1 60

الكويت – الوعي الشبابي:

«الإعاقة ليست في الجسد، ولكن في الفكر ايضا»، مقولة جسدها أصحاب الحلم والطموح ممن تحدوا إعاقتهم وانطلقوا بعقولهم وإمكاناتها وآمالهم نحو التميز والابداع ليشقوا طريق العلم ويسيروا على خطى العظماء.

ولقد سار أستاذ الطب الجيني بجامعة الكويت رئيس وحدة بمعهد دسمان للسكري البروفيسور الكويتي د. فهد الملا على هذا النهج، فهزم إعاقته الحركية وتحدى نظرات الناس بعزيمته القوية وتصميمه على تحقيق الطموح.

رغم أنه مقعد، لكنه استطاع - وفق صحيفة القبس - أن يقود طلبة الطب في جامعة الكويت من كرسيه المتحرك لطريق المعرفة في علم «الجينات»طوال السنوات الماضية، ولم يقف عقله برهة، واستطاع أن يتفوق على أقرانه ويبهر الأطباء حتى نال الدكتوراه في الوراثة السرطانية وحمل لقب أصغر بروفيسور في عام 2012، وعين رئيسا لجمعية الجينوم البشري في الولايات المتحدة.

شارك د.فهد الملا في الكشف عن الشفرة الوراثية للسرطان، ضمن فريق أميركي بحثي عالمي في أكبر دراسة على مستوى العالم، وقام بتحليل الشفرة الوراثية لأكثر من 10 آلاف عينة من مرضى السرطان.

القبس التقت بالطبيب د.فهد المُلا للتعرف عليه من قرب، حيث أشاد بمستوى وعي المجتمع الكويتي بالأمراض الوراثية، والذي وصفه بـ «الراقي»، لافتا إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الوراثية النادرة في الكويت مقارنة بالمجتمعات الآخرى، وذلك نتيجة زواج الاقارب الذي تتراوح نسبته ما بين 50 – %70.

وأكد المُلا أنه ليس كل مرض وراثي يعتبر إعاقة، موضحا أن الأمراض الوراثية تحدث بسبب الطفرات الحديثة الجديدة، وهي آلية طبيعية في الخلايا البشرية وتحدث تلقائيا.

واشار الى إمكانية منع الأمراض الوراثية بيئيا من خلال تحليل واحد لفحص جميع الجينات واكتشاف نسبة عرضة المريض للاصابة بالمرض ومنعه قبل الإصابة به، وهذه هي النقلة النوعية في الطب الحديث وتعتبر ثورة في الطب ويتبناها هو شخصيا.

وذكر أن هناك أكثر من 4000 مرض وراثي نادر، ومن أكثر الأمراض الوراثية التي تعتبر اعاقة هي أمراض الجهاز العصبي والعضلي، التخلف العقلي والإعاقة المزدوجة (الجسدية والذهنية)، متلازمة بارديت، مستغربا من عدم وجود قاعدة بيانات واضحة في الكويت حول الإصابة بالأمراض الوراثية.

الداون سندروم

ولفت إلى أن نسبة الإصابة بمتلازمة الداون في الكويت مرتفعة نتيجة لعوامل بيئية (مبيدات الحشرات التي قد تسبب خللا في انقسام الخلايا) وكذلك عوامل جينية، مضيفا «كما يزداد احتمال ظهور عيوب وراثية أو عيوب في الكروموسومات، مع خطر إنجاب طفل مصاب بشذوذ في الكروموسومات، مثل متلازمة الداون، لدى الأمهات فوق سن الـ35.

وقال إن متلازمة الداون تصيب واحدا من كل ألف مولود عالميا، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية، أما في الكويت فهي تصيب واحدا الى اربعة لكل 500 مولود حي، وهي نسبة عالية مقارنة بالنسبة العالمية.

وأوضح أن متلازمة الداون هو مرض وراثي ناتج عن زيادة عدد الكروموسومات رقم 21 من زوجين (أب وأم)، كما أنه يتميز بوجود ثلاث نسخ من الكروموسوم 21، حيث يكون الطفل المصاب لديه 47 كروموسوماً بدلا من 46 كروموسوماً (وهو العدد الطبيعي)، ويكون الكروموسوم الزائد متصلاً بزوج الكروموسومات رقم (21) بحيث يصبح هذا الزوج ثلاثيا بدلا من أن يكون ثنائياً لهذا يطلق على هذه الحالة اسم الزوج 21 الثلاثي (Trisomy).

وأكد أن «الداون سندروم» يعتبر إعاقة ذهنية وجسدية، حيث توجد اختلالات جسدية واضحة، منها كبر المسافة بين الاصبع الكبير للقدم والاصبع الذي يليه، عيوب خلقية في عضلة القلب، اختلال في الغدّة الدرقية، صغر حجم الرأس، قصر في طول العنق، إضافة إلى ارتخاء المفاصل وضعف حاسّة السمع.

وأضاف «الكثير من مرضى «الداون» يصابون ببعض المشاكل الصحّية بعد بلوغهم سن 21، مثل: الزهايمر، واللوكيميا، وسرطان الخصية، وعدم استقرار التوازن الكيميائيّ نتيجة عدم توازن الهرمون»، مشيرا إلى اختلاف حدة المرض ونوعه، حيث إن له درجات تعتمد على ما يسمى بــ Mosaicism عندما يحدث خلل في الانقسامات الأولى للخلايا ولكن ليس انقساما كاملا، مما يؤدي إلى وجود 46 كروموسوما في بعض الخلايا و47 في الاخرى.

وعن قدرة المصاب بمتلازمة الداون على الإنجاب، بين ان «الداون» ينجب أبناء «داون» ولكن إذا كان الداون الموزاييك (Mosaic) ويتمثل بوجود الكروموسوم الزائد في بعض الخلايا وعدم وجوده ببعض الخلايا الأخرى، فإنه ينجب أطفالا أقرب إلى العاديين.

فحص الجنين

وتحدث الملا عن فحص الجنين من خلال دم الأم أثناء الحمل، والذي يمكن من خلاله اكتشاف الأمراض الوراثية في الجنين، وللتعرف على مدى إصابة الجنين بمتلازمة الداون سندروم من عدمه، لافتا إلى ارتفاع نسبة نجاح الكشف عن المرض الوراثي باستخدام هذا النوع من الفحوصات بمعدل %99.2.

وأكد ان الفحص تطور ليشمل جميع الكروموسومات والامراض الاخرى المنتشرة في الشرق الاوسط، مثل الثالاسيميا وفقر الدم المنجلي والتليف الرئوي، وهو فحص يجنب الاذى للجنين، وهو موجود فقط لدى جيناتك.

الوقاية من الأمراض الوراثية

كشف المُلا عن آلية الوقاية من الأمراض الوراثية ونقلها للجنين، والتي تتم عن طريق التخصيب خارج الرحم pgd، فإذا كانت الأم حاملة لطفرة وراثية والأب ايضا حاملا لها يذهب الاثنان الى إجراء عملية أطفال الأنابيب (تلقيح صناعي)، يؤخذ المني من الأب والبويضة من الأم ويخصبان خارج الرحم في المختبر، ويتكون الجنين خارجا.

وأضاف: نأخذ خلية واحدة من الجنين ونحللها في المختبر، فإذا وجدنا ان الجنين ليس حاملا للطفرة نزرعه في الأم، لأنه سليم وليس حاملا وليس مصابا، إذن يستطيع الحاملون لطفرات وراثية ان يخضعوا لهذا العلاج، وينجبوا أطفالا سليمين.

التنبؤ بالسرطان

تطرق الملا الى اكتشاف تقنية جديدة يمكنها التنبؤ بحدوث الامراض السرطانية في الثدي والقولون والرحم وعلاجها قبل ظهورها من خلال الفحص الجيني المبكر للكشف عن الطفرة المسببة للسرطان، حيث تم اجراء البحث على 10380 مريض سرطان في أميركا للكشف عن الطفرات الوراثية في دمهم والمسببة للسرطان وتم اكتشاف أن اكثر من %10 تقريبا منهم حاملون للطفرات الوراثية التي كان من الممكن منعها قبل حدوثها، لافتا إلى ارتفاع الإصابة بسرطان القولون الوراثي في الكويت بنسبة تصل إلى %30.

ولفت إلى أن تكلفة الفحص الجيني المبكر في الكويت معقولة وليست مرتفعة مقارنة بالأسعار العالمية، حيث يبلغ سعر الفحص 200 دينار، لافتاً إلى أن نحو 1000 شخص خضع للفحص الجيني الوراثي في البلاد عن طريق البحوث.

وحول أكثر انواع السرطانات شيوعا في الكويت، ذكر أن سرطان القولون يحتل المرتبة الأولى عند النساء والذكور حيث يصيب 20 لكل 100 ألف في السنة، فيما احتل سرطان الثدي المرتبة الاولى حيث يصيب 50 لكل 100 ألف من النساء بالسنة، ثم سرطانات الغدد الليمفاوية البروستاتا والغدة الدرقية وسرطان الرئة.

وقال إنه أول من أدخل الطب الشخصي الى الكويت، حيث يأخذ المريض الدواء الأكثر تدميرا للسرطان ويبتعد عن تجربة الأدوية غير الفعالة له، مضيفا «ونتبنى الآن بالتعاون مع الشركة الاميركية ONCOCEUTICS الدواء لعلاج سرطان الدماغ والغدد اللمفاوية وهو في مراحله الأخيرة لحصولة على ختم الــ FDA.

الجينوم البشري

عرف الملا الجينوم البشري بأنه كامل المادة الوراثية المكوّنة من «الحمض الريبي النووي المنزوع الأكسجين»، الذي يعرف بــ DNA، ويحتوي على ما بين 20 ألفاً و25 ألف جين (المورثات) موجودة في نواة الخلية ومرتبة على هيئة ثلاثة وعشرين زوجاً من الكروموسومات، والجينوم يعمل على تسلسل الجينات في فحص واحد.

وأكد أن أهمية الجينوم البشري (الخريطة الوراثية) تكمن في معرفة الأمراض الوراثية والأمراض السائدة وتقليل الآثار الجانبية للدواء، فضلا عن إعطاء المريض العلاج المناسب له والخاص به فقط، ملمحا إلى أن هناك علاقة مطردة بين الأمراض النفسية والجينوم الوراثي.

تجربة الإعاقة

«المعاق إنسان طبيعي يحتاج مكملات لمساعدته، وجميعنا «معاقون» فلا يوجد إنسان سليم، وهذا الأساس من الجينات»، هكذا بدأ المُلا حديثه عن تجربته مع الإعاقة التي أصيب بها نتيجة فيروس وجهل للطبيب المعالج تسبّب في إصابته بشلل الأطفال، هذه الحادثة جعلت الملا يبحث عن حلول للوقاية من الأمراض ومنعها قبل حدوثها.

وأشار إلى أنه درس في المعاهد الخاصة وتخرّج في مدرسة الرجاء بتفوق، واتجه إلى دراسة الطب في جامعة غلاسكو وهي واحدة من اعرق واقدم الجامعات البريطانية، لافتا إلى أنه كان يرغب في دراسة مجال الفيزياء النووية أو النظرية الفيزيائية، ولكن لم تسمح له الظروف بذلك.

وبيّن انه استطاع تجاوز كل العقبات والتحديات وابهار عمداء الجامعة الذين طلبوا منه التأكد من اذا كان سيلتحق بالجامعة، خاصة أن ليس لديهم خلفية حول كيفية التعامل مع ذوي الاعاقة والمبنى قديم وغير مهيأ لذوي الاعاقة.

ولم يخب ظن أساتذته بامكانياته، حيث صمّم على الدراسة والتفوق، متمسكا بحلمه حتى كان أول طالب معاق في الجامعة.

ولم ينس المُلا مساعدة الطلبة له في التنقل من مكان لآخر بكرسيه المتحرّك، مستذكرا صديقة الدراسة مارجريت التي كانت حريصة على أن تحجز مقعدا له في المحاضرات، حيث كان عدد الطلبة يزيد على 240 طالبا.

وذكر أنه عمل لمدة عام في أحد المستشفيات البريطانية خلال فترة التدريب وكان صديق المرضى ويعاملهم بعاطفته الانسانية، وليس كطبيب، لدرجة أن نتيجة تقييم تقريره أظهرت انخفاض نسبة الوفيات خلال فترة تدريبه.

لم يتوقّف طموح الملا العلمي عند هذا الحد، حيث التحق بدراسة علم أمراض الجزيئيّة، وأجرى

ما لا يقل عن 100 عملية جراحية خلال فترة التدريب في بريطانيا، وأكثر من 115 بحثاً في السرطان والسكري. ولدى الملا أعلى تصنيف علمي في الشرق الأوسط (H-INDEX).