maxresdefault400

لا بد من نهضة تواكب الجديد دون تخلٍ عن الثوابت والقيم

قضية التطرف ينبغي أن تعالج من أسبابها لا من نتائجها

الشعراوي بسَّط الدين وطبّقه وربطه بالعقل والعلم.. وهذا سر نجاح دعوته

القاهرة - عبدالله شريف:

شدّد الداعية الإسلامي السوري د.محمد راتب النابلسي على ضرورة وضع ضوابط صارمة لمن يتحدثون في "الإعجاز العلمي"، مؤكدًا أنه على الرغم من أهميته في الدعوة إلى الله؛ إلا أن استخدامه بأسلوب خاطئ له مفعول عكسي. وأكد أنه يعتمد في أسلوب دعوته على أربعة أركان أساسية تشكِّل جوهر خطبته، كما أكد أن الأمة الإسلامية تمر اليوم بمحنة لا سابقة لها، وشدد على أهمية دور الشباب في اجتياز هذه المحنة، كما فنَّد مزاعم المنادين بـ"إسلام وسطي". مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي:

من يقرأ لكم د.راتب يغوص في فكر متناسق يفيض من مؤلفاتكم الثرية.. كيف كانت نشأتك؟ وما طبيعة المشروع الإسلامي الذي تسعى إلى تحقيقه؟

ولدتُّ لأسرة حظها من العِلم كثير، فقد كان والدي رحمه الله عالمًا من علماء دمشق، وكان يُدرِّس في مساجدها، وترك مكتبة كبيرة استفدتُّ منها كثيرًا، وقد طلبت العلم الشرعي في وقت مبكر من حياتي، ودرَست علوم التفسير والحديث والفقه والسيرة والفرائض وغيرها. ومارست الخطابة منذ عام 1974م في جامع جدي الشيخ عبدالغني النابلسي، وبعد تخرجي عملت في حقل التعليم الثانوي، ثم الجامعي، طوال الفترة من عام 1969م وحتى عام 1999م، بعدها عملت أستاذًا لمادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بكليات الشريعة وأصول الدين في جامعة الأزهر فرع الفتح الإسلامي بدمشق، وأستاذًا لمادة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر في مجمع أبي النور، وأستاذًا لأصول التربية في جامعة طرابلس الإسلامية.

أما بالنسبة إلى النسق العام الذي يجمع مؤلفاتي فهو تعريف الناس بخالقهم جل جلاله؛ من هنا كان كتاب "الأسماء الحسنى" تعريفًا مباشرًا بالله تعالى، وكان كتابا الإعجاز "آيات الله في الآفاق" و"آيات الله في النفس" للتعريف بالله من خلال خلقه، وغيرهما من الكتب التي يجمعها هذا الرابط العام وإن اختلفت في المضامين، وكان آخرها كتاب التفسير "تدبر آيات الله في النفس والكون والحياة" الذي اعتنيت خلاله بتفسير الآيات الكونية والإسقاطات الواقعية للقرآن في حياتنا اليومية، وجاء الكتاب في عشرة مجلدات ولله الحمد.

نتيجة بحث الصور عن راتب النابلسي

الإعجاز العلمي وضوابطه

متى بدأتَ رحلتك مع الإعجاز العلمي؟ وهل نجح المسلمون في جعله لغة للدعوة في عصر العلم؟

بدأت علاقتي بالإعجاز قبل خمسة وثلاثين عامًا تقريبًا، يوم بدأتُ الخطابة في مسجد جدي الشيخ عبدالغني النابلسي بدمشق، وكنت حريصًا وقتها على أن أخصص الخطبة الثانية لموضوع علمي يلفت نظر الناس إلى عظمة الخالق، ويبين أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، وكنت أنقل للمصلين جانبًا من عظمة الله في خلقه معتمدًا على أحدث الموسوعات والدراسات؛ فخطبة الجمعة تُحدِّث شرائح مختلفة من الناس، لذا كنت حريصًا على تضمينها ركنًا نصيًا من الكتاب والسنة، وهو الأصل، وركنًا فكريًا (أيديولجيًا) وركنًا قصصيًا وركنًا علميًا، بعد ذلك لمست الأثر الكبير لهذه الخطب؛ فقررت جمع هذه الموضوعات العلمية في كتاب سميته "الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة"، ثم درَّستُ هذا الكتاب في عدد من الكليات والمعاهد الشرعية في دمشق وأصبح مقررًا جامعيًا ولله الحمد.

قضية الإعجاز العلمي كان لها دورها المهم في الدعوة إلى الله؛ إلا أننا لا ننكر أن هناك من استخدم هذه اللغة استخدامًا خاطئًا كان له مفعول عكسي.

ما مستقبل الإعجاز العلمي؟ وكيف يلتزم الباحث بضوابط هذا العلم؟

لا بد من ضوابط صارمة لهذا العلم؛ فالنص ينبغي أن يكون قطعيًا في دلالته. والحقيقة، ينبغي أن يكون مقطوعًا بصحتها لا مجرد نظرية لم تثبت! والتطابق بين الحقيقة والنص ينبغي أن يكون عفويًا وتامًا، ثم إن الأصل هو الوحي وليس العلم؛ فنحن نصفق للعلم إن طابق الوحي، وليس العكس.

محنة الأمة

ما رأيك في المستجدات التي يمر بها المجتمع الإسلامي؟ وكيف للشباب والمرأة استعادة مكانتهم الفاعلة والبنّاءة في المجتمع؟

الأمة الإسلامية اليوم تمر بمحنة لا سابقة لها، وما لم تتكاتف الجهود لمواجهة التحديات والنهوض بالمجتمع المسلم فنحن أمام خطر داهم.

أما الشباب فهم القوة الفاعلة التي ينبغي أن تُرعى حق رعايتها؛ فالأمة بشبابها، ولا بد أن تتكاتف الجهود لتأمين سبل الزواج والمسكن والعمل المنتج الفعّال، عندها يكون الشباب قوة في نهضة أمتهم، وإلا فنحن أمام تطرّفين: تطرف تشددي ينتهي بالتكفير والتفجير، وتطرف تفلّتي ينتهي بالإباحية والمجون. أما المرأة فلا بد أن تتبوأ مكانتها التي منحها لها الإسلام وفق ضوابط الشرع، ولا بد أن تعود إلى أهم أدوارها، وهو الدور التربوي ورعاية النشء وتعزيز القيم.

وضعَ كثيرون مشاريع عدة لإصلاح الأمة الإسلامية.. لماذا تنتهي بالإخفاق؟

لا أعتقد أن كل المشروعات قد فشلت، بل هناك مشروعات ناجحة، وقد يكون نجاحها جزئيًا، وقد تحتاج وقتًا لتكتمل وتتضح الصورة. نعم هناك مشروعات فشلت، والسبب في ذلك يعود إلى غياب الرؤية الصحيحة للواقع حينًا، وغياب تمثيل هذا المشروع على أرض الواقع حينًا آخر، وعدم انضباط هذه المشروعات بضوابط الشرع حينًا أخيرًا.

هل يجذب الخطاب المتشدد الناس على عكس الخطاب المعتدل؟

لا أعتقد أن ذلك صحيح ابتداءً، بل على العكس؛ فتأثير الخطاب الشرعي المؤصل دائرته أوسع بكثير، ونسبة المنحرفين عن المنهج ليست كما نتصور، والسبب في تأثير الخطابات التطرفية في بعض الفئات هو في حقيقة الأمر بسبب الواقع الذي تعيشه الأمة وحجم القهر والفقر والقتل واستباحة المحرمات، هذه الأمور بمجموعها هي التي تنتج فكرًا متطرفًا، بالإضافة إلى العملاء الذين يريدون أن يصوروا الإسلام دين تطرف لصدّ الناس عنه.

قضية التطرف ينبغي أن تُعالج من أسبابها لا من نتائجها؛ فحينما تمتلىء الأرض ظلمًا وجورًا، وتكون الحرب على الإسلام معلنة بكل وضوح، وتقوم الدنيا ولا تقعد عندما تقع جريمة في الغرب، بينما العالم كله يتآمر ويصمت على قتل المسلمين واستباحتهم؛ عندها يجد الخطاب المتطرف صدى عند المظلومين والمقهورين.

نتيجة بحث الصور عن راتب النابلسي

الإسلام كلّه وسط

ما أهم العقبات التي تواجه الخطاب الإسلامي المعتدل؟ وهل مصطلح "الإسلام الوسطي" أصبح غير محببًا؟

ليس هناك إسلام وسطي وإسلام غير وسطي، الإسلام كله دين الوسطية، وعندما تقولُ إسلامًا وسطيًا فهذا يعني أن هناك إسلامًا متطرفًا أو إسلامًا متخاذلًا؛ ولذلك أقول: نريد الإسلام وفق الكتاب والسنة وفقط.

يجتهد علماء وباحثون لإنقاذ الحضارة الإسلامية بمشاريع عدة، واللغة أساسها، فكيف نشخّص أزمتها؟

لا بد من تضافر الجهود للتمكين للغتنا؛ فاللغة هوية ووسيلة لفهم النصوص الشرعية، وأزمة اللغة اليوم أزمة هوية وانتماء، وحينما يتعزز لدى الشباب قيمة الانتماء إلى الإسلام والأمة الواحدة يتعزز انتماؤهم إلى لغتهم.

بعد رحلة ممتدة.. كيف ترى مستوى البحث العلمي والتعليم الشرعي في العالم العربي؟

لا بد من نهضة تواكب الجديد دون تخلٍ عن الثوابت والقيم. التعليم الشرعي قام بدور عظيم وفعّال في الماضي، ولا بد اليوم أن يتابع دوره؛ لكن من خلال التجديد بالوسائل مع الحفاظ على الثوابت والمقاصد. هناك مشروعات تقوم اليوم على الجديد لكنها تميّع قيم الدين، وهذه مصيبة، وهناك مشروعات تحافظ على القديم لكن بجمود، وهذا خطأ أيضًا؛ لا بد من المواءمة بين التجديد في الوسائل دون مساس بالثوابت.

خطاب جديد

كيف نوازن بين مواكبة الخطاب الدعوي لتقنيات العصر مع الحفاظ على الثوابت؟

الخطاب الدعوي الجديد الذي يتحدث بلغة العصر وتقنياته ويتضمن روح عصر النبوة مطلبٌ ملحٌّ تحدثتُ عنه في السؤال السابق، وأزيد فأقول: التجديد في الدين يعني أن ننزع عن الدين ما علق به مما ليس منه؛ لكن التجديد في المضمون مرفوض مطلقًا، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فأي حذف هو اتهام بالزيادة، وأي زيادة هي اتهام بالنقص، ودين الله كامل لا يُزاد عليه ولا يحذف منه.

ما نصائحك للجاليات المسلمة ليتغير موقف الغرب من الإسلام؟

في الغرب، الإسلام هو أنت! وأنت أيها المسلم على ثغر من ثغور الإسلام؛ فلا يؤتيَّن من قِبَلِكَ، والمسلم الذي يكذب أو يغش عليه أن يعلم أن جريمته أعظم فيما لو فعل ذلك في ديار غير المسلمين؛ لأنه يفتن الناس عن دينه.

سرّ نجاح الشعراوي

أخيرًا، حدثنا عن لقاءاتك مع الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله؟

التقيتُ بالشيخ الشعراوي رحمه الله مرتين في القاهرة، وجمعت اللقائين في كتيب سميته "لقاءات مثمرة"، وقد سألته عدة أسئلة في كل لقاء. وأذكر أنني طلبت منه نصيحة للدعاة وتوقعت أن يطول جوابه؛ فإذ به يقول جملة واحدة: "ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو إليه". أعتقد أن الشيخ رحمه الله بسَّط الدين وطبقه وربطه بالعقل والعلم، وهذا سبب نجاح دعوته.