nn89 

المواهب الحقيقية موجودة في كل مكان لكنها غير مستغلة أو فعالة

على الإنسان أن يضع نفسه في البيئة المناسبة له لا المفروضة عليه

القاهرة - اميرة توفيق:

يبلغ من العمر 34 عامًا، ويمتلك شركة إنتاج، يُمكنك أن تُطلق عليه صائد المواهب، فهو يبحث عنها في كل مكان، ويعمل على إيصالها للناس وتعريفهم بها، يصر على أخذ الأمور ببساطة، كما يصر على أن الحدود الإلهية تساعده على الإبداع وتقديم أفكار مميزة ومختلفة وبسيطة.. هو المخرج وائل عبدالله، خريج كلية الفنون التطبيقية بالقاهرة قسم ديكور وزخرفة عام 2003.

-بداية.. ماذا عن فكرة "ويلزبوكس"؟

بدأت في سبتمبر 2010، الفكرة كانت بداخلي منذ فترة كبيرة، فأنا لم أكن أسعى لتأسيس شركة؛ نظرًا للظروف المادية والبيروقراطية والروتينية في نظام العمل، فكل تلك المشاكل كانت واضحة أمامي منذ البداية في الشركات التي عملت بها من قبل، الشيء الآخر أنني أهوى الفن، فأنا أحمد الله أني أعمل في شيء أحبه، فأرى أنه لكي ننتج فنًا جيدًا ومختلفًا يجب أن تكون متفرغًا له تمامًا، وغير مشغول بالأعباء الروتينية، فكنت أحاول أن أصل لأصبح مستشار فني للشركات، بمعنى أن أتولى الأمور الفنية في أي شركة لفترة مُعينة أتولى فيها مسئولية كل ما يخص الفن من طباعة علامات إرشادية وإعلانات وما إلى ذلك، وأبدأ بالتغيير فيه، ثم أذهب إلى شركة أخرى وهكذا، فلم يكن حلمي تأسيس شركة، فقط معرفة اسمي كمستشار فني للشركات.

وحاولت كثيرًا أن أقوم بإعداد عمليات تطوير في آليات العمل بالشركات التي عملت بها، وأنا فعليًا في مجال الإنتاج والدعاية منذ سنة 1998، وكنت أرى العديد من المشاكل منها التكاليف الباهظة لإعلانات الدعاية، بجانب أن النتيجة لا تستحق كل تلك التكاليف، وحينما تسأل عن السبب تكون الإجابة أن هذا الأمر يقوم بعمل إبهار للعميل أو المستفيد، وهذه هي السياسة في السوق، أن العمل يوزن بالتكاليف وليس بالإبداع العقلي، وهذه مشكلة كبيرة، فشعرت أن مجال الإعلام هنا سيقتصر على فئة معينة من العملاء، وهي الفئة التي لديها كيانات ضخمة وتحقق أرباحًا ضخمة، بينما هناك فئة أخرى من الصعب جدًا أن تقوم بعمل إعلان متميز، كشركة أنشأها شباب في بداية حياتهم، ويريدون عمل دعاية تعبر عن هويتهم، وكذلك أصحاب المحلات المتوسطة أو أصحاب المشاريع وورش العمل الصغيرة، وإذا نظرنا جيدًا، سنجد أن كل المشروعات الجديدة والمبتكرة أصحابها من الشباب، فكل تلك الفئات تواجه مشكلة كبيرة في التسويق لأعمالها؛ بسبب التكلفة العالية للدعاية، والتي يرون أنها قد تستثمر بشكل آخر أفيد لهم في العمل.

ومن هنا خطرت لي فكرة عمل إعلان، تكون نسبة الإبداع والفكرة به 80% والدعاية بنسبة 20%، فمثلًا إن أردت عمل "إعلان توعوي" عن تربية الأطفال، فمن الممكن عرض كوب فارغ ثم نقوم بملئه بالماء ثم نكتب في النهاية عبارة تدل على أن طفلك يتشكل كالوعاء بما تضعه أنت به، فهنا تصبح الفكرة هي الأساس، ولفت انتباه المشاهد بطريقة عقلية وإبداعية غير مكررة، بعيدًا عن القوالب المعتادة، فهنا تعمل على تحفيز عقل المشاهد، وفي نفس الوقت تضع الدعاية للمنتج الذي نريده، بمعنى آخر استخدام أفكار بسيط جدًا مبدعة وغير مكلفة.

إذن.. متى بدأ ظهور الشركة فعليًا؟

حينما كنت أعمل بإحدى الشركات العالمية في إحدى دول الخليج، وتبنيت فكر التغيير في تقديم الإعلانات، وكنت أملك وقتها سلطة للتغيير، واقترحت إنشاء استوديوهات داخلية وتجهيزها، وكان الأمر لا يتعدى نسبة 5% من ميزانية الشركة، وهي نسبة ضئيلة جدًا، والأمر الآخر المهم، هو الاعتماد على الشباب الموهوب الذي ربما لا يعمل أو لديه موهبة ويعمل في وظيفة لا تنمي موهبته ولا يحبها، فمن جهة نساعد الشباب في الحصول على تدريب وصقل مواهبهم، ومن جهة أخرى استخدامها في عمل حقيقي، فكان هدفي وقتها هو إخراج مواهب جديدة، وعدم الاعتماد على المتواجد.

والفكرة هنا أن المواهب الحقيقية موجودة حولنا في كل مكان، لكنها غير مستغلة أو ظاهرة أو فعالة، فهي تشبه الطاقة الكامنة، فنجد من لديه القدرة على صياغة الإعلانات وتأليف كلمات أغاني هادفة، ولديه الصوت الرائع، وقد أركب المواصلات فأستمع لشخص صوته رائع في القرآن، وقد تستمع إلى كلمة طيبة من عالم دين في مسجد صغير وتغيير فيك ولا أحد يعلم عنه شيء، وقد تجد من يرسم صورة رائعة جدًا ومميزة لكنها لا تظهر لأحد، فأريد أن أصرخ "يا ليت قومي يعلمون".

فأثناء حركتي في الطريق طوال الوقت أحب أن أشاهد منْ وما حولي، وأرصد المجتمع، وكفنان كانت عيناي ترصد كل ما هو فني، بمعنى أني كنت أبحث عن المميز والجميل فيما أرى، فلم أكن أرصد السلبيات بشكل كبير، فدائمًا أرى أن لدينا عقول مميزة ومبدعة لكنها مهملة، كما أن لدينا العديد من الأشياء التي قد يعتبرها البعض لا شيء، بينما تمثل شيئًا كبيرًا وذو قيمة.

وما سبب المشكلة؟

سبب المشكلة في أن العقول المسئولة عن الإدارة وإصدار القرارات أصبحت مسنة وكبيرة، والكبر بالطبع يمثل خبرة كبيرة جدًا يجب الاستفادة منها، لكن، بجانب هذا لابد من وجود قرارات للشباب وتفعيل دورهم وتمكينهم؛ لأن العقول الكبيرة تصبح متمسكة برأيها بشكل كبير، فتفقد المرونة، وتصبح أقل ميلًا للمخاطرة ولتقبل الأفكار الجديدة أو تجربتها.

وماذا حدث بالنسبة لفكرتك؟

مع فترة التجديد في الشركة التي كنت أعمل بها، قابلت كلًا من محمد صلاح نافع (صاحب فيديو تلاوة سورة التين والزيتون)، وكنت قد استمعت إلى صوته لأول مرة كتسجيل صوتي على هاتف أحد أصدقائي، وعلمت أنه صديق له فتعرفت عليه، وكذلك محمد النحاس، مؤلف وملحن ومغني، وصديق لأخي ويعمل كمحاسب، وأنا سعيد بعمله الأساسي، غير أنه لم يكن يستغل فيه موهبته بأي شكل كان؛ لذلك عرضت عليه أن نقدم شيء نستغل به موهبته فرحب بالفكرة، ومن بعدها بدأت بالتعرف على أناس قريبين من نفس البيئة الفكرية لي، والتي هي بطبعها ملتزمة دينيًا، فليس كل شيء مسموح ومتاح، لكن هناك قواعد وقوانين ربانية نلتزم بها، وقد سهل هذا عليّ كثيرًا، بحيث اتفقنا ألا نقدم أي شيء إلا وله رسالة، فكان هناك تواصل في الفكر والأهداف والرؤى، وأول أساس بالنسبة لي أن يكون من يعمل معي إنسان يعرف الله ويتقيه، ولديه الهدف والرغبة في الإصلاح.

هل قيدتك هذه الحدود في الإبداع بشكلٍ أو بآخر؟

بالطبع لا، فهنا تظهر ثقتك بالله، وحُسن إيمانك به، فلو علمت أن أمامك راتب مليون جنيه، لكنه يأتي عن طريق يغضب الله، فإن كان لدي يقين أن من يرزق بالمال هو الله الرزاق، فقد تكون هذه الأموال بمثابة اختبار لي، وإذا نجحت به فقد يعوضني الله بأفضل منه، أو بمبلغ أقل لكنه أبرك منه، ويرضى الله عنه.. وأنا أسير بمبدأ (من أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضى الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، فإحساس الرضا من الله هذا لا يعوض ولا يُقارن.

wael

هل تعرضت لعقبات؟

بالتأكيد تعرضت لفتن كثيرة، فمثلًا أن تدخل في شركة كبيرة جدًا لكنها تضع لك شروط معينة، مثل أن تقوم بتصميم إعلانات عن النبيذ، وقد يكون هذا إعلان واحد فقط أو اثنين ضمن مجموعة كبيرة من الإعلانات المطلوب منك تنفيذها، فهنا أبدأ بتقييم نفسي كشخص، هل أنت شخص له قيمة أم لا، بمعنى هل أنت وزنك في عين الشركة لو وضعت في ميزان بقدراتك وفنك وإبداعك وكل ما تملك لا يساوي سوى ذلك الإعلان أن تقوم به أو لا تقوم بالعمل كله؟! فهنا إن لم تحترمك الشركة وتقدرك، فهي لا تحترمك ولا يشرفك أنت أصلا أن تتواجد بها، فهم يشبهون هؤلاء الذين يقومون بتقييم الشخص من نوع السيارة التي يقودها أو ماركة الملابس التي يرتديها، فمثل هذا الشخص لا تأمنه على نفسك؛ لأنه لا ينظر لك كشخص بأفكارك ومبادئك ولكنه ينظر لمصلحته من خلالك فقط.

إذن ما القاعدة التي تقيس عليها الأمور هنا؟

فكرة الثقة بالنفس واحترامي لذاتي وأفكاري ومبادئي وقيمتي كإنسان وفرد مؤثر، وهذا يعود بي إلى معرفة مميزاتي وصقل مواهبي بالعمل عليها، وتنميتها من فترة مبكرة، والتدرب في أماكن كثيرة تخدم أهدافي وأحلامي، وكثرة السعي وعدم انتظار حدوث الأشياء، بمعنى آخر أن تقوم بالاستثمار الجيد في ذاتك، وأضع مبادئي، فأعرض ما يمكنني القيام به جيدًا من البداية، وأوضح ما لا أريد عمله، فإن كان ذلك يناسب فنعم، وإن لم يكن فسأبحث في مكان آخر.

فالإنسان أهم كيان في الكون، وبالتالي عليه أن يضع نفسه في البيئة المناسبة له لا المفروضة عليه، فلا تضع نفسك في قوالب كالآخرين، بل اصنع لنفسك قالبًا مميزًا.

هل يُمكننا القول إن "ويلزبوكس" بدأت فعليًا في الشركة التي كنت تعمل بها؟

ليس بالضبط، لأنها بدأت بعدها بفترة، إذ أنهم أخذوا وقتًا طويلًا للتفكير في أمر الاقتراح، وحينها كانت الفكرة واضحة أمامي وتحمست لها جدًا، وقتها قررت تأسيس الشركة بهدف الإنتاج الإعلاني والإعلامي، وكذلك إنتاج المصنوعات اليدوية، ومن هنا أتى اسمها "بيت التصميم، ويلزبوكس" وفكرة المصنوعات اليدوية أتت فكرتها من شيخي "جمال قطب"، الذي علمني أن نهضة الأمة تتمثل في الصناعة اليدوية، فأنا أريد أن أقوم بتبني مثل هذا الأمر ودعمه بشكل كبير وبسيط في البداية، كما أنني أقوم بما يشبه دور الوسيط، فلو أراد أحد مثلًا إنشاء عمارة أو برج فأساعده هنا بخبرتي الفنية، وآتي له بشباب من المهندسين المعماريين والمتخصصين والذين لديهم أفكار إبداعية، ونضع رؤية أننا نريد شيئًا مميزًا ومبتكرًا، نضع به بصمة مختلفة، ويمكننا القول إن هذه كانت البداية الحقيقة لويلزبوكس.

ما هو أول عمل قامت ويلزبوكس بإطلاقه؟

بدأنا قبل انطلاق الثورة في مصر بفترة قريبة جدًا، وكنت منحازًا للتغيير، لكن كنت أرى أنه يجب أن يكون متبوعًا بخطوات إصلاحية ورؤية محددة، فقررت العمل وقتها على الجانب الأخلاقي، والذي لديه بالطبع إسقاط على الواقع المجتمعي، بمعنى تقديم عمل عن المرتشي، فهذه قضية أخلاقية في الأساس، وهكذا.

الأمر الآخر هو تطوير الفكر الديني عند الناس، إذ أن لدينا أزمة في الخطاب الدعوي المقدم من خلال الإعلام المرئي تحديدًا، ولدينا القليل جدًا ممن يستطيعون تقديم الدعوة بشكل متميز، فكان أول فيديو نقدمه هو قراءة سورة التين والزيتون، ووقتها قال لي أحد أصدقائي: "ماذا يوجد أجمل من كلام الله لأدعو به إلى كتاب الله"، ومن بعدها أطلقنا فيلم يحكي عن الرسول اسمه "القرار"، وكان مترجمًا للإنجليزية، وحقق نسبة مشاهدة عالية جدًا، وكان لا يتعدى الدقيقتين.

لماذا لا نراك تستعين بمواهب معروفة ولديها شعبية؟

حدث هذا في الاستعانة مؤخرًا بالمنشد والداعية مصطفى عاطف في كليب "قمر"، لكن فكرتي أساسًا أن أقوم بالبحث عن المواهب وإبرازها وإيصالها للناس، وليس الاعتماد على ما هو موجود بالفعل.

ما الحلم الذي تتمنى الوصول إليه من خلال ويلزبوكس؟

إنشاء ويلزبوكس أكاديمي، بحيث تكون أكاديمية متخصصة في مجال الإنتاج الإعلاني والإعلامي، وتكون بنفس المعايير التي تحدثت عنها من قبل، وأننا لن نستخدم فيها ما يخرج عن القوانين الإلهية ونبدع فيها قدر الإمكان، وأنا الآن أقوم بعقد دورات تدريبية على فترات، كنواة إعداد لهذا الأمر، ودائمًا أبدأ أولى محاضراتي بالنقاش حول كيفية إنتاج "فن هادف"، وما الذي يدعونا إلى ترك كل الخيارات المتاحة أمامنا والاتجاه لما هو مسيء وبذيء، وأريد بهذا إيصال فكرة أنه لا شيء يدعوك أو يجبرك على تقديم شيء خطأ، وأن هناك العديد من المنتجات الفنية الحاصلة على جوائز، وليس بها شيء خطأ، لكننا من يستسهل ما اعتاد عليه الناس، ولا نرى خارج الإطار.

هل من كلمات تحب أن توجهها للشباب؟

أولًا: "من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه"، ثانيًا: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا"، ويتطلب ذلك الجدية، والاحترافية في العمل، بمعنى أن تصر على حلمك وتكون لديك رؤية له، ولا تفعله بشكل عشوائي بل ضع له خطة إنجاز، وكذلك البساطة، بسط الأمور على نفسك ولا تصعبها.

قمر

القرار