الجمعة، 29 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

5bawaker

د.محمد حسن بدر الدين - باحث تونسي في العلوم الإسلامية:

اتفقت مكة على رفض الدعوة الإسلامية، واختلفت يثرب بين القبول والرفض، فقد تبخرت أحلام بعض الساعين إلى السلطة. فعبدالله بن أبي ابن سلول، مثلا، كان ينتظر تتويجه على الأوس والخزرج.

كما شرع يهود المدينة في إعداد العدة والتخطيط للتصدي لهذا النور الجديد. لأنهم رأوا أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم سيضعف مركزهم في جميع مجالات الحياة، وسيقضي على أول سبب لهيمنتهم في المنطقة وخارجها، وهو: ادعاؤهم العلم والدين.

كانت يثرب من أوخم البلاد وأوبئها؛ فعن عبدالله بن الطفيل: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وثب على أصحابه وباء شديد حتى أهمدتهم الحمى. فما كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اليسير. فدعا لهم وقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، واجعل ما كان بها من وباء بخم(1) (اسم مكان)» (مسند أحمد).

ولكنها بعد زمن قصير أصبحت أنظف مكان في العالم. فما الخطة التي اعتمدها الرسول صلى الله عليه وسلم، لتحويل يثرب من قرية بدائية ومتحاربة، إلى مدينة متحضرة محكومة بالانضباط والأمن، وناشرة للعلم والهداية؟

القضاء على الركود

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض متمثلا لآياته، ومجسما لها في الواقع. وقد بدأ منهجه التربوي والإصلاحي بالآية الكريمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات:10). أي عمل أولا على تكريس ثلاثة مبادئ هي: الإيمان والأخوة والإصلاح.

تجمع في المدينة حوالي مئة من الرجال والنساء والشباب غادروا، في معظمهم، مكة وهاجروا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أو التحقوا به إثر وصوله. منهم من استطاع نقل أمواله كلها أو بعضها، ومنهم من ترك كل ما يملك مثل صهيب الرومي رضي الله عنه. ومنهم الفقير في مكة أو في قبيلته. فكيف نظم الرسول صلى الله عليه وسلم وجوده ووجود المهاجرين في المدينة، وهي ليست مركزا سياحيا ولا تجاريا ولا اقتصاديا، وحتى مساكن الإيجار فيها نادرة أو معدومة؟

اقترح عليه الكثيرون أن ينزل عندهم، ولكنه لم يجرح أحدا لا برفض ولا بكلام، بل ترك اختيار مكان نزوله إلى الناقة التي ركبها عند دخوله المدينة. بركت الناقة في «مربد» (مكان يجفف فيه التمر) فيه نخل وقبور. سأل عن مالكه، واشترى منه الأرض، وأمر فورا بتكوين فريق عمل تطوعي شارك فيه بنفسه. نقلت القبور وقلع النخل ونظف المكان، وأمر ببناء المسجد. اندفع فريق من تلك الخلية المؤمنة من المهاجرين والأنصار في العمل وهو معهم.. لبنات من طين وقش تصنع، وجذوع نخل تقطع، حتى اكتمل البناء.

فأين نزل رسول الله؟ كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قد بادر بأن احتمل رحله فأدخله بيته وقال: «منزلي أقرب المنازل فائذن لي أن أنقل رحلك». ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفا عند أبي أيوب وزوجه الفقيرين(2).

وبني المسجد وجعلت عمده من جذوع النخل وسقف بالجريد. وبتلك المواد الطبيعية البدائية بنيت للنبي صلى الله عليه وسلم غرفة ملاصقة للمسجد. قال الحسن بن أبي الحسن: «كنت أدخل بيوت النبي عليه السلام وأنا غلام مراهق فأنال السقف بيدي. وكانت حجره، عليه السلام، أكسية من شعر مربوطة في خشب عرعر»(3).

وبعد بضعة أيام في ضيافة أبي أيوب، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى غرفته، والتحقت به زوجته سودة رضي الله عنها. فبدأ تنفيذ منهجه في التعمير والإصلاح والإرشاد. واختار قاعدة يسيرة ولكنها عامة في أسس منهجه الأخلاقي والتربوي تعتبر أساسا لكل ميادين العمل والإصلاح. حيث وجه كلامه للناس أجمعين لأول مرة. عن عبد الله ابن سلام قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته يتكلم أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»(4).

هذا الكلام هو من بواكير الهدي النبوي الشريف في المدينة. وقد تضمن جملة من الآداب والقيم الرفيعة، نعرض لها بالتحليل مع الاختصار:

الأول:نشر التحية والسلام بين الناس: هذا العمل يزرع الأنس في المجتمع ويخفف الاحتقان الاجتماعي، ويذهب بالكثير من الأحقاد والضغائن، ويستبدلها بالثقة المتبادلة.

الثاني:شيوع الأمن والاطمئنان: لا تقوم التحية بدورها إلا إذا كانت قاعدة لعقلية وسلوك. إذا تعهد المسلم مع نفسه أنه لن يأتي ما من شأنه أن يرعب الناس قولا أو فعلا، أو يخل بنظام معاملاتهم العادية. عند ذلك يحل السلام.

الثالث:إطعام الطعام: حل سريع لمشكلة الجوع والاحتياج، وقضاء على التسول.

الرابع:صلة الرحم: لئن كانت صلة الرحم من أسس المجتمع القبلي إلا أنها عفت وغبرت، أو كادت، بالحروب والسبي والأنانية والتباغض والاستكبار، فكان من الضرورة الأكيدة التذكير بها وإحياؤها.

الخامس:الصلاة والناس نيام: هي تكملة فردية للتربية الاجتماعية الإنسانية في الإسلام، وتقوية للوازع الديني، وصفاء النفس والإقبال على الطاعات.

يلاحظ أن كل ما ورد في ذلك الهدي النبوي لا يقتصر تطبيقه على المسلمين، فالخطاب بدأ بتعبير: أيها الناس لا أيها المسلمون. والحكمة واضحة في هذا الخطاب الإنساني، حيث لا يستقر مجتمع تعددت فيه الديانات والأجناس، إذا كانت كل طائفة تغلق على ذاتها أبوابها، وتتقوقع داخل حصونها، فلا بد من التعاون والتفاهم.

تلك هي بواكير الإصلاح النبوي المتكامل؛ قيم اجتماعية وأخلاقية مترابطة، وعبادة في توازن وانسجام، وتكافل اجتماعي متماسك. كل ذلك في كلمات يسيرة وحكم غزيرة.

الخطبة النبوية الأولى

«كانت أول خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم. تعلمن، والله، ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالا وأفضل عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(5).

كانت تلك أول صلاة جمعة يؤم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين، وأول خطبة جمعية يلقيها واقفا على الأرض. نلاحظ أن الخطبة النبوية قصيرة، بها كلمات يعيها كل إنسان، وفيها التصاق متين بين الدنيا والآخرة. عباراتها ليست طويلة فضفاضة، ولكنها تثير الحمية في نفوس المستمعين، وتذكرهم باليوم الآخر، وبعظمة الله تعالى، وضرورة الالتزام بحسن السعي في الدنيا، وإشعار الإنسان بأنه مراقب في هذه الحياة، وسيحاسب على أعماله. وقد ورد في آثار عديدة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، فإن من البيان سحرا»(6).

الإخاء والتكافل العملي

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، هذه بادرة لا يذكرها التاريخ البشري لأحد قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بعده. قد تصل الصداقة بين بعض الناس إلى أسمى درجاتها بما تتطلبه من محبة وتعاون. ولكن، أن يصل الأمر إلى تقاسم المنزل والمال والرزق والزوجات، بين شخصين لم يعرف أحدهما الآخر، ولم يره قبل أن يجمع بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمر عظيم حقا.

نجحت بادرة الإخاء تلقائيا دون أن يلح النبي صلى الله عليه وسلم أو يفرض. لم يراع في تلك البادرة ثراء أحد الطرفين وفقر الآخر، ولا قبيلة أحدهما. واستجاب المهاجرون والأنصار تلقائيا، ثقة في اختيار نبيهم، واستجابة لله ورسوله. وفي ذلك دليل على مدى التغير في الشخصية والعقلية والخلق، لدى أولئك الأوائل رضي الله عنهم وأرضاهم.

وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الدعائم، وركز الأسس لعقد اجتماعي، ولمنظومة أخلاقية، لتتحول يثرب إلى مدينة في أسمى معاني المجتمع المدني: في تراحمه وتكافله وتآزره، وصيانة كيانه وثقافته ودينه، دون أن يدخلها تشويه أو تحريف.

كل تلك الأعمال الصالحة والمبادرات الرائدة تحتاج إلى أسس قانونية، وقيم أخلاقية متكاملة ومنسجمة، لترسخ في العقول والتصرفات اليومية، ولتنظم بصورة أدق حقوق المواطن وواجباته نحو ربه، ونحو محيطه البشري، ونحو كل الكائنات. فاعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما أنزل إليه في مكة، ومنها سورة الأنعام، نزلت بمكة جملة واحدة. ومن أولى السور التي نزلت في المدينة، سورة البقرة ثم «آل عمران» ثم «الأنفال».

أتم الله تعالى في ذلك القدر من القرآن الكريم معظم قواعد الدين، وبذلك توافر للمجتمع المسلم كل ما يحتاج إليه من عبادات، وقيم أخلاقية، وقوانين في الأحوال الشخصية والمعاملات. تلك هي الكليات التشريعية التي أرادها الله تعالى للبشرية، كليات لا تعرقل الناس في حياتهم اليومية، ولا تمنعهم من السير في الأرض.

وإعلانا لاستقلال الإسلام والمسلمين في كل شيء: العبادة والأخلاق والمعاملات والثقافة، وقطعا لكل صلة تشابه بين الإسلام وبقية المعتقدات، تم البدء بتحويل القبلة مبكرا وأثناء أداء صلاة الظهر، حسب ما ورد في مصادرنا التاريخية. قال ابن الأثير (ت630هـ): «أمره الله أن يستقبل الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة، وفيها أمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين»(7).

وبذلك خلص الدين لله، وأشرقت المدينة بنور العلم والهدى والتقوى. وبدأت مراحل أخرى جديدة من الكفاح في سبيل الله، وفي طريق الدعوة والإصلاح والتمكين. استجابة لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج:41).

الهوامش

1- ياقوت الحموي (ت626هـ) معجم البلدان، دار صادر، ط2، بيروت، 1995م. ج5، ص83.

2 - أبو القاسم الطبراني (ت360هـ) المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ. ج4، ص35.

3- عبدالرحمن السهيلي (ت581هـ) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1412هـ. ج4، ص268.

4- أبو بكر البيهقي (ت458هـ) الآداب، مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، بيروت، 1408هـ، 1988م. ص31.

5- السهيلي، الروض الأنف. ج4، ص239. مرجع سابق.

6- أبو بكر بن خزيمة (ت311هـ) صحيح ابن خزيمة، المكتب الإسلامي، ط3، بيروت، 1424هـ، 2003م. ج2، ص864.

7- عز الدين بن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1417هـ/1997م. ج2، ص12.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال