناء إلى حيث يكون البقاء بعز وسلام.. وصدق من قال: «من حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم».

الهوامش

1- ابن منظور، لسان العرب، الناشر أدب الحوزة، ج 15، ص17.

 2- معجم اللغة العربية المعاصرة، لمؤلفه أحمد مختار عمر.

3- من مقال «القـدوة وأهميتهـا ودورهـا للدكتور علي الحاج حسن، من موقع «إضاءات إسلامية».

 4- ‏رواه أبوداود وصححه الألباني.

 5- تفسير الطبري  (المائدة:51).

 6- متفق عليه.

 7- تفسير التحرير والتنوير (الأنعام:90).

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : «لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا ".
الحالة الراهنة لشبه الجزيرة العربية:

وأرض العرب المقصودة في كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي شبه الجزيرة العربية, التي تقع ضمن حزام الصحراء الممتد بين خطي عرض 15ْ, ْ30 شمالي خط الاستواء وجنوبه.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال