UnUntitltitled

القاهرة – أميرة توفيق:               

أخذت على عاتقها تأسيس مركز متخصص لإرشاد الآباء إلى أفضل سبل التعامل مع أبنائهم منذ الصغر وحتى اجتيازهم مرحلة المراهقة والوصول إلى سن النضج والشباب.. إنها الاستشارية أميرة كمال، التي تؤكد خلال لقائها مع "الوعي الشبابي" أن ما يغرثه الآباء في التربة الخصبة لأبنائهم في مرحلة الصغر، وهو ما سيجنون ثماره حينما يصلون إلى سن النضج والشباب.. إلى التفاصيل.

بداية من هي أميرة كمال؟

أخصائية تربوية واستشارية نفسية وتربوية، قمت بتأسيس مركز "جيل" للاهتمام بالمهارات التربوية ونقوم فيه بتدريب المُربين من آباء وأمهات ومدرسين وأي فرد يتعرض للعمل مع الأطفال عن مفاهيم أساسية في التربية وكذلك نقوم بتوجيه بعض التدريبات للأطفال، حيث نقوم بالنزول لبعض الأماكن والتواصل وتدريب الأطفال على ما نُطلق عليه المنهج المتكامل وهو يشمل كل الجوانب الشخصية وكل جوانب النمو ويتعامل مع كل مراحل الطفولة.

وما هو المنهج المتكامل الذي أشرت إليه؟

هو منهج يدمج في طياته كل مجالات التعلم، بمعنى أنه لا يقدم مناهج منفصلة، فلا نقدم العلوم وحدها أو مهارات التعلم أو المهارات الشخصية وحدها، فالمنهج الذي نعمل به يتكون من محاور متصلة ببعضها، فهذا المنهج جاء بعد دراسات وأبحاث كثيرة جدًا حول مناهج تعلم الأطفال، ويعتبر التكامل هو أفضل منهج لتعلم الطفل، لأن طريقة تعلم المُخ هي الطريقة التكاملية وليس عن طريق فصل المواد عن بعضها، إذ أننا نقوم بذلك ليسهل علينا نحن تبسيط المعلومة وشرحها وليس العكس.

الشيء الآخر أن المنهج معتمد على الخبرات العملية، فنحن لا نُلقن الأطفال أي شيء، لكننا نعطيهم مفاتيح الأشياء ونكسبهم المهارات بينما يقوموا هم بالبحث عن المعلومات فهو بالأساس منهج عملي وقائم على الخبرات.

إذن لنأخذ الموضوع من البداية كيف يكون الاستعداد المناسب لاستقبال الطفل؟

بداية الموضوع لا يبدأ من فترة الحمل، لكنه يبدأ من فترة اختيار شريك الحياة، فهناك نقطة يغفلها الشباب والبنات أثناء اختيارهم لشريك الحياة وهو أن هذا الشاب سيكون أبًا لابني، أو أن هذه الفتاة ستكون أمًا لأولادي، فالاختيار لا يكون بناءً على الناحية العاطفية والاجتماعية وفقط، فلا يجب أن نغفل فكرة أنه سيكون مُربيًا، وأهم أساس في اختيار الأب أو الأم هو أنه سيكون قدوة لأن الطفل سيقلد والده ووالدته طوال الوقت، فهل سأأتمن هذا الشخص على أن يكون قدوة لأبني أو ابنتي؟! بمعنى أنه يجب التأكد من أنه ليس لديه مشاكل تربوية كاستخدامه للضرب مثلاً، وبالطبع نؤكد على أن من يعترف بوجود هذه العيوب سيعمل على حلها والتخلص منها فكل مشكلة لابد لها من حل.

الشيء الآخر المهم جداً بين الزوجين أنه يجب أن يكونا متفقين منذ فترة الخطوبة على طريقة تربية أطفالهما لأن عدم الاتفاق قد يضيع مجهودات كثيرة جداً في التربية، ففي بعض الأحيان قد تملك الأم حس تربوي جيد وتفعل أشياء جيدة ويأتي الأب فيهد ما تبني الأم وأحياناً يحدث العكس، وكذلك أن يتفقا سوياً كيف سيتم التعامل مع العائلة بخصوص الأولاد خاصة من جانب الأجداد والجدات، لأن الزواج في النهاية هو شراكة بين عائلتين وليس مجرد فردين، فالعائلتين يتدخلان بشكل أو بآخر في تربية الأولاد مثلاً في أوقات الزيارات يكون الأطفال متعودين على نظام معين فيحدث تغيير في ذلك الأسلوب، فلهذا على الزوجين الاتفاق سوياً كيف سيتم التعامل مع العائلتين.

الشيء الثالث أن هناك مقولة معروفة عند التربويين هي أن العلاقة بين الأب والأم هي الطفل البكر لهما قبل أن يُولد أول طفل، فكلما كانت علاقتهما سوية سيظهر أثرها لابنهما عندما يأتي وسيشعر بالأمان والاطمئنان، لأن أهم احتياج للطفل منذ ولادته هو احتياجه للأمان، فلو وُلد في بيئة بها نزاعات ومشاكل وشعر فيها بالخوف فستتصدر له صورة أن هذا العالم مكان غير آمن.

لماذا لا يلجأ الشباب لاستشارت وطلب النصائح من المُتخصصين؟

المشورة تواجهها مشكلتين، الأولى أنني لا أقوم بمشورة وقائية، فنحن كمجتمع رجال ونساء لا نلجأ لطلب المساعدة إلا في وقت الشدة، بمعنى أننا نعمل على وقت الطوارئ، ونؤخر شغلنا دوماً لآخر وقته، فلا نعمل على مبادئ الوقاية ولا التخطيط الاستراتيجي، ولا نفكر للأمام، فقط ننظر تحت أرجلنا.

المشكلة الثانية تتمثل في الآباء، لأن الرجل بطبيعته نادر اللجوء للمساعدة، فهو من الصعب عليه أن يسأل أو يهتم، إضافة إلى ثقافة سائدة في المجتمع أن من يُربي هي الأم وحدها، ففي الحقيقة هذه الثقافة خاطئة تماماً لأنه من المفترض أن من يربي هما الاثنين سوياً، فيجب أن يكون للاثنين وقت ودور كُل حسب وقته، ولابد من وجود وقت مخصص للأطفال، فليست العبرة بطول الوقت بل بجودته وبأن يكون ذو قيمة، ولأن كثيراً ما يغفل الزوج عن دوره في التربية وبسبب طبيعته التي لا تحب طلب المساعدة فحتى إذا حدثت مشكلة فإن الأم هي من تقوم بطلب المشورة وحدها.

هل ترين أن فكرة الاستعداد للتربية وأخذ محاضرات للتأهيل أصبحت تؤتي ثمارها؟

دعيني أقول أنه عند بداية تأسيس "جيل" في 2005 كان لا أحد يستمع لما نقول وكأنك تتحدث في الهواء، فكان نادر جداً وجود من يهتم بذلك ويبحث عنه، لكن الآن اختلف الوضع تماماً فعندما نعلن عن الدورات والمحاضرات نجد أن هناك إقبالاً كبيرًا عليها، والأمر يمكن تشبيه بالعدوى الجيدة.

نجد الآن العديد من الأمهات يتركن أولادهن لوسائل التكنولوجيا المختلفة، كيف يمكن ضبط علاقة الطفل بالتكنولوجيا؟

بداية التكنولوجيا للأطفال مساوئها أكثر من مميزاتها، لأسباب متعددة أولها أنها تقلل من الذكاء الاجتماعي للتفاعل مع الآخرين، فنحن عندما كنا صغاراً كانت تجمعنا اللعب الجماعية، وحتى اللعب الحركية كانت تعتمد على التواصل بيننا وبين الآخرين، ثم مع مرور الوقت أصبحت الألعاب التفاعلية تنحسر من حياة الأطفال وتحل محلها الألعاب التكنولوجية، فاللعب شيء أساسي وطبيعي عند الأطفال، لكن عند استبدال كل وسائل اللعب بجهاز إلكتروني كالهاتف الجوال أو الآي باد، فإن مستوى تفاعله الاجتماعي يقل.

وكذلك فإن الألعاب الإلكترونية أحد الأسباب الرئيسية لحدوث السمنة عند الأطفال، لأنه يجلس أغلب الوقت ولا يتحرك ولا يبذل جهدًا بدنيًا، فهو استعاض عن حركته بالآي فون الذي يتحرك في اللعبة، فالأفضل له أن يُمارس الرياضة حتى ولو عن طريق مشاركة الألعاب الجماعية الحركية مع الأطفال الآخرين.

المشكلة الثالثة أنها تحجم نمو الذكاء عند الأطفال، حيث إنها تربطه بنوع مُعين من القدرات والذكاء وهو الذي يستخدمه في اللعبة، ولكن الذكاء حوالي 15 نوع، فلا يكون لديه فرصة لتنمية أنواع الذكاء الأخرى لأنه يقضي أغلب وفته في تنمية نوع واحد وهو الذي يساعده على الفوز باللعبة التي ينجذب إليها.

ولا يجب أن يُفهم من كلامي أنه يجب منع هذه الألعاب، لكني أقول إنه يجب توفير جميع أنواع الألعاب، ويوضع وقت مخصص للألعاب التكنولوجية، فمثلاً يجب أن يتوفر له أن يرسم ويلون وأن يستمع إلى القصص والحكايات، وأن يمارس إحدى الرياضات، وأن يلعب مع أطفاله، فإذا حدث هذا تصبح شخصية الأطفال ثرية ومتعددة الجوانب، فكلما قمت بالتركيز على جانب واحد من جوانب الطفل فإنه ذلك سيؤدي إلى حدوث ضمور في الجوانب الأخرى.

بعض الأمهات يوجهن أطفالهن للألعاب الإلكترونية بحجة انشغالهن الشديد فكيف يكون التعامل في هذه الحالة؟

الحقيقة أنني اعترض على هذا، فإن كنتِ شديدة الانشغال، فلماذا أنجبتِ منذ البداية؟!، المشكلة أنه يحصل صدام بين الأهالي والأبناء عند بلوغهم سن المراهقة بسبب عدم الرعاية الجيدة والتقارب معهم منذ الصغر، ويشتكي الأهالي من وجود مسافة بينهم وبين أولادهم، وفي بعض الأحيان يفاجئ الأهالي بتعارف أولادهم أو بناتهم بأصدقاء السوء أو بوجود طباع سيئة بهم، وحينها يتوجه الأهالي للأخصائيين ليستنجدوا بهم طالبين المساعدة، ويكون هذا نتيجة ما زرعه الأهالي مع أطفالهم من البداية، فإن كنت أقضي معهم الوقت وأشاركهم لعبهم وأنشأ علاقة صداقة بيني وبينهم، فإن كل هذا سيعود لي في النهاية، أي أنني سأتعب في البداية ولكنني سأرتاح مستقبلاً.

وكل هذا لا يعني أنه لا يُمكن الإصلاح من الآن بالعكس الإصلاح وراد جدًا وممكن، ولكن الأهم طلب المساعدة من الآن والاستعداد، وتواجد الرغبة الحقيقية للتغيير.

ما أشهر المشاكل التي يستشيركم فيها الأهل؟

في سن ما قبل السادسة معظم الأمهات تشتكي من أن الطفل لا يسمع الكلام وعصبي وعنيد، فيجب أن نعرف خصائص مراحل النمو لدى الطفل وسمات كل مرحلة، لأنه من الممكن أن يكون ذلك إحدى خصائص المرحلة وهناك طرق للتعامل معها، فمثلاً الأم التي تشتكي من أن ابنها يكسر الأشياء، يجب أن تعرف أنه ليس طفل مؤذي، بل هو يكتشف العالم من حوله، ولا يدرك قيمة الأشياء، فقومي بإبعاد الأشياء القيمة عنه، ولا تتعاملي معه على أنه يدرك ويعي ما تعرفينه أنتِ، واجعلي حوله الأشياء الآمنة التي حين يستكشفها لا تكون خطر عليه ولا يكون خطر عليها.

وكذلك المشاكل التي تكون بسبب الإفراط في العقاب، والإفراط في التدليل، والمشاكل التي تتكون لدى الطفل بسبب رؤيته ومعايشته لمشاكل الأهل، فالأهل لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تحدث بينهم مشاكل أمام الطفل، لأنه حين صدور الصوت العالي وما إلى ذلك فإن الطفل يتكون لديه شعور بالذنب وأنه مرفوض وأن هذه المشاكل بسببه وأنه غير مرغوب في وجوده، فهو لا يفهم أن المشكلة بينهما ولكن ما يفهمه أن كلا الأب والأم لا يحبه.

ما أفضل نصائح تربوية من الممكن أن توجّه للأم العاملة؟

يفضل في أول عامين من عمر الطفل أن تكون الأم متفرغة له تماماً، وهذا يكون صعبًا على معظم الأمهات التي تضطر أن تجعله في حضنة أو تتركه مع أحد من أهلها، فيجب اختيار المكان الذي سيقوم بالتربية، ويجب أن تتفق معهم على طريق التربية التي أعدتها واتفقت بها من قبل، ولا أفضل أن تستعين الأم بالمربيات أو العاملات لأن هذا الأمر يؤدي لمشاكل كثيرة جداً.

كذلك من المهم أن يكون الوقت الذي أمضيه معه به من الحب والحنان والرعاية ما يعوض فترة الغياب في العمل، وتقل هذه المشكلة مع دخول الأولاد في المدارس؛ لأنه غالباً الوقت الذي تكون الأم فيه في العمل يكون هو نفس وقت وجودهم في المدرسة.

أيضاً أن أقوم بتربيتهم منذ الصغر على تحمل المسئولية، وأن هذا المنزل مسئوليتنا جميعاً، بحيث لا تكون المسؤولية كلها على الأم، ولكن يزرع في الطفل أنه مسئول عن مذاكرته وله دور في المنزل، بحيث يعمل الجميع في المنزل بروح الفريق، وهذا يحتاج أن يزرع من سن سنتين، وهو السن الذي يبدأ فيه الطفل بالاعتماد على نفسه، فيجب تنمية هذا الإحساس بالمعرفة والمساعدة حتى يُنمي ذلك فيه إحساسه بالمسئولية.

هناك شيء آخر يعتمد على الضمير، وهو أن الأم يجب أن تراعي ألا تنفعل على أطفالها، فليس معنى أنهم كائنات أضعف أن تستقوي عليهم في حال أنها مُتعبة أو عصبية أو أي شيء من هذا القبيل، فيجب مراعاة أن الطفل إنسان مستقل مثله مثلك ويتأثر بكل الأفعال وتظل معه طوال عمره أكثر من أي مرحلة عمرية أخرى.

هل من منهج تربوي للثواب والعقاب؟

أهم شيء هو التركيز على الثواب أولاً، والله سبحانه وتعالى يقول "ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" فدائماً الثواب والخير هما المقدمين، ولكننا على أرض الواقع لا نفعل ذلك فنحن نعاقب فقط، لذا يجب أن نفكر كيف نكافئه، فدائماً الأهل وهم يتعاملون مع الأطفال تركز أعينهم على الأشياء الخاطئة التي يفعلها الطفل، فمثلاً خلال اليوم قد يخطئ مرة أو مرتان أو عشر مرات، لكن باقي اليوم كان يفعل أشياء صحيحة وجيدة لكننا لا نراها، الأمر يشبه النظر إلى ورقة بيضاء بها نقطة سوداء، وإن سألتِ ما بها سيقول "نقطة سوداء" في حين تغافل الجميع عن المساحة البيضاء الأكبر بها.

إذن ببساطة إن كافأت كل سلوك سوي سليم طيب صحيح صدر من الطفل فإنني بذلك أنميه عنده، وسيزيد من فعله، ولن يجد وقتًا لفعل الأخطاء الكثيرة وستقل جداً، وربما لن أحتاج أصلاً للعقاب.

أما في حالة الاحتياج للعقاب فيجب أن يكون ذلك كحل نهائي وأخير، فأهم وسيلة للعقاب هي منع التعزيز أو المكافأة، فإن كنت أكافئه بما يحبه فعلاً وما يهتم به، فإن حرمانه منه يكون عقابًا كافيًا، وهناك أيضاً طريقة الغرامات، وهي أخذ شيء مقابل شيء، بمعنى إن كسرت شيئاً ما فإن ثمنه سوف يُخصم من مصروفك، إن كتبت على الحائط، فأنت مُلزم بنظافته، ولكن لا يفضل التصعيد في العقاب، فإن كنت نبهته للشيء الخطأ الذي صدر منه واعتذر وقام بعمل شيء جيد، فيجب أن أسارع هنا في المكافأة، حتى أعزز من السلوك الجيد عنده.

وما أهم النقاط التي يجب أن يوصلها الأب لأبنائه في أوقات اجتماعه بهم خصوصاً أن الأب لا يقضي معهم وقتاً طويلاً كالأم؟

أولاً يجب أن يرتبط هذا الوقت بالسرور، وليس بالخوف والقلق منه، أي أن الأب يحب ألا يتحول في حياة الأطفال إلى تهديد، لأن هناك العديد من الأمهات التي تهدد أولادها بأنها ستخبرهم بأفعالهم السيئة لوالدهم فيصبح الأب هنا مصدر خوف وتهديد.

ثانياً أن يكون هذا الوقت مُثمرًا، ونقوم فيه بعمل شيء جماعي، مثل فريق العمل، كذلك أن يستمع إليهم وهو شيء أهم من أن يتكلم هو معهم، كذلك قراءة القصص مثلاً.

وبالنسبة للأوقات الطويلة يجب أن يظهر فيها بشدة دور القدوة، بحيث يروه مثالاً في معاملته مع والدتهم بطريقة جيدة تتمتع بالذوق والرُقي، واستعداده لصلاة الجمعة، فتلك الأشياء التي تنقلها لأطفالك تكون هي الأشياء التي تمارسها أمامهم وليست التي تتكلم عنها.