السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

59 59 59

مصطفى القلاوي – باحث دراسات إسلامية - مصر:

الحج رحلة يتجرد فيها العبد المسلم من علائق الدنيا وما يتصل بها، حتى إنه يتجرد من اللباس الذي اعتاد عليه، ومن كل ما يشغله عن ربه، ويثور على عاداته ومألوفاته التي لازمته منذ ولادته حتى ساعة بدء هذه الرحلة المباركة، مفارقا أحب الناس إلى قلبه من الولد والزوج وسائر الأهل، وتاركا من خلفه كرائم الأموال وصنوف الزينة والترف، متوجها إلى الله تعالى، لا يخطر على قلبه ولا يشغل عقله، إلا الرغبة الخالصة في التوبة الصادقة والإنابة إلى بارئه من غير تذبذب، فترى لسانه لا يلهج إلا بالذكر والدعاء والقنوت والرجاء.

والحج عبادة تهيمن على قلب المؤمن وعلى بدنه وماله، فهي بذلك تجمع بين الروح والبدن، ولا تكون هذه الهيمنة لغيرها من سائر العبادات التي يؤديها المؤمن، فالصلاة والصيام عبادتان تتعلقان بالبدن، والزكاة عبادة تتعلق بالمال، أما الحج فهو يجمع كل هذا.

يقول أبو الشعثاء: نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال والصيام كذلك، والحج يجهدهما فرأيته أفضل.

والحاج وهو يقصد بيت ربه يمتلئ قلبه رضا بموعود الله له، فيرجع من رحلته مغفور الذنب ومطهرا من الدنس -كما يرجو- فينشرح لذلك صدره، وتقوى عزيمته، مما يجعل نياط قلبه تتعلق بحج البيت مرات ومرات، ما استطاع العبد إلى ذلك سبيلا.

ويعد الحج مدرسة كبرى تتربى فيها النفس المؤمنة على ضبط شهواتها وكبح جنوحها، وتفجير ينابيع البر والخير في كل تصرفاتها، وإذْنٌ للخيرات الكامنة بداخلها والخاملة بين جنباتها أن تنطلق وتسود.

وفي أعمال الحج تدريب على الصبر الجميل الذي لا يصاحبه صخب ولا تضجر، وتعويد للنفس على عدم إطلاق عنانها وانفلاتها في الشهوات والرغبات، وكل هذا يفضي إلى تزكية الأخلاق وسموها.

كما يتدرب المؤمن في الحج على الابتعاد عن بعض ما أحل الله (محظورات الإحرام) ليتهيأ نفسيا للامتناع عما نهى الله من شبهات ومحرمات، وليتمكن من السيطرة الكاملة على كل أفعاله وتصرفاته.. إذ به تقوى في النفس قوة الإرادة، ويصبح عقل المؤمن وقلبه المشبعان بالقرآن والسنة هما الموجهان لكل حركاته وسكناته ومشاعره وأحاسيسه، وليست الأهواء المنفلتة أو المشاعر التالفة.

والحج - إن قصد به وجه الله- يحيي في القلب أسمى معاني الامتثال لأمر الله عزوجل، إذ به يحوز القلب السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.. فترى الحاج يتعبد لله تعالى بما أمره الله به، حتى دون أن يعرف الحِكم والأسرار المستورة خلف هذه الشعائر، وهذا قمة التسليم والامتثال لأمر الله جل شأنه، فتراه يطوف حول بيت من الحجارة -معظما بتعظيم الله له- تحية لرب البيت.

وتجده يقبل حجرا اقتداء بفعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلنا الاتباع في كل ما ورد دون تردد، وملتمسا لكل ما يقرب فعله من الله ورسوله.

ثم يسعى العبد بين جبلين من الأحجار مبتدأ بجبل الصفا ليصفو قلبه من كل ما يعكر علاقته بالله عزوجل، ويحول بينه وبين مولاه تبارك وتعالى، مختتما بجبل المروة الذي ملأ قلبه ريا بعد أن كان أجدب قحطا، طالبا المغفرة وطامعا في العفو والصفح الجميل.

ثم الوقوف على جبل مؤلف من الحجارة، متضرعا بصدق، ومتجردا من الحول والقوة، يحمل بين أضلعه قلبا ممتلئا بالخشية، ويرفع أيديا مملوءة بالرجاء، ويطلق لسانه بالضراعة والذكر وإعلاء كلمة التوحيد وطلب الإحسان.

ثم يرجع فيرجم حجرا بحجر -ولو كان رمزا تصويريا- يعلن به المؤمن عزمه الأكيد على ترك نوازع النفس السيئة، وعدم اتباع الهوى المضل المهلك، ومخالفة عدوه اللدود الذي يصده عن ربه بوسوسته القبيحة، فيزين له الباطل ويخوفه العواقب.

ويعد هذا التناغم مع الكون وسائر المخلوقات، والانتقال الروحي من ملكوت الأرض إلى ملكوت السموات، تحقيقا للعبودية والإخلاص لله عزوجل، والإخبات التام والخضوع الكامل والاستجابة السريعة لنداء الحق جلت قدرته، والإقرار بوحدانيته وأحديته في الملك والسلطان، والاعتراف بكل ما جاد به من الفضل والإنعام، والتفويض المطلق له في التدبير والتصرف على التفصيل والإجمال.

والحج -وحده- كفيل لأن يهدي إلى سبيل الهدى والرشاد، والتوفيق لما فيه الخير للعباد، فلقد حث القرآن الكريم المؤمنين على ما يضمن لهم من تلك الرحلة الربانية هذا الهدف السامي، إذ يحتوي الحج على جانبي إصلاح النفس وتزكيتها، جانب تطهيرها عما يدنسها، وهو التخلية، وجانب تزكيتها بما يقربها من ربها، وهو التحلية.

ففي جانب التخلية والتطهير عن كل ما يدنس النفس المؤمنة، ويحاول إحباط عملها وإفساد عبادتها، تجد الإشارة القرآنية من الله تعالى إلى اجتناب ذلك، يقول الله تعالى {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة:197)، وبهذا النهي عن كل فعل مرفوض ينتهي المؤمن عن كل ما يتنافى مع تجرده لله وإقباله عليه سبحانه.

أما عن جانب التحلي بالفضائل التي تزكي النفوس وتخلص الأفئدة وتقربها من الخالق جل وعلا، فيقول تعالى {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة:197). والتزود بالتقوى هو زاد القلوب والأرواح، به تتقوى وتشرق، وعليه تعتمد في الوصول إلى حضرة علام الغيوب.

وترى ارتباطا عجيبا بين أفعال الحج ومناسكه، وبين ما بدأت به سورة الحج، إذ إن أول أعمال الحج بعد النية الصادقة هو الإحرام، الذي هو عبارة عن التجرد من لبس كل ما هو مخيط، فهو لباس أشبه بالكفن الذي يخرج به الإنسان من الدنيا مرتحلا إلى الآخرة، إذ إن رحلة الحج تذكر برحلة الآخرة، كأنه بذلك يخلع الدنيا وراءه ويقبل على بارئه وفاطره. كذلك تجد مطلع السورة العنيف ينوه على هذا الإقبال المخيف، فيقول {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (الحج:1-2).

وبدء السورة بالأمر بتقوى الله يتناسب تناسبا كاملا مع موضوع واسم السورة، فخير زاد يتزود به المؤمن لرحلته إلى الدار الآخرة هو زاد التقوى، كذلك أنفع ما يتزود به الحاج عند إقباله على الله في رحلته المباركة هو تقوى الله عزوجل، بل وأفضل ما يدعى به للحاج عند توديعه الدعاء بتقوى الله، فقد روى الترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع غلاما للحج فقال له «زودك الله التقوى».

ويقول أبوالدرداء:

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويـأبى الله إلا مــا أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي

وتقوى الله أفضل ما استفادا

وهذه الزلزلة وذلك الذهول يكون يوم الإقبال على الله للحساب في الآخرة، فيرجو فيه المؤمن الصادق نوال الرحمة والمغفرة، وكذلك الحاج المخلص يرجو العود من رحلة الحج بالمغفرة ودخول الجنة، روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، كما أخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».

كما أن ترك التطيب والادهان، وعدم إزالة الشعر وتقليم الأظافر وستر الرأس وغير ذلك، ليشعرك بالحال الذي يخرج به العبد من قبره يوم القيامة ويقبل به على الملك ساعة الحساب. فيتهيأ العبد للقاء ربه في كل وقت ويعد لذلك اليوم إعدادا خاصا.

ثم يأتي ختام السورة الكريمة، فتجد ارتباطا وثيقا بين آخر آية ختمت بها السورة وبين أعمال الحج ومقاصده وأهدافه. فالله يقول في آخر السورة: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (الحج:78)، والأمر بالجهاد في الله حق جهاده هو أن يطاع فلا يعصى كما قال السدي. أو أن يجتهدوا في العمل كما ذكر مقاتل، بإتقانه والإخلاص فيه وعدم الغش. أو هو مجاهدة النفس والهوى كما قال عبدالله بن المبارك، أو أن يحمل هذا على المحافظة على كل التكاليف التي فرضها الله، إذ المحافظة عليها جهاد، وإشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه، ورد هوى النفس، ومجاهدة وسوسة الشيطان، كما صرح بذلك كله أهل التفسير في تعقيبهم على الآية الكريمة. روى ابن أبي الدنيا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه خصال ثلاثة: ورع يحجزه عما حرم الله، وحلم يضبط به جهله، وحسن صحابة لمن يصحب، وإلا فلا حاجة لله بحجه».

والحج جهاد لا قتال فيه كما ورد ذلك في كتب السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «المجاهد من جاهد نفسه في الله» (أخرجه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح).

قال بعض الصحابة لمن سأله عن الغزو: ابدأ بنفسك فاغزها، وابدأ بنفسك فجاهدها، وجاء في مصنف عبدالرزاق ومعجم الطبراني بسند صحيح، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد، فقال: «ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ الحج»، وجاء في المصنف أيضا وذكره البخاري في صحيحه معلقا أن عمر قال: «إذا وضعتم السروج (يعني من سفر الجهاد) فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة، فإنه أحد الجهادين».

فالحج بمثابة عقد مبرم بين العبد وبين ربه، أن يطاع الله ولا يعصى، وأن يشكر ولا يكفر، كما أن الحج مجاهدة لطباع النفس السيئة ولوساوس الشيطان المضلة، ومحاربة للهوى، والمحافظة على أوامر الله من فعل ونهي، والامتثال لكل ما أوجب، من فعل الخير ونفع الغير، كل على قدر طاقته.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال