الخميس، 18 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

55 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

2564582252

د.حسن عزوزي :

مما لاشك فيه أن الثقافة تتخذ أشكالًا متنوعة عبر الزمان والمكان، وهذا التنوع يتجلى في أصالة الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية وكذا في تعددها وتفاعلها.

  ويتزايد تنوع هذه المجتمعات يومًا بعد يوم، مما يستدعي التفاعل المنسجم والرغبة في العيش المشترك بين الأفراد والمجموعات ذات الهويات الثقافية المتعددة والمتنوعة.

وبالرجوع إلى إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي نجده يشير إلى أن التعددية الثقافية هي الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي، وحيث إن التعددية الثقافية لا يمكن فصلها عن وجود إطار ديموقراطي فإنها تيسر المبادلات الثقافية وازدهار القدرات الإبداعية التي تغذي الحياة العامة، وإذا كانت الحقوق الثقافية جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي هي حقوق عالمية ومتكافلة فإن من حق كل شخص أن يتمتع بالقدرة على التعبير عن نفسه والإبداع في كل المجالات، كما أن له الحق في تعليم وتدريب جيدين يحترمان هويته الثقافية احترامًا كاملا فضلا عن الحق في ممارسة تقاليده وأعرافه الثقافية الخاصة المميزة.

إن إعلان اليونسكو عن التنوع الثقافي يكفل حرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام والتعددية اللغوية والمساواة في فرص الوصول إلى أشكال التعبير الفني والثقافي والحضور الكامل في وسائل التعبير والنشر وهي مفاهيم وقيم تعتبر في إطار القانون الدولي ضمانات للتنوع الثقافي.

ولذلك فإن كل إبداع ينهل من منابع التقاليد الثقافية لابد أن يزدهر بالاتصال مع الثقافات الأخرى، ويعتبر إحياء تراث الشعوب بمختلف أشكاله ونقله إلى الأجيال القادمة طريقًا لتغذية الإبداع الإنساني بكل تنوعه والتحفيز على تأسيس حوار حقيقي وفعال وهادف بين الثقافات يخدم الأهداف الإنسانية ويساهم في إقرار ثقافة العدل والسلام والحوار بين الحضارات والأديان.

إن المفهوم الدولي للتنوع الثقافي يؤكد على أن تهتم السياسات الثقافية لبلدان العالم بإتاحة الظروف المواتية لإنتاج ونشر صناعات وخدمات ثقافية متنوعة تكون لها القدرة على إثبات الذات على الصعيدين المحلي والدولي، ولذلك يعهد إلى كل دولة تحديد السياسة الثقافية التي ترجو من ورائها تنفيذ إسهامها الطبيعي في التنوع الثقافي.

الحفاظ على التنوع الثقافي

يوجد في الحضارة الإسلامية ضرب من الأدب يعرف بأدب الاختلاف الذي هو خلق إسلامي ومظهر إيجابي من مظاهر الحضارة الإسلامية، إنه يؤكد على قيم الحوار وأدب الخلاف في الإسلام، لما في ذلك من إنصاف للخصم واحترام للرأي الآخر وتفصيل لأسس التنوع الثقافي الذي حافظت الحضارة الإسلامية عليه عبر القرون، ولم يسبق أن حفظ حق التنوع الثقافي وكفلت حرية التدين كما حدث في ظل الحضارة الإسلامية، ومهما تم خرق هذا الحق في بعض الأحيان خلال عصور التراجع الحضاري فإن هذا الحق يعتبر من الثوابت التي لا تتغير.

وقد وردت في القرآن الكريم نصوص متعددة تؤكد التنوع وتدعو إلى قيمه وتؤصلها، من ذلك قوله تعالى: {ومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم: 22)، وقوله عز وجل {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود: 118-119)، وقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125).

إن الإسلام ينكر نزعة المركزية المغرضة التي تريد العالم نمطًا واحدًا والإنسانية قالبًا واحدًا منكرة على الآخرين حق التمايز والاختلاف {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (المائدة: 48)، فهو سبحانه قد خلق البشر للتنوع والاختلاف لكن لن يتحقق المراد من هذا التنوع إلا إذا كان هنالك حوار يرسخ قيم التوافق والتعاون والتعايش بين أتباع الحضارات والثقافات المختلفة، وهذه القيم تنبني على ثلاث قواعد:

- قاعدة الاحترام المتبادل.

- قاعدة احترام الخصوصيات.

- قاعدة التسامح.

لقد تميزت الحضارة والثقافة الإسلاميتان بتركيزهما على اعتبار «طلب العمل فريضة على كل مسلم» وأن «الحكمة ضالة المؤمن»، مما ساهم في إغناء التراث الإنساني في شتى حقول العلوم والفنون والآداب، لقد حرصت الشعوب الإسلامية عبر التاريخ على إظهار رغبتها وتأكيد إرادتها في المشاركة في إغناء الرصيد الثقافي الإنساني على أساس من احترام حقوق الإنسان وصون المقومات المادية والمعنوية للكرامة الإنسانية واعتبار التنوع الثقافي والحق في الاختلاف مقومًا أساسيًّا من حقوق الإنسان كما شرع لها الإسلام وحددتها القوانين الدولية.

إن نظرة الإسلام إلى الحق في التنوع الثقافي نابعة من كون القيم الروحية النابعة من مصدر ديني هي وحدها الكفيلة بتوجيه أنماط السلوك الحضاري الهادفة إلى صيانة الحضارة الإنسانية من الانحلال، وهو ما يقتضي التعرف على الآخر والاعتراف به، إذ بدون احترام الآخر في اختلافه لن يكون لقيم كالسلام والعدل والكرامة الإنسانية ولا للتسامح والمحبة والتآخي أي معنى، فثقافة السلام - مثلا - التي هي أحوج ما يكون العالم إليها اليوم بعد المستجدات العالمية الأخيرة تستوجب مبدئيًّا الإقرار بمشروعية الاختلاف واعتباره أمرًا طبيعيًّا بين الناس، ودليلا على التنوع الثقافي والحضاري، كما تستوجب أيضًا الإقرار بالتعددية في المعتقدات الدينية والهويات الثقافية، ولاشك أن أول ما يترتب عن الإقرار بمشروعية الاختلاف والتعدد الثقافي الالتزام بالحوار سبيلا إلى التفاهم ومنهجًا في التواصل والتعاون.

إن المقارنة الدينية هي الوسيلة المثلى للحفاظ على التنوع الثقافي وصيانته، لأن كل ما تم بناؤه على أساس من التوجيهات الدينية والمقاصد التشريعية للديانات السماوية يكون ذا جدوى ما دام ينبع من ذات الإنسان نفسه ولا يفرض من الخارج، وهو ما يكفل رفع الحواجز النفسية التي تعوق العمل على احترام وحماية مبادئ التنوع الثقافي وحث الدول على مراعاتها وإدماجها في سياساتها الثقافية والتنموية وأخذها بعين الاعتبار في علاقاتها مع الشعوب والأمم الأخرى.

الحوار الحضاري

إنه لا يمكن تصور حوار حقيقي بين الثقافات والحضارات إذا لم يكن هناك إقرار بمبدأ التنوع الثقافي، ومهما كانت هناك بعض وقائع الصدام والصراع، فالأمر ليس قدرًا محتومًا لأن العنف والجهل بالحقائق والخوف من الآخر ليست أمورًا حتمية بل هي نتاج للتربية والثقافة التي ينشأ عليها الفرد وتطبع سلوكه وردود أفعاله، ولذلك كان لابد في إطار التفاعل الحضاري من التمسك بالهوية الحضارية وحماية الشخصية الثقافية، ولاشك أن في كفالة الحق في التنوع الثقافي تأكيدًا على الخصوصية الثقافية لكل شعب من شعوب العالم وإبرازًا للهويات الوطنية ذات السمات الحضارية التي تشكل في مجموعها الهوية الإنسانية العامة القائمة على أساس وحدة الجنس البشري ووحدة الصفات المشتركة.

من جهة أخرى تتأكد خصوصية كل ثقافة في إغناء التراث الإنساني من خلال الاقتناع بعدم وجود ثقافة راقية وأخرى منحطة، فلكل ثقافة غناها المتميز وثراؤها الخاص، جاء ضمن مبادئ وأهداف الإعلان الإسلامي للتنوع الثقافي:

إن لكل ثقافة قيمتها ومكانتها وإسهامها في إغناء التراث الثقافي الإنساني وأنها معنية بالعمل على تجسير هوة عدم الفهم بين الحضارات وعدم إخلاء الساحة للتوجهات المعادية وللهجمات المغرضة لتستمر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين والتجني على العقيدة السمحة.

إن الإسلام ينكر نزعة المركزية المفرطة التي تريد العالم نمطًا واحدًا، والإنسانية قالبًا واحدًا منكرة على الآخرين حق التمايز والاختلاف، فالمركزية الدينية التي تريد العالم دينًا واحدًا يشجبها الإسلام {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا}(المائدة: 48)، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} (هود: 118) .

إن الإسلام يرمي إلى حماية التنوع الثقافي والحفاظ على التعددية الحضارية في إطار سياسة تعاون دولي مبنية على أسس الحوار والسلم ونبذ منطق الهيمنة والقوة ويتضمن في الوقت ذاته إدانة العنف والإرهاب بشتى أشكاله ومصادره.

إن المنظور الإسلامي في حماية التنوع الثقافي والحفاظ على الخصوصيات الثقافية ينطلق من رؤى ثابتة تقضي بتحقيق أسس التفاهم والتحاور بين الدول والشعوب، إذ لا حوار إذا لم يكن هناك احترام للخصوصيات الثقافية التي تسمح بإيجاد تنوع ثقافي خصب تتلاقح من خلاله التصورات الثقافية لكل حضارة من الحضارات، ويمكن تقديم بعض هذه الرؤى من خلال ما يلي:

أ- إن التنوع الثقافي ثروة ينبغي ألا تكون مصدرًا للنزاع ونبذ الآخر بل سبيلا إلى توسيع الأرضية المشتركة التي يشترط تحققها الاعتراف بالآخر وتفهم مشكلاته ومقاصده وإدراكه على قدم المساواة وعدم استهدافه بالتمييز أو التحقير أو الإلغاء.

ب- إن حماية التنوع الثقافي تقتضي من جميع الأطراف الاقتناع بكون القيم والقواعد المشتركة أساسًا للحوار وسبيلا للتلاقي والتعاون بدل المجابهة، والانفتاح بدل الانغلاق، والتفاهم بدل التجاهل، وإذا كان لابد من الاعتراف بأنه لا تزال توجد غربة فكرية للمسلمين عن الحضارة الغربية وغربة فكرية أعمق للغربيين عن الإسلام، فإن هذه العوائق يمكن أن تتبدد كلما كثرت اللقاءات الحضارية والثقافية بين الجانبين.

ت- ينبغي الاستناد إلى القيم الأخلاقية في الثقافات المختلفة في إعداد وصياغة منظومة عالمية للأخلاق والاعتراف بالمصادر المتنوعة للمعرفة، وبالتنوع الثقافي بوصفها سمات رئيسة للمجتمع الإنساني كرصيد لا غنى عنه لتقدم الإنسانية.

ث- إن صيانة وحماية قيم التعدد الثقافي لا تشكل ذريعة لإقصاء الآخر واستبعاده، فالتعارف الحضاري الذي هو مبدأ سام ونبيل دعا إليه القرآن الكريم يرمي إلى التواصل والتعارف بين الأمم والشعوب انطلاقًا من الخصوصيات الثقافية والتعددية الثقافية.

ج- لابد من احترام الشعائر الدينية والكتب المقدسة عند أهل كل دين باعتبار كل ذلك أصولا ومرتكزات للديانات التي تؤمن بها مختلف الأمم والشعوب، ولاشك أن احترام التنوع الثقافي والإقرار به يقتضيان عدم تشويه صورة الآخر وتمييع حقائق دينه والمس برموزه ومقدساته.

ح- إن حماية التنوع الثقافي للشعوب غير المتقدمة وإعادة الاعتبار لتراثها الثقافي وخصوصياتها الحضارية مدخل لتعزيز ثقافة السلام وإرساء سبل التكافل الثقافي الكفيلة بإظهار روح التعاون والتضامن اللذين هما عنوان الإقرار والاعتراف بالتنوع الثقافي وحقوق الآخرين.

خ- إنه لا وجود من حيث المبدأ لثقافة التربص أو المؤامرة عكسًا لما قد تفضي إليه الأحكام المسبقة ضد الثقافات والحضارات والصور النمطية للشعوب والأمم مع مواصلة الدعوة إلى الإفادة من مزايا العولمة وتلافي سلبياتها ومفاجآتها المحتملة.

د- إن التنوع الثقافي ثروة ينبغي ألا تكون مصدرًا للنزاع والتوتر ونبذ الآخر بل سبيلا إلى توسيع الأرضية المشتركة ودعم فرص التوافق والتلاقي وتقليل الفوارق وحل النزاع بالطرق السلمية، وبالمنهج القائم على الحوار المؤدي إلى زيادة الوعي بالقيم المشتركة بين الشعوب جميعًا.

ذ- إن حصيلة التراث الثقافي المادي وغير المادي الذي يراعي التعدد الثقافي في جميع أبعاده هو الذي يشكل الإرث المشترك للإنسانية جمعاء والذي تستلهم منه ما يقوي أسباب التفاهم الدولي ويوفر فرص الحفاظ على الأمن العالمي.

إنه بالتعارف والتواصل والاعتراف المتبادل يمكن تقريب الشقة بين مختلف الثقافات والحضارات وجعلها ينفتح بعضها على بعض في سعي حثيث نحو تلاقح متميز وتفاهم مفيد يسمح بالإقرار بالتعددية والتنوع الثقافي والاعتراف بما لدى الآخر من مقومات الإنتاج الثقافي والإبداع الحضاري.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال