b5 

اغرس الفسيلة وابتعد عن أي حجج أو مبررات

رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو المعيار الأمثل للقدوة

أميرة توفيق – القاهرة

شدد الداعية مهاب عثمان على أهمية أن يدرك الإنسان طبيعة نفسه ليتثنى لهمعرفة إمكانياته، ومواهبه، وأحلامه وأهدافه، وما هو مراد الله منه.. وأشار إلى أن معيار القدوة الأمثل لكل الشباب في كل زمان ومكان هو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فبمدى قربك أو بعدك عن شخصيته صلى الله عليه وسلم، بمدى قربك أو بعدك عن شخصية القدوة المأمولة.. إلى التفاصيل.

بداية من هو الشيخ مهاب عثمان كإنسان وداعية؟

مهاب محمد عثمان، حاصل على بكالوريوس هندسة اتصالات والكترونيات جامعة عين شمس 1984، شاركت في العديد من الندوات والمعارض والدورات التدريبية التخصصية فيما يتعلق بهندسة الاتصالات والتحكم وصناعة النفط والغاز بجمهورية مصر العربية، الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية والعديد من الدول الأوربية. أجيد اللغة الانجليزية إجادة تامة محادثة وكتابة، ودرست اللغة الايطالية حتى المستوى الثالث، بدأت طريقي نحو العلم الشرعي من منتصف الثمانينيات وتلقيت العلم على أيدي العديد من مشايخ وعلماء جمهورية مصر العربية منهم د.جميل غازي رحمه الله، د.أسامة عبدالعظيم، د.عبدالبديع أبوهاشم، د.نشأت ضيف رحمه الله، د.محمد إسماعيل، د.صلاح الصاوي.. وغيرهم.. أحفظ القرآن الكريم كاملا.. خريج معهد إعداد الدعاة 1997.. ولي العديد من الدروس الأسبوعية بمساجد القاهرة، كما شاركت في العديد من الندوات الدينية والدورات العلمية الدعوية المكثفة بمساجد القاهرة وكذلك بعض البرامج الدينية بقنوات اقرأ، الناس، الهدى، والنيل الثقافية.

حدثنا عن علاقتك بالشباب كيف بدأت وكيف تراهم؟

الحقيقة أنها بدأت مبكرة جدًا، من قبل حتى أن أبدأ بالخطابة في المساجد، فأنا مؤمن بالشباب ومنذ مطلع التسعينيات وأنا أبحث عنهم في المساجد والمناطق التي أعيش فيها وأتعايش معهم ومع أحلامهم وأفكارهم وأهدافهم، وكان هذا منذ خمسة وعشرون عامًا، فبدأت علاقتي بهم كأخ أكبر وليس شيخ أو داعية، وتطورت هذه العلاقة مع انتقالاتي بين العمل والسكن، حيث إنني في كل مسجد أذهب إليه كنت أبحث عن الشباب، وحتى اللغة التي أتحدث بها كانت اللغة التي يفهمونها، وبالتالي معظم من يحضر دروسي من الشباب، حتى أنهم أصبحوا يريدون الدروس لهم فقط ولا يريدون حضور كبار السن، فبدأنا بتخصيص مواعيد دروس خاصة لهم فقط وفي أوقات تجذبهم مثل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء، فارتبطت القصة من البداية بالشباب.

افتقاد الشباب للقدوة له عامل مؤثر في تخبطهم.. فما هو معيار اختيار القدوة؟

المعيار هو الرسول عليه الصلاة والسلام، فبمدى قربك أو بعدك عن شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بمدى قربك أو بعدك عن شخصية القدوة المأمولة، وعندما أقول محمد صلى الله عليه وسلم أقولها من منطق تحقيق التوازن بين الدين والدنيا، وبين العمل والعبادة، وبين الواجبات الأسرية والواجبات المجتمعية، وبين واجبات الأمة وواجبات الفرد، فالرسول كان نموذجًا للتوازن الإنساني في كل هذه التحديات، دوره كأب، وزوج، وقائد، وصديق، وسياسي، ومجاهد، ومُربّي، ورب عائلة، فكل هذه الأدوار قام بها بمنتهى البراعة، وبمنتهى الحسن، وحقق فيها توازنًا بنسبة مائة بالمائة، وهذا هو ما نريد..

أما حين تجد بعض الشخصيات انغمست تمامًا في العمل الدنيوي أو على النقيض انغمست تمامًا في العمل الدعوي والإسلامي، وبعدت كل البعد عن أمور الدنيا، فهذان النموذجان لا يصلحان لأن يكونا قدوة، لأن السعيد من استطاع أن يحقق التوازن بين كل هذه المتطلبات، لكن لا يمكن أن نغفل هنا فكرة القدوة الجزئية، والتي تعود للتنوع البشري الموجود وتنوع الثقافات، بمعنى أنه مثلًا قدوتك كطالب في كلية الطب، ستختلف عن قدوة آخر في كلية الهندسة، وقدوتك في العمل السياسي، ستختلف عن قدوتك في العمل الخيري، والقدوة الجزئية مطلوبة غير أنها تختلف من وظيفة إلى أخرى وكذلك حسب الطباع الشخصية، ولكي لا نقع في الصدمة يجب أن ندرك أنها قدوة جزئية، بمعنى أنه لا يجب اتباعها أو السير على خطاها بدون تفكير أو تدبر، فلا يؤخذ منها كل الجوانب لأنها ربما لا تكون ملائمة لك أو لا تتفق مع مبادئك، وكذلك حتى لا تتعرض للصدمة حين تنغمس في الاقتداء بالشخصية بشكل مبالغ فيها، وتلك الصدمة التي تعرض لها الكثير من الشباب أثناء فترة بداية الثورات وأصابتهم بالعجز.

هذا العام يأتي رمضان في منتصف الإجازة الصيفية.. بماذا تنصح الشباب؟

الحقيقة أن رمضان يضبط إيقاع الحياة لأي الشباب وأي إنسان لديه وازع ديني، فأتمنى عدة أشياء للشباب في هذا الصيف تحديدًا، لأن هناك بعضًا من الشباب سوف يحاول أن ينتهز ما قبل رمضان لأكبر مساحة من المُتعة والراحة والاستجمام والسفر والتسيب وما إلى ذلك، وهناك آخرون سيؤجلون ذلك إلى ما بعد رمضان، فبداية أنا لا أريدك أن تتعامل مع رمضان بهذه الفوبيا، وهذه الفوبيا تأتي لأننا نتعامل مع رمضان بكثرة في كل شيء، سواء كان من ناحية العبادات أو الطعام أو المسلسلات أو البرامج أو الصلوات، فكل شيء فيه يكون بكثرة زائدة عن الحد، وكل تلك الكثرة تؤدي إلى ما يشبه "التخمة"، فنحن لا نريد أن نتعامل مع رمضان بفوبيا، بل نتعامل معه أن الله يعطينا مساحة من الوقت لكي نتقرب إليه أكثر، فرمضان فرصة لتقرب المسافة بينك وبين الله، وتحاول أن تستمر على ذلك باقي الشهور.

الأمر الثاني أنه دائمًا ما يبدأ الناس في الاستعداد للأجواء الرمضانية منذ رجب وشعبان وهذا جيد لكنك تعود النفس على أن هذه فقط فترات شحذ الهمة، فماذا عن باقي شهور العام، وهي أيضًا من الممكن أن يفاجئك فيها الموت، فتعامل مع الله طول الوقت وتقرب إليه طول العام.

الأمر الثالث أن رمضان سوف يأتي في الإجازة، والإجازة بالنسبة للشباب تعني الدعة والراحة والنوم والسفر وما إلى ذلك، فهل أنت تكد وتجتهد طول العام ثم ترتاح في الصيف فقط؟ أم أنك لا تفعل ذلك وتأخذ الصيف للمزيد من الراحة فهذا فرق شديد، وعلى هذا فعلى الشباب أن يعكس الوضع هنا ويجعل من أشهر الصيف أشهر جد واجتهاد وعمل وتعلم خصوصًا شهر رمضان فهو شهر إنتاج وأعظم انتصارات المسلمين حدثت فيه، وأعظم قرب إلى الله يحدث في رمضان، فاستفد من الوضع الإيجابي المُشجع على الإنتاج والعمل.

وما أهم الأشياء التي يجب على الشباب أن يتعلمونها ويعرفونها جيدًا؟

أهم شيء أن يتعرفوا على أنفسهم، لأننا للأسف نسير ونحن لا نعرف أنفسنا جيدًا، ويعني ذلك أن أتعرف إلى إمكانياتي، ومواهبي، وأحلامي وأهدافي، وما هو مراد الله مني.

إذن ماذا يفعل الشباب الذين أرغموا على اتخاذ مسار غير الذي يريدون بسبب ضغوط الأهل مثلًا؟

الفكرة هنا كيف تعرض الذي تريده حقًا، فاختيار طريقة الحديث معهم وإقناعهم تؤثر على ذلك بشدة، وحينما يتأكد الأهل أن أبناءهم على بصيرة من أمرهم وأنهم يريدون ما يريدون حقًا وليس تقليدًا أو اتباعًا لأحد فلن يرفضوا ما يريد أبناءهم لأنهم في نهاية المطاف لا يريدون سوى خير أبنائهم.

بما أنك تسافر كثيرًا للخارج.. ما الفارق بين الشباب في الغرب والشباب العربي؟

الشباب شباب في النهاية سواء في الغرب أو في العالم العربي، الفكرة كلها أن الشاب في الغرب وضع في نظام يحترم التخصص والعمل الجاد والمجهود ويقدر القيمة الإنسانية فالبتالي يكون شاب ناضج، أما هنا فللأسف النظام لا يحترم التخصص بل المحسوبية، لا يحترم الوقت ويميل للروتين، هذا لو اعتبرت أن هذا يعتبر نظام؛ لأننا أقرب إلى اللانظام في كل شيء، وبالتالي الشاب العربي مظلوم لأنه لم توضع له الأسس والقواعد المماثلة لتلك التي وُضع فيها الشاب الغربي فالبتالي المقارنة غير منصفة بالمرة وقد لا تجوز من الأساس.

ما أكثر مقولة يمكن أن تعنون بها حياتك حاليًا وما هي الكتب التي تنصح الشباب بقراءتها؟

لا توجد مقولة مُعينة أتبعها في حياتي، لكني أؤمن بعدم اليأس مهما كانت الظروف والأحداث، فأية مقولات تؤدي لذلك المعنى أؤيدها وإن كانت أكثر مقولة تسيطر عليّ قول رسول الله "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل"، فأصبحت المقولة الدائمة على لساني الآن "اغرس الفسيلة" وابتعد عن أي حجج أو مبررات، فقط قم بما هو مطلوب منك.

أما الكتب فهي كثيرة جدًا، ولكني أجد مُتعتي ويمكن أن أنسى الوقت والدنيا، وأنا أتبحر في كتب علم السيرة، حتى أنه من الممكن أن أصنف كباحث في السيرة النبوية، ومن أفضل الكتب والتي من الممكن أن يصل إليها الشباب بسهولة هي كتب الدكتور علي الصلابي، وكذلك كتب التفسير القرآني وهي كثيرة جدًا وأيسر وأسرع ما يمكن أن يصل إليه الشباب هي كتب الدكتور محمد راتب النابلسي.

كلمة أخيرة يوجهها الشيخ مهاب عثمان للشباب؟

أقول لهم ليس لكم علاقة بنا نحن جيل الخمسينيات وفيما فوقه، أرجوكم لا تفعلوا مثلنا ولا تقتدوا بنا ولا تقلدونا، لأننا لا نعفي أنفسنا عن المسئولية مما آلت إليه الأمور والأوضاع في الفترة الأخيرة، فابحثوا عن قدوة صالحة فعلًا وأحسنوا الاختيار.