السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

115 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

2 taha adnan 

أميل إلى القصيدة التي تحتكّ بالواقع وتعبّر عن حيرة وهشاشة الإنسان

في الشعر متّسع للجميع ولا يمكن لشكل فنّيّ أن يلغي الآخر

القاهرة – أمنية عادل:

أكد الشاعر المغربي طه عدنان أننا نقف الآن أمام مقاربات جديدة في موضوع العلاقة بين الأنا والآخر والداخل والخارج والمحلي والكوني.. مشيرًا إلى ضرورة التحرّر من وطأة الانتماءات الخالصة وطمأنينة الأحكام الجاهزة، حتى يتثنى أن نتفاوض مع عالم جديد ومناخات ثقافية جديدة.. وأضاف أنه بقدر ما تتيح مواقع التواصل الاجتماعي للناس من فرص هائلة للتعبير الفردي الحرّ والتواصل المستمر مع الآخر، بقدر ما يتيه في ردهاتها الحوار العميق الهادئ ليعلو اللغط والزعيق.. مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي.

خضت تجربة الاغتراب من خلال إقامتك فترة في بلجيكا.. كيف برأيك يؤثر الاغتراب على تجربة المبدع؟

لا شك أنّ الهجرة ساهمت في تشكيل وعي المغتربين العرب، وكذلك أثرت في الآخر، فمفهوم الآخر عرف تحوّلات كبيرة من خلال تجربة الهجرة.. فلم يعد مواطن الغرب أسيرًا لتلك الثنائيات الأولية التي كانت ما بين مستعمِر ومستعمَر مثلا.

نحن الآن أمام مقاربات جديدة في موضوع العلاقة بين الأنا والآخر والداخل والخارج والمحلي والكوني. كما تتيح الهجرة للمبدع العربي مسافة تمكّنه من ممارسة دوره النقدي المزدوج. دورٌ يبقى محفوفًا بمحاذير إعادة صياغة الأحكام الجاهزة والمسبقة في مغازلةٍ سافرةٍ لأفق الانتظار الغربي طلبًا للترجمة ونشدانًا للترويج. لكنّ هذا الإبداع يبقى، على العموم، ثمرةً لمعركة المواطنة الثقافية هنا وهناك. ويمكن ترسيخه باعتباره أيضا مكوّنا من مكوّنات الأدب متعدّد الثقافات في بلدان الاستقبال. فالأدب قيمة إنسانية مشتركة. كما أنه ينقل روح الشعوب ووجدانها أكثر مما يمكن للتقارير الإعلامية العجولة أو البحوث الاستراتيجية الموجَّهة أن تفعل.

يعتبر البعض أن الساحة الأوروبية الأدبية والثقافية أكثر انفتاحًا وتوفيرًا للانفتاح الفكري.. فهل تعتبر أن إقامتك في الغرب أضافت لك؟

الهجرة أفادتني على مستوى اكتشاف ضآلة وجودي الشخصي. كما فتحت لي آفاقا أرحب للانتماء الشاسع لهذا العالم. الهجرة تجعلنا نحس بأننا جزء صغير من كلٍّ متشعّب ومتعدّد. حينها فقط يمكننا التحرّر من وطأة الانتماءات الخالصة وطمأنينة الأحكام الجاهزة. لنجد أنفسنا نتفاوض مع عالم جديد ومناخات ثقافية جديدة. نوع من الحوار الواقعي الذي لا يبقى معه الحوار مجرّد رياضة ذهنية أو تحذلق فكري. إنه مسار يومي متعدّد الأبعاد، له منطلقات فكرية ومعرفية حتمًا لكن أيضًا نتائج عملية ملموسة تختبر عمليًّا إمكانات التقارب الفعلي مع الآخر. هذا الحوار الإبداعي ممكن وضروري للخروج من منطق حماية الهوية الخالصة إلى منطق صياغة هويات متعدّدة قابلة للاغتناء كل يوم بما يوفّره الإنسان من انتصارات باهرة على المسافات والحدود بفضل الهجرة أوّلا، ثمّ الترجمة والتكنولوجيا وغيرها من أسباب التواصل الحديثة. والأدب يبقى أرقى أشكال التواصل الإنساني بسبب اهتمامه بالأساسي والمشترك خارج ضغط الفضاء المغلق واللحظة العابرة.

tahaadnane 649213472

يمتاز شعرك بالبساطة والمكاشفة والصبغة الإنسانية.. فما منابع إلهامك؟

لست أؤمن بحكاية الإلهام هذه. إذ لا إلهام هناك بالمعنى الهلامي للكلمة. هناك تفاوض يومي مع الذاكرة والمقروء ومفردات العيش. تفاوض عسير يلزمه الكثير من المكابدة مع النّص عسى أن يحالفه الشعر. كما أعتقد أن التجربة الإنسانية مصدرٌ ثرٌّ للإبداع. فبالرغم من أن الإبداع الشعري هو فعل ذاتي خالص، إلا أنه يبقى غير منفصل عن المحيط ولا عن السياق العام الذي أنتجه. لذا، يصعب على الشاعر أن ينكفئ تمامًا على ذاته مهما تضخّمت هذه الأخيرة ليصبح محور العالم في نصوصه، وينشغل بأشيائه الصغيرة فحسب، لأنّها ليست بالضرورة موضوعًا شعريًا شاملا. فاحتكاك الذات بالآخر هو مصدر التوتر الوجودي الذي يشكّل مادة الشعر. وقوة الشعر تكمن في الارتقاء بهذه المشاعر الذاتية إلى مستوى السؤال الوجودي. إنّها قوة فعل الخلق الفردي داخل المحيط الاجتماعي. فالشعر هو هذا التعبير الداخلي عن الذات باعتبارها كينونة جماعية. دون السقوط في وهم اختزال العالم في ذات الشاعر باعتباره شخصًا متقدّمًا على مجتمعه، يمارس الإبداع بنبوئيّة متعالية. شخصيًّا، أميل إلى القصيدة التي تحتكّ بالواقع وتعبّر عن حيرة وهشاشة الكائن تحت وطأة اللحظة الجماعية بكامل توتّراتها.

هل ستجرّب القصيدة النثرية رغم انتقادك لها؟

الإبداع هو تجريبٌ بالضرورة، وسعيٌ للمغايرة في القول الشعري مواكبةً لتقلّبات الذات وتحوّلات العصر. لكنني لا أعُدُّ نفسي معنيًّا بالتجريب في إطار ما يسمى بقصيدة النثر. وربما كان من حسن حظّ المغاربة أنّ أنسي الحاج ليس منهم. فبالرغم من أنهم من أدرى العرب بالعمّة سوزان برنار وتنظيراتها حول قصيدة النثر منذ بودلير إلى اليوم، إلا أنهم لم يفرزوا على حدّ علمي شاعرًا واحدًا ادّعى الرّيادة في هذا الصنف. بل وحتى الذين كتبوا قصائد نثر وأبدعوا فيها، لم ينتبهوا يومًا إلى ذلك. وأنا لا أعتقد أنه يمكن لشاعر عربي - حتى ولو كان شاعر قصيدة نثر- أن يكتب دون أن يكون ملمًّا بالموروث الشعري والفني العربي، منذ سجع الكهان إلى الشعر بعموده وتفعيلته، وإلا سيكون حاله كحال من لم يسبق له أن رسم قطًّا في حياته ويريد أن يصير، بضربة فرشاةٍ، فنانًّا تجريديًّا. فالشعر اليوم، ربما بسبب التحرّر الكامل من كل القواعد والإكراهات الفنية، أضحى يخفت داخل القصيدة. هكذا أصبحنا، والحمد للانترنيت، ننتج كمًّا هائلا من القصائد المنثورة هنا وهناك. قصائد لا يمتُّ معظمها إلى القصيدة -ولا حتى إلى قصيدة النثر- بصلة. إنه نثرٌ بلا قصيدة.

نتيجة بحث الصور عن الشاعر المغربي طه عدنان

أشرت إلى الإبداع المنشور في مواقع التواصل الاجتماعي.. فكيف تقييم حضورها في الترويج للمبدع؟

بقدر ما تتيح هذه المواقع للناس فرصًا هائلة للتعبير الفردي الحرّ والتواصل المستمر مع الآخر، بقدر ما يتيه في ردهاتها الحوار العميق الهادئ ليعلو اللغط والزعيق. لذا، عندما أقرأ شعرًا على الفيسبوك، أفرح بذلك. فالشعر، والأدب عمومًا، له هذه القدرة على ترسيخ القناعات الحرّة والمستقلة للأفراد، ضمن خطاب منتج للمعنى الجماعي والقيم المشتركة.

الفيسبوك يساهم في تعزيز فرص التعبير وفتح مجالات الإبداع أمام الجميع. وهذا شيء إيجابي. لكن لا شيء يعادل كتابًا شعريًا تقرأه من الغلاف إلى الغلاف لتحيط بالعالم الشعري لصاحبه. ولو أنّ هناك من الشعراء الجدد من قرّر الاكتفاء بالنشر الفيسبوكي. ربما لأنه استَعْذَب اللايكات وإطراءات المجاملة التي يحملها على محمل النقد. أو ربما تهيّبًا من إصدار ديوان شعري في ظلّ واقع النشر الذي يستخفّ بالشعر.

لكنّ مشكلتنا الرئيسة قائمةٌ في التعصّب الذي يتجاوز لدينا المعتقد الديني والمذهبي والسياسي ليطال حتى الاختيارات الفنية والجمالية. فالانتصار لقصيدة التفعيلة لا يتحقّق لدى بعضٍ منّا إلا بمحاربة قصيدة النثر والتنقيص منها، والعكس صحيح جدًّا. لقد أهدرنا الكثير من الوقت في حروب طاحنة حول اختلافات فنية عادية بل ومشروعة. فالأصل في الإبداع هو التعدّد، ولا يمكن لشكل فنّيّ أن يلغي الآخر، إذ في الشعر متّسع للجميع. الشعر قادر على استيعاب مختلف المضامين والصيغ التعبيرية، يكفي أن يجد فيها بعض رحيقه.

هذه المغالاة في الاصطفاف أصبحت تشمل حتى الوسائط. إذا أصبح لدينا من يغالي في ذمّ الفيسبوك، وفي المقابل هناك من يغالي في مدحه. بل ويعتنقه كما لو كان عقيدة.

لقد فتحت عينيّ أدبيّا على نقاشات لا نهائية عن الشعر والحداثة. نقاشات إيديولوجية في جوهرها ضيّعت الشعر دون أن تنتصر الحداثة. لذا لست متحمّسًا اليوم للانزلاق إلى نقاشات مغلوطة من عيار الشعر والفيسبوك. هكذا سنضيّع الشعر، فيما يبقى مارك زوكربيرغ المنتصر الوحيد.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال