الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

32 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

قدوتى

225221225222

د. محمود خلف :

من أعلام الشعر والفكر والأدب المعاصر، أديب مجدد، من كبار الكتاب. امتاز بأسلوب حلو الديباجة، تمضي فيه النكتة ضاحكة من نفسها، وتقسو فيه الجملة صاخبة عاتية.

في بيت عتيق على حدود الصحراء في القاهرة،ـ ولد إبراهيم عبد القادر المازني سنة 1308هـ - «1889م» في «كوم مازن» من المنوفية بمصر، نشأ في بيئة دينية متواضعة، إذ كان أبوه محاميا شرعيا، ولم يكن على شيء من الثراء. ولم يتمتع إبراهيم طويلا برعاية أبيه، فقد توفي وهو في سنيه الأولى، ولم تقعد بأمه فاقتها، فقد رعته وألحقته بالمدرسة الابتدائية، حتى إذا أتمها التحق بالمدرسة الثانوية، وعينها من ورائه.

وطمح بعد إكمال دراسته الثانوية إلى الالتحاق بمدرسة الطب، لكنه لم يكد يدخل غرفة التشريح، حتى أصابه غثيان شديد، فانصرف عن الطب، وفكر في الالتحاق بمدرسة الحقوق، إلا أن ضيق ذات يده رده عنها إلى مدرسة المعلمين. وفي هذه المدرسة أخذت ملكته الأدبية في الظهور، فعكف على قراءة الأدب القديم يقرأ في كتابات الجاحظ، وفي كتاب الأغاني وفي الكامل للمبرد والأمالي لأبي علي القالي وغير ذلك من عيون النثر العربي القديم، كما أخذ يقرأ في الشريف الرضي ومهيار وابن الرومي والمتنبي، وأضرابهم من الشعراء البارعين.

بدأت كتاباته منذ اشتعال الثورة المصرية 1338هـ - «1919م». وشارك الثائرين في كتابة المنشورات التي تؤجج أوارها، حتى هددته السلطات بالنفي والتشريد، ومع ذلك ظل مشتغلا بالسياسة والصحافة حتى آخر لحظات حياته.

وكان الكتاب يتخيرون لتعابيرهم ما يسمونه «أشرف الألفاظ»، فيسمون به عن مستوى فهم الأكثرين، فخالفهم إلى تخير الفصيح مما لاكته ألسنة العامة، فأتى بالبين المشرق من السهل الممتنع. وعمل في جريدة «الأخبار» مع أمين الرافعي، و«البلاغ» مع عبدالقادر حمزة، وكتب في صحف يومية أخرى، وأصدر مجلة «الأسبوع» مدة قصيرة، وملأ المجلات الشهرية والأسبوعية المصرية بفيض من مقالاته لا يغيض.

وعاش عيشة «الفيلسوف» مرحا، زاهدا بالمظاهر. وكان من أرق الناس عشرة، ومن أسلسهم في صداقته قيادا، يبدو متواضعا متضائلا - وفي جسمه شيء من هذا - وفي قرارة نفسه أشد الاعتزاز بها والعرفان لقدرها. يمزح ولا يمس كرامة جليسه، مخافة أن تمس كرامته.

ويتناول نقائص المجتمع بالنقد، فإذا أورد مثلا جعل نفسه ذلك المثل، فاستسيغ منه ما يستنكر من غيره. وله كتب، منها: «حصاد الهشيم» مقالات، و«إبراهيم الكاتب» جزآن، قصة، و«قبض الريح» و«صندوق الدنيا» و«ديوان شعر» جزآن صغيران، و«رحلة الحجاز» و«بشار بن برد» و«ميدو وشركاه» قصة، و«ثلاثة رجال وامرأة» و«غريزة المرأة» و«ع الماشي» و«شعر حافظ» في نقده، و«الشعر، غاياته ووسائطه» رسالة، وترجم عن الإنجليزية «مختارات من القصص الإنجليزي» و«الكتاب الأبيض الإنجليزي».

وشعره في جزأين ليس فيه سياسة ولا وطنية ولا دعوات اجتماعية؛ وإنما هو تجربة نفسية تامة، وهي تجربة تفيض بالألم والكآبة إزاء الطبيعة والتفكير في النفس والحياة الإنسانية ومتاعس البشرية، ويأخذ ذلك شكل انفجارات وجدانية. وربما كان مرجع ذلك عنده إلى أنه كان صاحب نفس حساسة وشعور مرهف إلى أبعد ما يكون الإرهاف الدقيق. ولم يكن شيء في حياته مفرحا، فقد ذاق ألم اليتم صغيرا، وكان قصيرا تقتحمه العين، وأحس ذلك في نفسه، فضاق بحياته وتبرم بها غاية التبرم، وزاد تبرمه حدة أن أصيب ساقه في حادثة سببت فيه عرجا، لازمه إلى مماته.

وهو لا يبارى في مقالاته التي يصف فيها مشاعره وخوالجه؛ إذ كان مرهف الإحساس، وكان إذا تعمق التأثر نفسه فاضت عليه خواطره، وكأنها تفيض من نبع لا ينضب. ومن خير ما دبجته براعته من ذلك ما جاء بكتابه «في الطريق» من حديثه عن ابنته الصغيرة التي اختطفها القدر من بين يديه، وهي في غرارة الطفولة، فقد صور ذكرياته معها وما كانت تأتيه من لعب وعبث تصويرا باكيا رائعا.

أسلوب المازني

تكشف آثار المازني عن أسلوب مشرق فكه ساحر وساخر، محبب إلى النفس، نابع من ثقافة عريضة، وموهبة قادرة على إذابة العامية في الفصحى، وينفرد بسخرية ناعمة، تجلوها روح الفكاهة المصرية العذبة الخالصة، وأهم ما يميز أسلوبه ما يلي:

1- البساطة في التعبير، واستخدام المألوف من الألفاظ، والمشهور من العبارات، وإظهار الألفاظ الدارجة في ثوب فصيح.

2- العناية بالأمثال الشعبية، ورسم صورة للبيئة المصرية عامة, والقاهرية بصورة خاصة، وإيثار الدعابة الساخرة التي تمثل روحه.

3- جمله قصيرة متلاحقة، وعباراته سلسة شائقة.

4- إيثار الألفاظ الغريبة في معارض السخرية، أو إظهار المفارقة، أو الإضحاك، فنراه يخاطب المتعالي قائلا: «أيها الفطحل»، ويتحدث عن المتحذلق فيقول: إنه من «الجهابذة»، وعند امتلاء البطن يقول: «إنه شعر الكظة».

5- تشبيهاته جديدة دقيقة وطريفة، فتراه يقول: «أقدم من هرم خوفو»، و«معدتي طاعنة في السن كمخلاة قديمة»، و«الزواج يشبه لبس الحذاء»، و«الأعزب كالذي اعتاد الحفا»، و«كانت لا تريد أن تتزوج، وصدقت فما تزوجت لأنها ماتت» و«كان شديد السكر حتى إنه كان يمشي متزنا»، وغيرها كثيرة وعديدة.

6- المحافظة على الإطار اللغوي في قواعده وتراكيبه ومفرداته.

وبذا وغيره كان المازني في فكاهاته وسخرياته فنانا رائدا مبدعا، عميق الغور، واسع الأفق، انطبعت مختلف مظاهر الحياة المصرية في نفسه، فعبر عن صورها في قوة ووضوح.

الصورة الأدبية عند المازني

وأما إبراهيم عبدالقادر المازني: فيرى أن الصورة الأدبية غير فن التصوير والرسم، فهي غنية بالحركة والحيوية، وتعاقب الزمن وقتا بعد وقت، حتى يأتي الشاعر على الحركة المقصودة من الصورة، بينما فن الرسم جامد ليس له إلا لحظة واحدة من الزمن، وهي تلك اللقطة التي يختارها الرسام من الزمن، ليودعها فنه وريشته، كما أن الصورة الأدبية تنفرد أيضا بخاصة لا توجد في فن التصوير، وهي أن الشاعر ينقل للقارئ المنظر المراد تصويره، من خلال مشاعره، وخواطره، ويلونها من داخل نفسه، فتؤدي عند القارئ إلى إثارة مثل هذه الأحاسيس والمعاني والآمال والخوالج.

والمازني يرى أن الصورة ليست هي مجرد الشكل الذي يقابل المضمون، ولكنها تصدر عن الوسائل الفنية للشكل، وهو ما يفيده النظم عند الإمام عبدالقاهر، إلا أنه تناولها في عمق وجدة تبدو في أمور:

أ- وضح مفهوم الصورة على وجه التقريب، وتكون في تناول المنظر المراد تصويره من خلال خواطر الشاعر وأحاسيسه وتلوينها بذات نفسه وعاطفته.

ب- أن الصورة ليست خطبة بنص الشاعر فيها على المراد، وما يقصده صراحة، ولكن على الشاعر بموهبته الفنية أن يدع الصور تتحدث بذلك، وتكشف عن الأثر الكامن فيها لا الشاعر.

ج- أن الصورة الأدبية لها لحظات في الزمن تتعاقب وتحدث ما فيها من حركة حيوية، وهما لب الصورة وعصبها، وهذا هو الفارق المميز بينها وبين الرسم.

د- أن المازني جعل الخيال هو الأساس في الصورة، وبه يتفوق صاحبه على غيره، ويقسم الخيال قسمين: أحدهما الخيال الحسي، وهو ما يستمد فيه الشاعر البواعث على الابتكار من ظواهر الطبيعة، وهو في نفس الوقت تصوير الشيء على حقيقته، كما يقع تحت الحس في الواقع، من غير إعمال ولا تحوير، وهذا ضرب نادر في الصورة؛ لأن وجود الخيال فيها لابد أن يأخذ مجراه، ويعمق أجزاءها. ثانيهما: تخييلي, وهو ما يستمد الشاعر فيه البواعث على الابتكار من نفسه وخواطره وعواطفه؛ لأن الأصل في الشعر سعة النظر، وعمق المعاني، فقد يتناول الشاعر منظرا محدودا في نظر الرائي، ولكنه يراه بالمعنى الأوسع والأعمق مما يراه الآخر.

وتقديرا له ولمكانته الأدبية وما بذل من جهود قيمة في أدبنا المعاصر اختير عضوا بمجمع اللغة العربية.

Item2522352

د. إيهاب عبد السلام:

من الصعب أن تجد مسلمًا على ظهر الأرض لا يعرف الصحابي الجليل أبا هريرة –رضي الله عنه- فكثير من أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من روايته، رغم إن أبا هريرة لم يصحب النبي إلا أربع سنوات فقط، فقد قدم المدينة مهاجرًا من اليمن في أثناء غزوة خيبر، ولكنه لازم النبي–صلى الله عليه وسلم- حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، فكان أكثر الصحابة حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

كان اسم أبي هريرة في الجاهلية (عبد شمس) فسماه الرسول –صلى الله عليه وسلم- (عبد الرحمن) وقد اشتهر بكنيته حتى إن اسمه كاد يُنسى، وقد ذكر أبو هريرة سبب هذه الكنية بأنه وجد هِرَّةً فحملها في كمه فقال له أبوه: أنت أبو هريرة، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا هِرّ) كما ثبت أنه قال له: (يا أبا هريرة) وكان يقول: لا تكنوني أبا هريرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كناني أبا هِرّ. والذَّكَرُ خيرٌ من الأنثى.

إسلامه وهجرته رضي الله عنه:

قدم إلى مكة الشاعر (الطفيل بن عمرو الدوسي)، وكان ذا فضل ومنزلة في قومه، فخافت قريش أن يقتنع بالإسلام فيدعو قومه إليه، فسارعوا باستقباله وتحذيره من الاستجابة لما يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: (إنك قدمت بلادنَا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرّق جماعتنا وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه) ولكن الطفيل استمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل الإيمان قلبه، وعاد إلى قومه فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، فدعا قومه إلى الإسلام فأجابه أبو هريرة وحدَه، فعاد إلى النبي وطلب منه أن يدعو على قومه، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لهم بدلا من أن يدعو عليهم، فقال: (اللهم اهدِ دُوسًا وائتِ بِهَا) فعاد إلى قومه قبل أن يهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وظل بينهم يدعوهم حتى هاجر إلى المدينة بسبعين بيتًا من دوس دخلوا في الإسلام.

وهكذا قدم أبو هريرة إلى المدينة من اليمن مسلمًا مع الطفيل بن عمرو الدوسي. يقول أبو هريرة: (خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، وقدمت المدينة مهاجرًا فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة –كان استخلفه- فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم؛ وفي الآخرة ويل للمطففين، فقلت في نفسي: ويل لأبي فلان لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان؛ مكيال يكيل به لنفسه ومكيال يبخس به الناس) (1)

وقد لازم أبو هريرة النبي  -صلى الله عليه وسلم- حتى آخر حياته، وقصر نفسه على خدمته، وتلقِي العلم منه، فكان يلازمه في كل مكان ويدخل بيته، ويغزو معه، يده في يده، في حله وترحاله في ليله ونهاره.

إسلام أمه:

قال أبو هريرة: (جئت إلى رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقلت يا رسول الله، إني كنت أدعو أمّ أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى عليّ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يعدي قلب أم أبي هريرة إلى الإسلام. ففعل، فجئت البيت فإذا الباب مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعتْ حِسِّي فقالت: كما أنت، فلبست درعها، وعجلت عن خمارها، ثم قالت: ادخل يا أبا هريرة. فدخلت فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، كما بكيت من الحزن، فقلت: أبشر يا رسول الله، فقد أجاب الله دعوتك، قد هدى الله أم أبي هريرة إلى الإسلام، ثم قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات، وإلى كل مؤمن ومؤمنة، فقال: اللهم حبب عُبَيدك هذا وأمّه إلى كل مؤمن ومؤمنة. فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلا أحبني)(2).

اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم:

كان أبو هريرة رضي الله عنه حريصًا على الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في معظم أعماله وأقواله وعبادته وتصرفاته وذِكره، وكان يفخر بذلك ويذكره لمن حوله، فقد روي الإمام أحمد -رضي الله عنه- أن أبا هريرة كان يُكَبِّر كلما خفض ورفع ويقول: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

ومن ذلك الحرص على الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه الإمام الترمذي، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة، فقرأ سورة الجمعة، وفي السجدة الثانية (إذا جاءك المنافقون). قال عُبَيد الله: فأدركت أبا هريرة، فقلت له: تقرأ بسورتين كان علي يقرأ بهما بالكوفة! قال أبو هريرة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بهما(4).

ولم يكن أبو هريرة -رضي الله عنه- يخشى أحدًا في الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بالاقتداء به، فقد روي الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة حدّث قومًا حوله ذات يوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره، فلا يمنعه) فلما أخبرهم أبو هريرة بذلك طأطأوا رؤوسهم، وكأنهم خجلوا من عدم قدرتهم على الاقتداء بهذا القول، فقال لهم أبو هريرة: (ما لي أراكم معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم) (5).

وقد ذهب عامة العلماء إلى أن ذلك الأمر ليس بالإيجاب الذي يُلزم به الجار، وإنما هو من الأدب الإسلامي والمعروف الذي يجب أن نتواصى به، وأن يتناصح به المسلمون، إلا الإمام أحمد بن حنبل فقد رأى فيه الوجوب، وعلى الحكام أن يُلزموا به الجار ويحكموا به عليه.

والأحاديث والمواقف والآثار التي يتجلَّى فيها حرص أبي هريرة -رضي الله عنه- على الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جدًّا، وهي مثبتة في كتب الأحاديث والأعلام.

جانب من ورعه وتقواه:

كان أبو هريرة رضي الله عنه تقيًّا ورعًا، يقابل الإساءة بالإحسان، ومن ذلك أن زنجية كانت له أساءت في عملها، فرفع عليها السوط، ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لغشيتك به، ولكن سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه، اذهبي فأنت حرة لله عز وجل(6).

وكان أبو هريرة يحب اتخاذ المساجد، والإكثار من الصلاة، فكان له مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب داره، وكان إذا خرج صلى فيها جميعا وإذا دخل صلى فيها جميعا (7)

وقد أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يوليه، فرفض أبو هريرة، فقال له عمر: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرًا منك؛ يوسف عليه السلام؟!

فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى من عملكم ثلاثًا  واثنتين. قال: فهلا قلت خمسًا؟! قال: لا؛ أخاف أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، ويُنزع مالي، ويُشتم عرضي(8).

وقد صبر أبو هريرة على الفقر طويلا، فكان يقنع بأقل شيء يسد جوعه، ولا يهتم من الحياة إلا بإقامة الدين وإحياء سنة النبي عليه السلام، وعندما أفاء الله عليه من رزقه وبارك له في ماله، كان كثير الشكر يذكر دائما أيام فقره وحاجته، ولم يزده المال إلا زهدا واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد مرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه أن يأكل معهم، فرفض، وقال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير)(9).

مرويات أبي هريرة رضي الله عنه:

تتناول أحاديث أبي هريرة أغلب أبواب الفقه: في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والتفسير، والجهاد، والسير، والمناقب، والنكاح، والطلاق، والأدب، والرقاق، والذكر، والتسبيح، وغير ذلك.

روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (3848) ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وأربعين حديثًا بالمكرر، وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه (2218) ألفين ومائتين وثمانية عشر حديثًا، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث، وروى له الإمام بقي بن مخلد في مسنده (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا(10).

  وفاته رضي الله عنه:

اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته بين ثلاث سنوات؛ سنة سبع وخمسين، أو ثمان وخمسين أو تسع وخمسين من الهجرة، والغالب أنه توفي سنة تسع وخمسين من الهجرة وعمره ثمان وسبعون سنة.

رضي الله عن أبي هريرة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وجعلنا على طريقه في حسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.          

                   

هوامش :  

1 - البداية والنهاية ج8/104.

 2- طبقات ابن سعد: 2/55 والبداية والنهاية: 8/104 وسير أعلام النبلاء: 2/428.

 3- مسند الإمام أحمد حديث رقم 7250، وإسناده صحيح.

 4- سنن الترمذي تحقيق أحمد محمد شاكر الجزء الثاني صفحة 396-397.

5- مسند الإمام أحمد حديث رقم 7276.

 6- حلية الأولياء والبداية والنهاية.

 7- راجع في ذلك البداية والنهاية.

 8- طبقات ابن سعد.

  9- سير أعلام النبلاء ج2/440 والإصابة 7/206.

 10- راجع في ذلك: (أبو هريرة راوية الإسلام) للأستاذ محمد عجاج الخطيب ص 171 وما بعدها.

              

 hqdefa ult

نشأ في أسرة متدينة وعاش زاهداً حتى رحل في هدوء وصمت

شارك أساطيل التلاوة في إنشاء أول رابطة لقراء القرآن الكريم

طاف معظم بلدان العالم الإسلامي وسجل مصحفه المرتل بدولة الكويت

القاهرة - محمد عبدالعزيز يونس:

من الجنوب، ومن ذات المحافظة التي أنجبت المقرئ عبدالباسط عبدالصمد، محافظة قنا بصعيد مصر، ولد مقرئنا قبل الشيخ عبدالباسط بسبعة أعوام وتوفي قبله بستة أعوام.. مقرئ عابد زاهد.. منَّ الله عليه بصوت متميز.. تحس في صوته برنة حزن شكلت مع قوة نبراته حالة من الخشوع التام خلال تلاوته، لاسيما مع ما حباه الله من "قرار" عميق و"جواب" سليم.. هذا هو الشيخ محمود عبدالحكم، الذي لم تنجح الأضواء في أن تحرمه زهده وعزوفه عن الشهرة.. تعالوا نتعرف إلى مسيرته مع التنزيل الحكيم.

791225221

د. محمد حسان الطيان:

جزعت وللحر أن يجــزعـــا

وودعــت صـــــبـري إذ ودعـا

وجادت عيوني على بخلها

وحـــق لها الــيــوم أن تــدمـــعـــا

وما دار في خلدي أنني

أرى العلم يرضى الثرى مضجعا

فقل للخطابة ذوبي أسى

ولا تــطــلــبــي بــــعـــده مصقعـــا

فقدت أعواد المنابر - في بلاد الشام خصوصا وفي العالم الإسلامي عموما - خطيبا من ألمع خطبائها، وفارسا للكلمة من أبرع فرسانها، وداعيا إلى الحنيفية السمحة من أخلص دعاتها، وعالما بفقه الموازنات والأولويات والمصالح الشرعية من أجل علمائها.

ذلكم هو العلامة الشيخ هشام عبدالرزاق الحمصي، خطيب الأدباء وأديب الخطباء.

عرفته منذ نحو أربعين عاما (1973م) يعتلي منبر مسجد الفردوس القريب من سكني في حي السادات، فما سمعت خطيبا أفصح ولا أحكم ولا أجزل ولا أوفى منه (عدا شيخنا الشيخ كريم راجح - حفظه الله - فذاك نمط آخر). ثم تبعته مع الآلاف الذين تبعوه وتابعوه في تنقلاته بين مساجد بدر.. فسعد.. فالثناء، فما ازداد هو إلا ضياء كالبدر، وما ازددنا نحن إلا سعدا به وثناء عليه، ونسأل المولى أن يجمعنا به في الفردوس كما عرفناه أولا في جامع الفردوس.

كان أمة في الفصاحة والبيان، يتغنى بالعربية، ويرى تعلمها من الدين، ويحث الناس في خطبه على إتقانها وإحسانها، كيف لا وبها يفهم كلام الله، وبمعرفتها تدرك أسرار الإعجاز، وبملكتها يصح الاستنباط والتفسير والتأويل.

وكان مدرسة للتيسير والتبشير، وهو يصدر فيها عن دراية بمذاهب الفقهاء، واستيعاب لاختلاف الأئمة، وإدراك لمقاصد الشريعة الغراء والحنيفية السمحة.

وكان معلما من معالم الوسطية في الدين، يأبى الغلو والتكلف، ولا يرضى بالشطط والشطح والدجل.

وكان صادقا مخلصا - أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا - لا يجامل ولا يداهن، ولا يصانع ولا ينافق، ولا يتملق ولا يغالي في المديح.

وكان محبا للقرآن، تاليا له، مجودا لألفاظه، مترنما بتلاوته، متغنيا بقراءته، أوتي مزمارا من مزامير داود، فسعد به كل من سمعه. وكان متفننا في تعليمه، عالما بأسرار بلاغته وفصاحته، متوقفا عند الكثير منها بأجمل تعليل وأطرف تأويل.

وكان راوية للشعر العربي، ذواقا لروائعه، متخيرا لبدائعه، ينثره في خطبه ومجالسه ودروسه ومحاضراته، فيكون له أبلغ الأثر في نفوس سامعيه.

وقد أوتي في التعليم مواهب قلما اجتمعت لواحد، من جودة خط، ونداوة صوت، وحضور فقه، وحسن تأت، وبلاغة كلمة، وطرافة تعليل، وظرافة خاطرة، وكمال أسر لكل من حضر أو سمع.

ولهذا كله بكيته لما جاءني نعيه، وبكى معي أهلي، وبكى معي صحبي، وبكت معي كتبي... وحق لها أن تبكي.

تبكي الحنيفية البيضاء من أسف

كما بكى لفراق الإلف هيمان

حتى المحاريب تبكي وهي جامدة

حتى المنابر تبكي وهي عيدان

رحمه الله، وأكرم نزله، ورفع في عليين مقامه، وجزاه عنا وعن الأمة خير ما جزى خطيبا عن قومه، وداعيا مصلحا عن أمته، ومعلما ناصحا مرشدا عن صحبه وتلامذته.

ترجمة الفقيد

- ولد في دمشق عام 1939م.

- حمل الشهادات الشرعية والعامة في الإعدادي والثانوي، وإجازة في الشريعة، ودبلوما في التربية من جامعة دمشق.

- حاضر في مادة التفسير والتجويد في جامعة دمشق – كلية الشريعة

- درس في دار المعلمين الأولى بضع سنوات قبل تقاعده، كما درس النحو في جامعة أم درمان الخاصة وكلية الشريعة والقانون بدمشق عدة سنوات، وفي المعاهد الشرعية.

- ألف ثلاثة كتب وهو طالب في الجامعة (أذيعت عبر إذاعة دمشق في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات).

- بعد بلوغه الخمسين من عمره ألف ثلاثة عشر كتابا جديدا.

- خطب على منابر دمشق في عدة مساجد مرموقة مدة 53 سنة مرتجلا.

- ينظم الشيخ الشعر ويحفظ الكثير منه.

- دعي إلى الولايات المتحدة وكندا والكويت لإلقاء خطب ومحاضرات.

4 23 2015 9 49 40 AM

د. مصطفى رجب :

تحدث الكتاب العزيز عن الصحابة رضوان الله عليهم في مواضع كثيرة، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ  ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة:54). وقد روى الحاكم في المستدرك أن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  عندما نزلت عليه هذه الآية، أشار إلى أبي موسى الأشعري وقال: «هم قوم هذا». كما تحدث القرآن عن بعض القبائل التي أظهرت تمسكها بالدين، وحبها لرسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  مثل جهينة ومزينة - فيما روى الإمامان الجلالان – اللتين نزل فيهما قوله الله تعالى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (التوبة: 99).

إلا أن هناك آيتين امتازتا بأنهما تناولتا بصورة مباشرة أوصاف صحابة رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  وجزاءهم ومكانتهم عند الله سبحانه وتعالى، وعلى هاتين الآيتين وما آزرهما من أحاديث شريفة بنى العلماء أحكامهم الخاصة بالتعامل مع الصحابة، وما ينبغي لهم من التأدب عند ذكرهم.

أما أولاهما فهي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة:100).

والثانية قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ  وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ  تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا  سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ  ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ  وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (الفتح: 29).

هاتان الآيتان هما الأصل فيما يجب على المسلم من التأدب مع جميع الصحابة، فإن الله سبحانه وتعالى اختارهم لصحبة نبيه، ونقل رسالته لمن بعدهم من الأجيال المسلمة. وإلحاق العيب أو النقص بهم، فيه غمز في الشريعة عموما، لأنهم كانوا أوعية نقلها.

من هو فضالة بن عبيد؟

هو أبو محمد فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس بن صهيب بن أصرم ابن جحجبى الأنصاري الأوسي. شهد بيعة الرضوان، وشهد أحدا - على ما قال الواقدي - والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" ، ثم خرج بعد وفاة النبي  " صلى الله عليه وسلم"  إلى الشام فسكنها، وتوفي بها سنة ثلاث وخمسين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وخمسين في عهد معاوية.

وقد شهد فضالة فتح مصر، وشارك فيه مع الفاتحين، وأقام فيها مدة، فقد نقلت إلينا كتب السيرة والسنة أنه تولى القضاء والبحر في مصر لمعاوية بعض الوقت، وروى عنه من أهلها: أبو خراش الصحابي، والهيثم بن شفي، وعبد الرحمن بن جحوم وغيرهم.

ولما استقر المقام لفضالة في بلاد الشام ذاع صيته بها، فقد رووا أن الصحابي الجليل أبا الدرداء كان قاضيا على دمشق أيام معاوية، فلما احتضر عاده معاوية، فسأله عمن يرشحه لتولي القضاء بعده، فقال: فضالة بن عبيد، فلما توفي أبو الدرداء، قال معاوية لفضالة: إني قد وليتك القضاء، فحاول فضالة أن يعتذر، فقال له معاوية: «والله ما حابيتك بها (أي: والله ما وليتك هذا المنصب محاباة لك)، ولكني استترت بك من النار».

فضالة المربي:

كان الصحابي الجليل فضالة بن عبيد واحدا من أولئك الصحابة الذين اعتنوا كل العناية بالفقه والتعلم، فكان يداوم على حضور مجالس النبوة، ويشارك في الغزوات، ويناقش غيره من الصحابة فيما سمعوا - في غيبته - من النبي الكريم  " صلى الله عليه وسلم" .

وكان يجمع إلى التفقه والعلم، قوة الشخصية والحزم والشجاعة والورع والتقوى، ولكن تلك الصفات اجتمعت في كثيرين غيره من الصحابة، فما تميز به من بينهم؟

في رأينا أنه تميز بصفة المعلم المربي الذي يحرص على إبلاغ العلم لغيره، والحث على العمل به. وأدلتنا على ذلك كثيرة منها:

1- أننا تتبعنا مروياته في كتب السنة فوجدنا مروياته يغلب عليها الطابع العملي. فهو من الذين نقلوا عن النبي الكريم  " صلى الله عليه وسلم"  السنة العملية، أي أفعال النبي  " صلى الله عليه وسلم"  التي شاهدها فضالة.

2- أن كثيرا من الأحاديث التي رواها أو رويت عنه كانت ذات صبغة تعليمية. فكثير منها يبدأ بقول أحد تلاميذه: سألنا فضالة عن كذا وكذا، فقال: كذا وكذا.

3- أن سلوكه - في بعض أحاديثه - كان سلوكا عمليا، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن ثمامة بن شفي حدثه قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره، فسوّي، ثم قال: سمعت رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يأمر بتسويتها. والنسائي في سننه أن ثمامة بن شفي حدثه قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال: سمعت رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يأمر بتسويتها.

ومن مواقف فضالة التربوية ما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: غزونا مع فضالة بن عبيد - ولم يغز فضالة في البر غيرها - فبينا نحن نسرع في السير، وهو أمير الجيش، وكانت الولاة إذ ذاك يسمعون ممن استرعاهم الله عليه، فقال قائل: أيها الأمير، إن الناس قد تقطعوا، قف حتى يلحقوا بك. فوقف في مرج عليه قلعة، فإذا نحن برجل ذي شوارب، فأتينا به فضالة، فقلنا: إنه هبط من الحصن بلا عهد، فسأله فقال: إني البارحة أكلت الخنزير، وشربت الخمر، فأتاني في النوم رجلان فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان، فقالتا: أسلم، فأنا مسلم، فما كانت كلمته أسرع من أن رمينا بالزبار فأصابه، فدق عنقه، فقال فضالة: الله أكبر، عمل قليلا، وأجر كثيرا. فصلينا عليه، ثم دفناه (الزِّبار - بتشديد الزاي المكسورة -: نوع من الحجارة الصغيرة).

ففي هذه الرواية درسان تربويان كبيران، أولهما: ما أشار إليه راوي القصة من حسن قيادة فضالة وتبسطه في الحديث مع رجاله، واهتمامه بالاستماع إلى آرائهم والعمل بها إذا وافقت الصواب.

والدرس الثاني: هو سرعة بديهته وحسن تصرفه فور مصرع الرجل، فقد علق على إسلام الرجل الذي جاء سريعا وموته الذي أعقب إسلامه بلسانه.

ومن مواقفه التربوية التي تكشف عن صفة بارزة ينبغي للمعلم والقاضي والحاكم أن يتحلى بها وهي: سعة الأفق، وحسن التصرف، ما روي عن ابن هشام الغساني قال: حدثني أبي عن جدي قال: وقعت من رجل مائة دينار، فنادى: من وجدها، فله عشرون دينارا، فأقبل الذي وجدها. فقال: هذا مالك، فأعطني الذي جعلت لي. فقال: كان مالي عشرين ومائة دينار، فاختصما إلى فضالة، فقال لصاحب المال: أليس كان مالك مائة وعشرين كما تذكر؟ قال: بلى، وقال للآخر: أنت وجدت مائة؟ قال: نعم، قال: فاحبسها ولا تعطه، فليس هو بماله، حتى يجيء صاحبه.

نماذج من أفكاره التربوية:

ولم يتوقف العطاء التربوي عن سيدنا فضالة  "رضي الله عنه"  عند حدود السلوك العملي، فما نقل إلينا من أقواله يؤكد ما ذهبنا إليه من انطباع شخصيته بطابع المعلم المربي، فقد رووا عنه أنه قال: لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة، أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأنه تعالى يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:27).

وعندما سأله أحد تلاميذه أن يوصيه، قال له: خصال ينفعك الله بهن؛ إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرف، فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم، فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك، فافعل. وهذه الكلمات - على وجازتها - من جوانب التربية السلوكية، فهو يأمره بأن يطلب العلم، ويجالس العلماء، ويسمع منهم، دون أن يسعى إلى الشهرة وحب الظهور، ولا يتوهمن متوهم أن هذه الوصية تدعو إلى كتمان العلم وعدم نشره، كما يظهر من قوله: (وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم ) فحاشا لصحابي جليل مثل فضالة أن يذهب هذا المذهب، وهو يعلم أن الجزاء الشديد الذي توعد الله تعالى به الذين يكتمون ما آتاهم الله من البينات والهدى. فهو لا يدعو تلميذه إلى العزلة أو كتمان العلم. فسلوكه العملي  "رضي الله عنه"  عندما استعفى معاوية من القضاء فلم يجد أذنا صاغية، فقبله على غير رضا، يدل على أن العالم إذا أسند إليه منصب أوجب عليه تبليغ أحكام الله وما عنده من العلم أذعن واستجاب، سعيا لأن يكون من الأئمة الذين يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولكنه  "رضي الله عنه"  قصد بهذه الوصية أن يبث في نفس تلميذه الذي سأله الوصية، روح التواضع، وتجنب حب الظهور، والحرص على التقوى، واجتناب التسرع في بث العلم قبل العمل به.

ومن آراء فضالة التربوية المأثورة أيضا قوله: «ثلاث من الفواقر، إمام إن أحسنت، لم يشكر، وإن أسأت، لم يغفر، وجار إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أفشاها، وزوجة إن حضرت آذتك، وإن غبت خانتك، في نفسها وفي مالك». فهذه ثلاث آفات إذا أصابت مجتمعا تفككت أوصاله، وساء حاله، وفاضت به أوحاله، فالزوجة سكن لزوجها يطمئن إليها، والجار سند لجاره يحفظ غيبته، ويرعى حرمته، ويقيل عثرته فإذا ساءت أحوال الزوجة والجار، فلنا أن نتصور كم تكون الحياة إذ ذاك قاسية على صاحبها. وتزداد قسوتها إذا كان إمامه (بمعنى رئيسه الأعلى) لا يرعى حقوق مرؤوسيه، فلا يعرف أقدارهم، ولا يقبل أعذارهم.

التربية العملية في السنة من خلال مرويات فضالة:

كما قلنا في صدر هذا الحديث، كان سيدنا فضالة  "رضي الله عنه"  ممن يهتمون برواية السنة العملية مما شهده حال صحابته للنبي الكريم  " صلى الله عليه وسلم" ، وقد حفلت كتب السنة بنماذج سلوكية للتربية العملية في السنة رواها فضالة بن عبيد  "رضي الله عنه"  فمن ذلك:

1- ما أخرجه مسلم في صحيحه بسنده: أخبرني أبو هانئ الخولاني أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول: أتي رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : الذهب بالذهب وزنا بوزن.

2- ما أخرجه مسلم بسنده في صحيحه عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيـد قال: كنـــا مع رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله:  " صلى الله عليه وسلم"  لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا وزنا بوزن.

3- ما أخرجه الترمذي في سننه بسنده عن أبي هانئ الخولاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي أخبره عن فضالة بن عبيد أن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  كان إذا صلى بالناس، يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة، حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله، لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة. قال فضالة وأنا يومئذ مع رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" .

4- ما أخرجه الترمذي في سننه بسنده عن أبي هانئ الخولاني عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد قال بينا رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  قاعد إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي، ثم ادعه، قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله وصلى على النبي  " صلى الله عليه وسلم"  فقال النبي  " صلى الله عليه وسلم" : أيها المصلي ادع تجب.

5- ما أخرجه النسائي في سننه عن مكحول عن ابن محيريز قال: سألت فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه؟ قال: سنة. قطع رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يد سارق، وعلق يده في عنقه.

 لقد كان لذلك الصحابي الجليل كثير من التلاميذ الذين رووا عنه، منهم: حنش الصنعاني، وعبد الله ابن محيريز، وعبد الرحمن بن جبير، وعمرو بن مالك الجنبي، وعبد العزيز بن أبي الصعبة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وعلي ابن رباح، وميسرة مولى فضالة.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال