السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

d940sha tiseeyjvgq

د.ادريس سلطان صالح أستاذ جامعي - مصر                                      :

تشهد مجتمعاتنا العربية حاليا أحداثا متلاحقة وتطورات شاملة لمعظم جوانب حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتي انعكست بدورها على ما يمتلكه شبابنا من معارف واتجاهات وقيم وأنماط تفكير جديدة قد لا تتفق مع طبيعة مجتمعاتنا، وتحمل في ثناياها أخطارا تهددها، وتؤثر في وحدتها وتماسكها، وتعوق جهود تنميتها وتطورها.

فالعالم اليوم أصبح أصغر وأقل سلاما وغير آمن للأجيال الحاضرة والمقبلة، حيث يمر ببيئة مليئة بالتوتر والعنف والقيم المتدنية والمظالم وتقليل التسامح واحترام حقوق الإنسان، وقد اتخذت ثقافة السلاح مركزا مهيمنا في معظم البلدان النامية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مما يهدد مستقبل الشباب الذين يستحقون حياة سلمية، ونوعية أفضل للحياة، مما يحتم نشر ثقافة السلام لحل النزاعات(1).

ولما كان الشباب من أهم الثروات البشرية؛ فإن غالبية الاتجاهات المعاصرة في العلوم الاجتماعية والإنسانية اهتمت بدراسة أوضاع الشباب واتجاهاتهم وقيمهم وأدوارهم في المجتمع، ولعل السبب الرئيسي لمثل هذا الاهتمام يرجع إلى ما يمثله الشباب من قوة في المجتمع باعتبارهم شريحة اجتماعية تشغل وضعا متميزا في بنية المجتمع(2)، حيث يمثل الشباب ثروة الأمة وكنزها الثمين، فهم طليعة التغيير المنشود، كما أن هذه الثروة المهمة إما أن تستثمر بشكل سليم نحو التطوير والبناء، أو أن تهدر من خلال سوء استثمارها؛ مما يؤدي بها إلى الضياع أو الفساد، من هنا أدركت الشعوب قديما وحديثا أهمية هذه الثروة، لكن بقيت عاجزة تجاهها في طريقة توظيفها وترشيد استثمارها(3).

ولذلك؛ تتضح ضرورة اهتمام مجتمعاتنا بالتربية من أجل السلام الاجتماعي، وتزويد أطفالنا وشبابنا بثقافة السلام الاجتماعي التي تضمن مشاركتهم الفاعلة في المحافظة على وحدة مجتمعاتهم وتنميتها وتطويرها بطرق وآليات سليمة، ومبتعدة عن العنف والتطرف.

مفهوم السلام الاجتماعي

انطلاقا من معنى السلام بصفة عامة -والذي إما يعرف بغياب المظاهر السلبية مثل العنف، أو بحضور المظاهر الإيجابية مثل الهدوء، والاستقرار، والصحة، والنماء- يمكن أن نقترب من مفهوم السلام الاجتماعي، فكل مجتمع يتكون من مجموعة من البشر، مختلفون بالضرورة بعضهم عن بعض، سواء في انتمائهم الديني، أو المذهبي، أو موقعهم الاجتماعي، أو الوظيفي، ولكن يجمعهم جميعا ما يمكن أن نطلق عليه عقدا اجتماعيا، أي التزام غير مكتوب بينهم، يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع، والخروج على هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق طرف، وإخلالا بالتزامات طرف آخر، مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف.

فالسلام الاجتماعي إذن يعني غياب كل مظاهر العنف والقهر والخوف في المجتمع، فالسلام لا يعني فقط غياب الحرب، كما أنه ليس فقط ظاهرة سياسية، ولكنـه يعبـر عـن عمليـة اجتماعية لها العديد من المستويات، والتي تتضمن السلام على مستوى العائلـة، وعلـى مسـتوى المجتمع، ثم على المستوى الإقليمي والدولي، كما يتناول أيضا السلام الداخلي، أي السلام مع النفس، وهذا النوع ضروري من أجل خلق عالم سلمي(4).

وينظر إلى السلام الاجتماعي على أنه يتضمن معنيين: الأول: أيديولوجي؛ ويعني أن يعيش الإنسان حياته وهو متفق مع القيم والمعايير التي يصنعها المجتمع لأفراده، والتي تحضه على البعد عن جميع أشكال القيم السلبية المتعارف عليها محليا وعالميا، والثاني: سلوكي؛ حيث ينظر له على أنه أفعال وتصرفات أفراد المجتمع التي تحث على تكوين العلاقات فيما بينهم أيا كان السن أو النوع أو العقيدة.

فالسلام الاجتماعي يرتبط بكيفية توفير مجتمع يتجاوز كل مظاهر التفكك والتمرد والسخط، مع السعي إلى تحقيق أقصى إشباع ممكن لاحتياجات الجماهير، ومواجهة مشكلاتهم في إطار تطبيق أسس العدالة الاجتماعية التي تنبذ الصراع، وتوفر المناخ الملائم لكي يعيش الجميع في إطار من التقبل والتعاون والشعور بالأمن في يومه الذي يعيشه، وغده الذي ينتظره(5).

أهمية السلام الاجتماعي

تبرز ضرورة تحقيق ودعم ثقافة السلام الاجتماعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لما لها من أهمية كبيرة يمكن تلخيصها فيما يلي(6):

- إن تحقيق السلام الاجتماعي بين فئات المجتمع وطبقاته يخفض من نزاعات التطرف والعنف السياسي والديني والطبقي نظرا لما يهيئه من توطيد للعدالة والفرص المتساوية لكل المواطنين دون تفرقة أو تمييز.

- إن تحقيق السلام الاجتماعي يؤدي إلى زيادة انتماء المواطنين لمجتمعهم، وزيادة الرغبة في المساعدة المتبادلة وسيادة قيم المشاركة والمسؤولية الاجتماعية والحفاظ على الملكية العامة وزيادة الإنتاج في المجتمع.

- إن تحقيق السلام الاجتماعي يؤدي إلى زيادة شعور الفرد بالعدالة والاطمئنان إلى حقوقه؛ فيزيد عطاؤه وتتحول مصالحه الفردية إلى الجماعية؛ مما يؤدي إلى زيادة مساهمته في شؤون المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

أركان السلام الاجتماعي

هناك عدة أركان للسلام الاجتماعي في أي مجتمع، تتمثل فيما يلي(7):

- الإدارة السلمية للتعددية: تحولت التعددية إلى قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة، بشريا ودينيا وثقافيا، فالتعددية ظاهرة اجتماعية في كل المجتمعات، ويتوقف الأمر بشكل أساسي على إدارة التعددية بما يحفظ للجماعات المتنوعة التي يعيش بعضها مع بعض مساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل.

- الاحتكام إلى القانون: يمثل «حكم القانون» في المجتمع الحديث أحد أهم عوامل تحقيق المساواة والعدالة في العلاقات بين الأفراد والجماعات، ويعني حكم القانون أن الأفراد متساوون أمام القانون بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق، وأن مؤسسات العدالة تطبق القانون على الأفراد بحياد كامل بصرف النظر عن موقعهم الاجتماعي، أو انتمائهم الديني، أو نفوذهم السياسي، وأن تنفذ الأحكام الصادرة عن مؤسسات العدالة بحزم دون تسويف أو تأخير.

- الحكم الرشيد: الحفاظ على السلام الاجتماعي في أي مجتمع يحتاج إلى حكم رشيد، ويعني الحكم الرشيد مجموعة من المفاهيم الأساسية التي تتضمن المساءلة والشفافية والتمكين والمشاركة، ومحاربة الفساد.

- حرية التعبير في حدود القيم الإسلامية: لا يتحقق السلام الاجتماعي دون أن تتمتع كل مكونات المجتمع بمساحات متساوية في التعبير عن آرائها، وهمومها، وطموحاتها، دون استبعاد لأحد؛ بهدف الوصول إلى الأرضية المشتركة التي يلتقي عندها الجميع.

- العدالة الاجتماعية: تعد العدالة الاجتماعية ركنا أساسيا من أركان السلام الاجتماعي، ولا يمكن أن يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت أقليته تحتكر كل شيء، وغالبيته تفتقر إلى كل شيء.

- إعلام يهدف إلى تعزيز قيم المواطنة: يحتاج المجتمع إلى إعلام تعددي، يساعده على ممارسة التعددية، ويكشف الأمراض الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ بهدف معالجتها والنهوض بالمجتمع، ويقصد بإعلام المواطنة أن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام، وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع.

- العمل المشترك: التأكيد على أسس سليمة من التجانس، والتلاحم، والاحترام المتبادل، حيث يحتاج المجتمع إلى تأكيد مستمر على ذاكرة العمل المشترك، وتذكر لحظات الوحدة، دون أن يكون هاجس كل الأطراف هو الحديث عما يفرق الجماعة ويبعثرها.

الإسلام والسلام الاجتماعي

اهتم الدين الإسلامي اهتماما شديدا بالسلام الاجتماعي، وجعله من مهمات الدين وأساسيات الشريعة الحنيفة؛ لارتباطه الوثيق بالمنفعة العامة للأمة الإسلامية ومصالح العباد، ومن أول وأهم مبادئ السلام الاجتماعي نبذ الظلم والاعتداء على الآخرين، فقال الله سبحانه وتعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران:57)، وقال: {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)، وقال: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة:87).

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث الجامعة التي تساعد المسلمين على إرساء قواعد السلام الاجتماعي والمحافظة عليه وعدم الظلم والاعتداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» (رواه مسلم) يأتي هذا الحديث ليرسم للمسلم منهجا تربويا قائما على نبذ الظلم والشح، وبيانا لعاقبتهما في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا سفك الدماء واستباحة المحارم وانعدام الأمن والسلام بين الناس، وفي الآخرة ملاقاة العذاب والظلمات، فالإسلام لا يوجد إلا في ظل إقامة العدل بين الناس ومع النفس، والإسلام لا يكون إلا بالتسامح والعطاء وإرساء مبادئ السلام في المجتمع.

التربية والسلام الاجتماعي

تساهم التربية بدور كبير في بناء ودعم السلام الاجتماعي في المجتمع، وعن طريقها يمكن تدعيم قيم المواطنة بين الشباب، وتعزيز قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان واحترام الآخرين، وتنمية قيم المشاركة والعمل التطوعي، وتفعيل قيم الحوار المجتمعي، وذلك من خلال ثلاثة محاور(8): المحور المعرفي الذي تقدم فيه حقائق ومفاهيم ومعلومات غرضها توسيع المدارك حول إيجابيات السلام وأخطار العنف وأشكاله ونتائجه السلبية على الفرد والمجتمع والعالم، والمحور الثاني الذي يركز على تشكيل المواقف والاتجاهات نحو تفضيل السلوك السلمي، والمحور الثالث الذي يركز على تنمية قدرات ومهارات استخدام وتطبيق الاستراتيجيات والأساليب التي تساعد في حل الخلافات وتجنب العنف.

وفي ضوء ذلك أصبحت التربية مطالبة بالاستجابة لمتطلبات السلام الاجتماعي، والعمل على تحقيق الأهداف المرتبطة بتنميته ودعمه في مجتمعاتنا، ومنها(9):

- تعزيز ونشر القيم الإنسانية المشتركة كالتسامح، وتقبل الآخر والتعاون والعمل الجماعي، ومساعدة الآخرين واحترامهم، والتعايش السلمي والتفاهم المتبادل، والحوار القائم على احترام الآخر.

- بناء المواطن الذي يؤمن باحترام حرية الإنسان وحقوقه الأساسية، بما ييسر التفاهم والتسامح والوئام بين كافة الأمم وجميع الفئات العرقية والدينية والثقافية داخل المجتمع الواحد.

- تنمية المهارات الداعمة لاستقلالية الرأي والتفكير النقدي؛ لإعداد الطلاب للتكيف مع المواقف الصعبة وغير المتوقعة، مع تحقيق التوازن بين الاستقلالية الفردية والتشاركية الجماعية في حل المشكلات لتحقيق مجتمع قائم على السلام والديموقراطية والتعاون البناء.

- تنمية القدرة على تقبل التنوع البشري والاختلاف الثقافي والعقائدي والسياسي، مع العمل على تنمية مهارات الاتصال والتواصل والتفاوض والوساطة.

- تنمية مهارات حل المشكلات والبحث عن بدائل مختلفة للمشكلة الواحدة.

- بناء المواطن القادر على المساهمة بإيجابية في تنمية وازدهار ورقي وطنه والمساهم بفعالية في تحقيق مظاهر ومعالم السلام الإيجابي.

الهوامش

1- تغريد عبده الحجلي (2017م)، (الشباب وبناء السلام الاجتماعي)، متاح عبر الموقع الإلكتروني http://tfpb.org/?p=246

2- مجدي فاوي أبو العلا (2007م)، العلاقة بين البرنامج في طريقة خدمة الجماعة وتنمية قيم ثقافة السلام الاجتماعي لدى جماعة البرلمان الشبابي، (المؤتمر العلمي الدولي العشرون للخدمة الاجتماعية)، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، مصر، المجلد3، ص1186–1239.

3- مؤمن صبره محمود (2016م)، استخدام برنامج إرشادي للتدخل المهني مع جماعات الشباب الجامعي وإعدادهم لحياة ما بعد ثورة 25 يناير، رسالة ماجستير، كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان، مصر.

4- أشرف عبدالوهاب (2006م)، (التسامح الاجتماعي بين التراث والتغيير)، القاهرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ص:82.

5- علي عبدالله محمد (2012م)، تصور مقترح من منظور الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية لتحقيق السلام الاجتماعي لدى الشباب الجامعي، (المؤتمر العلمي الدولي الخامس والعشرون)، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، مصر.

6- عبدالنبي أحمد عبدالنبي (2011م)، فاعلية برنامج للتدخل المهني من منظور الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية في تنمية وعي الشباب بثقافة السلام الاجتماعي، مجلة دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، العدد 30، الجزء 4، ص1768-1814.

7- سامح فوزى (2008م)، مشروع السلام الاجتماعي في المجتمع المصري، الجيزة، مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية، ص٩.

9- ناهد الخراشي (2016م)، المناهج الدراسية وأثرها في نشر ثقافة السلام ومواجهة الإرهاب، (المؤتمــر الدولي السابع والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية)، القاهرة، وزارة الأوقاف.

10- أمل أحمد حسن محمد (2014م)، (برامج التربية من أجل السلام بالتعليم قبل الجامعي في بعض الدول وإمكانية الاستفادة منها في مصر)، مجلة دراسات عربية في التربية وعلم النفس، العدد 56، ص161-224.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال