السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

155 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

ladytw

لدينا المواد الخام لبناء رواية تاريخية لكن لم يفعلها كاتب عماني كما يجب

لا نختلف عن مجتمعنا العربي في العزوف عن القراءة باستثناء النخبويين

الحياة الثقافية والإنسانية تشكل نهرًا لا يمكن الاستحمام فيه مرتين

الرواية اليوم السبيل الأهم للكتابة عن حاضر الإنسان ومستقبله

علينا أن نتمسك بوحدة الضمير اللغوي والتاريخي والجغرافي العربي

الجوائز في عالمنا محكومة بالمُربِك والجدلي في كل شيء ولا تخلو من تآمر

القاهرة- أمنية عادل:

عبر رحلة أدبية تمتد لعشرين عامًا، تنقلت بين عوالم الشعر والرواية، وقدمت للمكتبة العربية حتى الآن ثمانية إصدارات متنوعة.. إنها الكاتبة العمانية فاطمة الشيدي الحاصلة على درجة الدكتوراه في فلسفة الآداب، والتي تؤكد أن الرواية الخليجية قادمة بقوة، لاسيما بعد أن استوفت كثيرًا من عناصر نجاحها وتميّزها، وموضحة أن القارئ هو المحرك الحقيقي لبوصلة الكاتب. مزيد من التفاصيل بين ثنايا الحوار.

حققتِ حضورًا قويًا في مشهد الإبداع العماني الذي يمتاز بالخصوصية الشديدة.. فكيف ترين حضور التراث في أدب السلطنة عامة؟

التراث يشكل جزءًا مهمًا من الأدب في سلطنة عمان، بل لعله الجزء الأهم، فخلال سنوات قليلة شكّلت المنظومة الفكرية الفقهية والعلمية والتاريخية مدونة الذاكرة العمانية وتاريخها، كما تشكل تفاصيل حياة الإنسان جزءًا من التراث الآني، فكل ماضٍ قريب يتحول مع الزمن إلى ماضٍ، وكل ماضٍ يتشكل عبره تراث ثقافي ومادي، وكل تراث فكري -كالحكايات والأمثال والأساطير والمدونات الفكرية بمختلف مشاربها- تمثل مادة خصبة للباحث ومدخلًا عظيمًا لكتابة أدب جاد واقعي أو حتى مزيجًا بين التخيلي والواقعي.

هذا إضافة للتراث المادي الذي يشكل خلفية ثقافية يمكن للأدب أن يجعلها فضاءً يتحرك عبرها نحو قراءات ماضوية أو حاضرة، أو حتى يشكل مهادًا لنص تاريخي ثقافي كالرواية التاريخية التي لدينا الكثير من المواد الخام لبنائها على نحو فريد وخاص، لكن للأسف لا تزال حلمًا لم يتحقق، ولم يتم البناء بأنامل كاتب عماني كما يجب.

مجتمعاتنا لا تقرأ!

وماذا عن الحاضنة الشعبية لهذا التراث؟ مثلًا: أين مكانة القراءة في السلطنة ومستوى مبيعات الكتب والنشر؟

بشكل عام، المجتمع العماني مجتمع عربي متشابه كثيرا في الخصائص والموروثات والطبائع مع أفراده وجماعاته، والشعب العربي الذي نعيش بين ظهرانيه الآن ليس مجتمعًا قارئًا في المطلق، وإن كانت هناك استثناءات لصالح حالة نخبوية، وكذلك المجتمع العماني، هناك قراءات متخصصة، وهناك قراءات بحثية عميقة، وهناك قراء ومثقفون وأدباء، ولكن لا نستطيع أن ننظر إليها كحالة عامة بأنها حالة قراءة جادة وعميقة وتستطيع المنافسة.

إذا تطرقنا إلى منابع إبداعك.. بماذا تجيبين؟

الإبداع حالة عميقة جدًا، وبالتالي فكل ما يتأثر به الوعي واللاوعي يدخل في صميم الرؤية الإبداعية شئنا أو أبينا، وبالتالي فكل ما مر كان عنصرًا هامًا من عناصر التأثير، من خبرات إنسانية وحياتية، قراءات، مشاهدات أفلام، موسيقى، عروض مسرحية، إضافة إلى التعمق المنهجي النقدي والفني عبر النهج الأكاديمي دراسة وتدريسًا، وعبر الندوات والمحاضرات التي يتاح للمرء أن يكون ضمنها محاضرًا أو مشاركًا.

إنها الحياة الثقافية والإنسانية التي تشكل نهرًا لا يمكن الاستحمام فيه مرتين، حيث الاحتكاك والمشاركة الإنسانية، والرؤية التأملية العميقة والجارحة للوجود وكائناته المتعددة والتي تقدم بدورها دروسًا حقيقية في الجمال والحرية والأمل، والوعي والنقد الرافض للتحكّمات الضمنية في حرية الكائن وانطلاقاته الواعية عبر الأكثر من الممكن والمتاح.

ولقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز الوعي بالوجود وجمالياته والإنسان وقضاياه، والفن ووسائطه كالموسيقى والسينما، وبالتالي المشاركة عبره في كل هذا الزخم الوفير والتماس الحقيقي والصادق من مفرداته وأدواته، والتعلم المستمر، والأخذ الدائم، والتعمق الجارح في كل مجريات الكونية الحقيقية والافتراضية.

إن إنسان هذا العصر محاصر بالمعرفة التي تشكل سلسلة واسعة من الممكنات والجماليات، وربما الأكاذيب، لكنه يتغير كل لحظة لصالح حالة أكثر تعددية ومفارقة.

سطوة الرواية

تتربع الرواية على عرش القرن الحالي. ما رأيك في هذا الأمر، لاسيما أنك تكتبين الشعر أكثر؟

هذا مما لا جدال عليه، وسواء كتبتُ الرواية أم لا، ليس على رأيي أن يكون مختلفًا حول الموضوع، فالرواية اليوم السبيل الأهم لكتابة الإنسان من أعمق نقطة فيه متصلة بحاضره ومستقبله معًا، والتعبير عن قضاياه، وتفاصيل وجوده بحالة حكائية لا تخلو من واقعية؛ إنها النقلة النوعية في الكتابة التي تتبنى تعدد صورة الإنسان والتركيز الأكبر على الهامش، لقد أصبح كل شيء يمكن أن يدخل في الرواية، بدءًا من الفكرة حتى المكان، وإذا كنا هنا نتحدث عن الكاتب والنص فإن القارئ في الحقيقية هو الذي يحرك بوصلة النص ويفرض ذوقه سلفًا على مؤسسة الكتاب ودور نشره والحكاية كانت ولا تزال شغف القارئ في كل مكان وزمان، منذ الحكاية الشفهية حتى الحكاية المكتوبة، ومع ذهابها في التعقيد بالرؤى والعمق النفسي والسيسيوثقافي أصبحت الحكاية مصدر المعرفة والمتعة معًا، والإنسان المدني والمعرفي لا يختلف كثيرًا في شغفه بالحكاية عن ذلك الشفهي الذي كان يميل لها كلما خيّم الظلام، فهي المتعة الواعية التي تحقق جمالياتها وتأثيرها عبر تكاتف اللذة في مدلولاتها، كما أنها انعكاس اجتماعي يجعل الكاتب يرى المجتمع في مرايا النص، بل وقد يرى نفسه، ولذا فلا عجب أن يتأثر كثيرًا بمجرياتها، فهي تمنحه صورة أخرى لشخصيته أكثر انطلاقًا وجرأة، تجعله يواجه المجتمع والإنسان بقوة وهو في أمان السرد، وتخلق في داخله بذور التمرد الإنساني بحيوية وعنفوان، ولذا فهو يتغير ويجرؤ على المواجهة والتصريح بالرفض من جهة، كما أنه يتعلم من مجريات السرد كيف يصبح أجمل وأنبل وأكثر تحديًا ووعيًا.

ولذا؛ لا عجب أن تتسابق دور النشر على طباعة المزيد من الروايات كل يوم، لأن السوق يحفِّز على ذلك، فهناك قرّاء من مختلف الأعمار والأفكار ودرجة الوعي يحبون الرواية ويقرؤون الحكايات ليرممون بها تشذي حيواتهم، ويرطبون بها جفاف أرواحهم في بيئة الجمود المادي؛ بعيدًا قليلًا عن الشعر الذي يحتاج الكثير من التحليق والفتنة، أو النقد والفكر الذي يحتاج الكثير من الوعي والإدراك والتفكير والوقت للفهم.

برأيك.. ما أكثر ما يميز الأدب العماني؟

التاريخ. ذلك الثقل الحضاري الذي يذهب مباشرة للنص عبر الشخصية والمجتمع، التاريخ الذي يحاول العماني التواصل معه عبر بعض حلقاته المفقودة غالبًا، متخذًا من روحه جسرًا لعبور ذلك الشطر من المحو عبر تجليات الحضور، والتي تتخلق لاحقًا عبر "نوستالجيا إنسانية" حادة تظهر عبر النص، لقد حدثت تلك القطيعة بين الإنسان وتاريخه عبر أزمنة عديدة، ثم جاءت النقلة المدنية النوعية لتأخذ الإنسان فجأة من عالمه القروي الرحيم الشبيه بالرحم في حناناته، عالم يعرف فيه كل شيء وكل أحد، إلى عالم جديد تمامًا لا يعرف فيه أحدًا، إنه عالم المدنيّة وغابات الإسمنت، عالم طارئ ومغاير لكل شيء خبِرَه وعرفه، كان هو سيده، يصنع من نخلته كل لوازم الحياة، ويزرع احتياجاته ويحصدها، ليجد الآن نفسه عبئًا على المدنية الجديدة؛ يستورد كل شيء من اللقمة حتى الثوب، ويصنع له الآخر سيارته وبيته، ولا دور له إلا مراقبة الحال.

الأمر الذي شكّل شجًا كبيرًا في ذاكرته، وسجنًا مُحاصِّرًا لوعيه وإنسانيته، فأصبح غريبًا في القرية والمدينة معًا، ولم يعد قادرًا على صناعة ذاكرة أخرى بتلك الحميمية؛ فالزمن المدني قصير ومحاصر لكل شيء، ولا يسمح برسوخ الروح في الزمان أو الإنسان ولا يسمح بتشكيل ذاكرة عميقة. فليس هناك إلا الفن، فعبر النص واللوحة والمقطوعة والمشهد السينمائي يفتح كوة لذاكرته للتجلي والحضور لا لاستحضار ذلك الحنين، وتشكيل ذاكرة نصية منه.

الخليجية قادمة

كيف تقيِّمين مسار الرواية الخليجية لاسيما بعد أن كسرت نطاقها المحلي؟

مع أنني ضد التقسيم الجغرافي المجزوء للأدب وفق إحالات خارج اللغة، فالرواية الخليجية عربية أولًا وأخيرًا، وليس علينا التشبث بهذه التقسيمات التعسفية أو الاستعمارية بشكل أفصح، كما ليس علينا أن نصدق ونعيش التجزئة الفكرية المرادة لنا لتمزيقنا إربًا وأشتاتًا وتفريغنا من قيمتنا الكبيرة؛ بل علينا أن نتمسك بوحدة الضمير اللغوي والتاريخي والجغرافي العربي، لنحاول النجاة قليلًا من هذه القطيعة الفكرية والتقسيمات الجسدية والتشرذم النفسي المصنوع بوحدتنا اللغوية في الأقل.

لكن، خارج كل هذا أقول إن الرواية الخليجية في المطلق رواية شابة جديدة وناهضة، ولذا فهي قادمة بقوة، لأنها استفادت كثيرًا من التمهيد الزمني والفني لصناعة الرواية، والشوط الكبير الذي قطعته الرواية العالمية والرواية العربية، إنها رواية لم تبدأ من الصفر؛ بل جاءت من حيث انتهى الآخر وتشكل الوعي السردي العام بالأنواع والأجناس والثيمات والتقنيات، ولذا فهي جادة، محمّلة بثقل معرفي واتزان وجدية في التشكل والحضور، وأثبتت في ذلك عمقًا وجاهزية حقيقية للذهاب نحو الأجمل، وأصبحت قادرة على المنافسة في القراءة وفي الجوائز، وعلى تحقيق حضورها الفعلي في الحالة الثقافة العربية والعالمية ربما، بمصداقية وثبات، وأظنها تخطو خطوات رصينة وثابتة نحو الأبعد والأجمل.

الجوائز نقطة خلافية لدى البعض، فهناك من يعتبرها جيدة وآخرون يهاجمونها.. ما رأيك؟

الجوائز حالة طبيعية موجودة في العالم بأجمعه، ولكن مدى مصداقية هذه الجوائز في عالمنا العربي محكومة بالمربك والجدلي في كل شيء، فالحالة العربية مرتبكة ومربكة في الحكم، فكلما أردت أن تطلق حكمًا تتحرز من الضمني والالتباسات الماورائية، فالعالم العربي يمر منذ فترة بتعرجات ثقافية وسياسية كبيرة وخطيرة وليست هي مسؤولة عنها فقط، ولا أريد أن أستحضر كثيرًا فكرة "المؤامرة"، لكن لابد منها أحيانًا؛ لذا سألجأ إلى وضع احتمالات جارحة للوعي العربي لعل منها الحقيقي ومنها التخيلات والتوهمات، ومن ذلك: عدم رغبة الآخر في منح العربي هذه الصورة المشرقة للحضور الثقافي البارز، تآمراتنا المريضة على ثقافتنا وعلى مبدعينا، قلة الوعي والعدل الإنساني في الحكم واحتكام الوعي العربي للعنصرية الطائفية، وتقزيم -بل والتمثيل- لكل من يكون من الفئة المقابلة، الأنانية العربية، فإذا لم أكن أنا أو طائفتي أو بلدي لا أحد يستحق، وربما انشغال المبدع بالسياسة جعله دون المستوى الفكري لإنتاج عمل لائق. هذه بعض التخرصات حول الجوائز في الحالة العربية لعل بعضها صادق أو كلها في ذات الآن.

ماذا عن موقفك من النقد وانعدامه في المشهد الثقافي؟

النقد مصطلح علمي، وهو حالة طبيعية في الأوساط الثقافية الحقيقية. إنه الغربال الذي ينقّي الغثّ من السمين ويرفع الحقيقي إلى مدارات النقد والرؤية، والناقد الحقيقي مبدع كبير، لا يقف عند حدود النص، بل قد يكتشف فيه مخبوءات وكنوز لم يرها المبدع ذاته، الناقد الكبير هو قارئ كبير ومتذوق عظيم.

أما ظاهرة انعدام أو موت الناقد فللأسف موجودة في عالمنا العربي الذي يذهب كل شيء فيه نحو الموت والضياع. الناقد العربي الكبير غالبًا ناقد فوقي يعيش في أبراجه الأكاديمية، ولا يظهر سوى في الندوات والمؤتمرات ولا ينشر سوى في المجلات العلمية المحكمة لأغراض أكاديمية، وهو غير متابع ولا قارئ لتطور الراهن الثقافي وانعكاسات الراهن السياسي والاجتماعي في النص، ولذا حل محله الصحفيون وكتاب الأعمدة والقراءات الجاهزة والسطحية، وبالتالي تعالى الإبداع على النقد، وبالطبع قد سبقته أشواط واسعة في الحضور فلم يستطع متابعته.

النقد عليل ويحتاج حركة ثقافية واسعة، وعلينا ألّا نسمح بموت الناقد الحقيقي؛ لأنه الأمان الحقيقي لحركة ثقافية مزلزلة ومغيرة تذهب بنا نحو المستقبل الثقافي المنشود، وكي لا يطغى أشباه النقاد وأشباه الكتاب ولا تنزل الثقافة العربية أبعد مما هي عليه الآن.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال