الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

38 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

rama daan tarbea

أحمد صالح البسطويسي - باحث في أصول الفقه والشريعة:

الصوم مدرسة إسلامية عظيمة تربي الإنسان بكل مكوناته ومقوماته النفسية والجسدية والروحية والخلقية والاجتماعية؛ لما له من فوائد جمة تنمي الشخصية الإسلامية، إنه مدرسة تربوية كبرى..

يتربى فيها المسلم على الإيمان الحقيقي الذي تزينه التقوى والمراقبة والمراجعة والمحاسبة. والصوم من أهم العوامل والمؤثرات التي تربط الإنسان بخالقه وتوقظه من غفلته فيندم على ما ارتكبه من المخالفات والآثام.

والصيام إعلاء للجانب الروحي على الجانب المادي في حياة الإنسان، وتربية للإرادة والذات، وتعويد على الصبر.. وهل الإنسان إلا إرادة؟.. وهل الدين إلا صبر على الطاعة، أو صبر عن المعصية؟.. وهذان النوعان من الصبر يتمثلان بكل وضوح في عبادة الصيام.

وفي الإنسان كما هو معروف جانب يجذبه إلى أسفل، وآخر يرفعه إلى أعلى، فإذا تغلب عنصر الطين والحمأ المسنون هبط إلى حضيض الأنعام، وإذا تغلّب عنصر الروح ارتقى إلى أفق الملائكة المقربين.

في شهر رمضان تتكامل العبادات بالتسليم بعضها لبعض في رضا وحبور، ينطلق الأذان فترتفع المصاحف، لتقام الصَّلوات، يحدوها الخشوع، والخضوع للحق، وتنتهي الصلوات فيبدأ التسبيح والتهليل والتحميد والاستغفار، ثم تتناول الأيدي المصاحف من جديد؛ لتمتد مائدة الله بين المؤمن وربه في إقبال على الله، بغير إجبار أو تكلف؛ بل بكل المحبة والرضا والتسليم لله رب العالمين.

وفي شهر القرآن تصوم الأجساد عن الأكل والشرب، وتصوم القلوب عن الغل والحقد والحسد، وتصوم الألسن عن قول الزور والكذب والغش والسـب والخوض في أعراض الناس. إن صيام رمضان مدرسة متميزة، يفتحها الإسلام مرة واحدة لمدة شهر في كل عام.. إنها مدرسة التربية العملية على أعظم القيم، وأرقى المعاني، فمن تعرض لنفحات ربه فيها، وأحسـن الصيام والقيام، فقد نجح في الامتحان، وخرج من هذا الموسم الكريـم بتجارة رابحة مع خالقه عزوجل، وأي ربح أجمل من تحقيق المغفرة والعتق من النار؟...

ونعرض فيما يلي لبعض الملامح والقيم التربوية لشهر رمضان الفضيل:

أولا: قيمة التميز

بما أن الله تعالى قد ميز هذا الشهر العظيم عن باقي الشهور الأخرى بالخيرات والبركات التي لا تحصى ولا تعد، فإنه حري بالمؤمن، تبعا لذلك، أن يعظم هذا الشهر وأن يكون هو الآخر متميزا بين الخلائق بالأخلاق الفاضلة، وأعمال البر، وأن يتميز كذلك في تفكيره وسلوكه وعلاقاته وسائر معاملاته، وفي طريقة عيشه، وأيضا في رؤيته وتصوره للإنسان والكون والوجود والطبيعة والحياة. كل هذا، يجعله قد لبس الحلية الرمضانية التي نسجت من خيوط ربانية نورانية لا تبلى ولا تسمل على مر الأزمان والدهور.

إن العقيدة المبنية على التوحيد وإخلاص العبودية لله وحده هي التي تحدد انتماء العبد ومصيره في الدنيا والآخرة. وكذلك نظام المعاملات إذا لم يكن مؤسسا على القيم الأخلاقية الخالصة ومتميزا عن باقي القيم الجاهلية الأرضية يظل أجوف لا قيمة له في سلم القيم الربانية؛ فرمضان يربي المؤمن على مبدأ التميز في المجتمع الإنساني العام، إنه أمر مطلوب من المؤمن في كل أحواله وسكناته وحركاته، لكن وفق النموذج الرمضاني القرآني. وبالتالي، يعتبر التميز معيارا لتقييم سلوكيات العباد وتصوراتهم وتصرفاتهم، وبه يتم تصنيف مراتب الناس ودرجاتهم. فالتقوى، مثلا، معيار أخلاقي يستوي فيه الأبيض والأسود والعربي والأعجمي، لا فرق بينهم إلا بهذا المبدأ القيمي رغم وجود فارق اللون والجنس وغيرهما من الفوارق الدونية. وكذلك العلم، فالله تعالى جعل هذه الأمة القرآنية أمة العلم والمعرفة، إذ لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، لأن الله يحب أن يعبد عن علم وليس عن جهل.

ثانيا: قيمة الحرص

يبدو المؤمن في هذا الشهر الكريم أكثر حرصا على فعل الخيرات وسلوك سبل البر والحسنات. فتراه يواظب على الصلاة في وقتها جماعة، ويكثر التردد على بيوت الله، والاستماع إلى دروس الوعظ والإرشاد. كما يخصص وردا يوميا للذكر وتلاوة القرآن. ويتفقد أفراد عائلته فيزورهم ويدعوهم إلى مائدة الإفطار في بيته. ويلجم نفسه عن السقوط في الرذائل وسفاسف الأعمال ومحقرات الأقوال. إنه يكون حريصا على ألا يصدر منه إلا طيب، مانعا نفسه من كل خبيث مهما كان نوعه. والدنيا لا تسعه في هذا الشهر المبارك، فكأنه يعيش في جنة فوق الأرض بما أحاط الله هذا الشهر من يمن ورحمة وسكينة وبركة.

إن هذا الحرص على مكرمات الأفعال، وفضائل الأعمال، يخلق لدى المؤمن عادة جميلة تأصلت في نفسه، وتجذرت في كيانه، وصارت دماء تسري في عروقه وشرايينه. فالعادة عندما تتأصل في المرء وتترسخ تصبح صفة ملازمة له وسمة لا تفارقه.

ثالثا: قيمة الصبر

يتدرب المؤمن في رمضان على الصبر على الجوع والعطش والامتناع عن الشهوات. ويقوم المؤمن بعد ذلك بتعميم خصلة الصبر التي تعلمها من صيامه على جميع نواحي حياته الأخرى، فيتعلم الصبر على تحمل مشاق السعي وراء الرزق، وآلام المرض، ومتاعب الحياة ومصائبها، ونكبات الدهر.

والصبر من الخصال الإنسانية الحميدة التي أوصى الله تعالى بها المؤمن، فهي خير معين له على تحمل مشاق الكفاح في الحياة، ومجاهدة النفس، ومقاومة أهوائها وشهواتها.

وإذا تعلم العبد الصبر على تحمل مشاق الحياة، ومصائب الدهر، والصبر على أذى الناس وعداوتهم، والصبر على عبادة الله وطاعته، وعلى مقاومة شهواته وانفعالاته، والصبر على العمل والإنتاج، فإنه يصبح إنسانا ذا شخصية ناضجة متزنة متكاملة منتجة وفعالة، ويصبح عصيا على القلق، وفي مأمن من الاضطرابات النفسية والهلوسات الشيطانية.

رابعا: الانضباط وقوة الإرادة

إنّ تحلي المؤمن بهذه الخصلة، خصلة الصبر الرائعة، في حياته يولد لديه خصلة الانضباط الذاتي التي تجعله يضبط شهواته ويسيطر عليها مدة شهر كل عام، وسيؤدي ذلك، دون أدنى شك، إلى تعليم الإنسان قوة الإرادة، ومضاء العزيمة، لا في التحكم في شهواته فقط، وإنما في سلوكه العام في الحياة، وفي القيام بمسؤولياته وأداء واجباته، ومراعاة الله تعالى في كل ما يقوم به من أعمال. وفي ذلك أيضا تربية لضمير الإنسان، فيصبح ملتزما على الدوام بالسلوك الحسن الأمين بوازع من ضميره من غير حاجة إلى رقابة عليه.

إن أسمى ما يصل إليه المرء من خلال الصيام هو المراقبة الذاتية التي ترسم الحدود ولا تتعداها، وتقف عند الموانع ولا تتجاوزها، وتتبصر الشبهات ولا تقع فيها. إن هذا التحكم الآلي الذاتي لا يحس بلذته وحلاوته إلا من صام هذا الشهر إيمانا واحتسابا. وهذه الخصلة عندما تتأصل في العبد تراه دائما يتحرك ويتصرف بانضباط واعتدال واتزان، وكأنه يعمل وفق منظومة أخلاقية مبرمجة داخل الذات فلا يمكن أن يحيد أو يزيغ عنها.

ولعل هذه الخصلة هي غاية ما يصل إليه المرء وهو يصوم ويعبد الله خلال هذا الشهر العظيم. فالصوم وظيفة فردية أولا، قبل أن يكون وظيفة جماعية. فالعبد مثلا لو أراد أن يفطر أو يأتي ببعض الأعمال المفطرة فمن يمنعه من ذلك؟ أو من سيراه من الخلق وهو يرتكبها؟

إذن، فالصيام يربي في الإنسان وازعا دينيا وأخلاقيا يصده عن فعل ما يناقض مبادئ دينه وقيمه الأخلاقية، وزيادة على ذلك، فهو يمنحه المناعة الذاتية والحصانة النفسية حتى لا يقترب من كل ما يلوث شخصيته وخلقه. وبالتالي فإنه سيمضي في طريق الطاعة، وفي مسالك الواجبات التي يطالب بها مجتمعه، دونما حاجة إلى رقيب أو مراجع، لأن الإنسان في هذه الحال سيحاسب نفسه، وينتقد ذاته، فيصير مواطنا كاملا، وفردا مأمونا في كل الأحوال. كما يغرس فيه عادة النظام، لأنه يصوم بميقات، ويفطر بميقات، ويشعر بروح جماعية كبرى حين يتذكر أن ملايين المؤمنين يصومون ويفطرون مثله، فلا عجب فكلهم أبناء عقيدة واحدة، يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10).

خامسا: استحضار المعاني الربانية

يعلم المؤمن جيدا، شرعا وعقلا، أن هذا الشهر يعتبر من أعظم الشهور عند الله تعالى، ففيه أنزل القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية وناسخها، وفيه كذلك حدثت أكبر غزوة في تاريخ الإسلام، غزوة بدر، وكان فيها النصر للمسلمين، وما يزيده عظمة، أيضا، أن الصوم سر مودع في أمانة المؤمن، وجزاؤه متروك لله عزّوجل كما ورد في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (رواه البخاري ومسلم)، والأعمال والحسنات في هذا الشهر الكريم تكون مضاعفة أضعافا كثيرة ويزيد الله لمن يشاء.

إن استحضار المؤمن هذه المعاني الربانية العظمى لشهر رمضان يزيده تحفزا إلى الاستزادة من فعل الخيرات، ويقوي إرادته وعزيمته على مواصلة العمل الطيب، والاستمرار على هذا النهج الرمضاني على امتداد شهور العام كله، ويتواصل ليشمل العمر بكامله، ويغطي المساحة الزمنية المعيشة.

والشيء الجميل، في هذا الشهر الكريم، والذي يدخل الفرح في نفسية المؤمن، أنه يتكون لديه اقتناع يقيني بالنصرة الإلهية، وأنه منصور من لدن الله عزوجل، وأن الله تعالى وعد عباده المؤمنين بالنصر والتأييد، وذلك حق عليه تعالى. كما يدرك المؤمن أيضا، أن من ارتضى النصرة والعون من غير الله فما له من ولي ولا نصير، ومآله الذل والهوان. بالإضافة إلى ذلك، يتوصل العبد إلى أن هذا النصر الإلهي لا يتحقق إلا بالأخذ بالأسباب وبذل الجهد والعمل والحركة، وذلك قانون إلهي حتمي في كونه.

سادسا: فوائد نفسية واجتماعية وصحية

من الفوائد النفسية والاجتماعية التي يجنيها الصائم من صيامه في هذا الشهر الفضيل أنه يشعر بآلام الجوع إن كان من طبقة الأغنياء، ويبعث في نفسه عاطفة الرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين، فيدفعه ذلك إلى البر بهم والإحسان إليهم، والقيام بأمر المحتاجين, والرعاية في هذه الحياة، مما يقوي في المجتمع روح التعاون والتضامن والتراحم والتكافل الاجتماعي.

إضافة إلى ذلك، فإن في الصيام تربية وتهذيبا وعلاجا لكثير من أمراض النفس والجسم، فهو يعمّق في نفسية المؤمن مشاعر وأحاسيس نبيلة كالفرح والحلم والرحمة والشفقة والتسامح. ويدرك العاقل أن هذه المشاعر لا تتقوى ولا تحضر بشكل كبير إلا في هذا الشهر العظيم، ومن ثم يكون خليقا بالمؤمن أن يستغل هذه المحطة الإيمانية وينهل منها، ويتزود بما لذ وطاب من القيم والأخلاق الكريمة، لكي تعينه وتساعده في مسيرة حياته، ويتقوى بها لتفادي جميع الأمراض النفسية والاجتماعية التي قد تعترض سبيله.

أما الفوائد الصحية للصيام فهي كثيرة، ويكفي أن نقول في هذا السياق: إن الأطباء ينصحون بالصوم في كثير من حالات المرض كعلاج للوصول إلى العافية والشفاء.

وفي رمضان، أيضا، يتذكر المؤمن أن دوام الحال من المحال، فمن غنى إلى فقر، ومن شبع إلى جوع، ومن استغناء إلى احتياج، فإذا لم يتعود الإنسان على هذه الأحوال المختلفة لم يقو على مواجهة نوائب الزمان، ومصائب الدهر؛ لأن الحياة غير مأمونة العواقب، فهي يوم لك ويوم عليك. ولهذا قال عمر الفاروق رضي الله عنه: «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم».

إن أهم ما يجب أن يصل إليه المرء خلال هذا الشهر العظيم، أن يشعر ويدرك أنه ليس مأمورا بفعل هذه الفريضة بقدر ما يشعر عقلا وشعورا بأنه منغمس في حب رب هذه الفريضة، وبالتالي فهو يقوم بها حبا لمن كتب هذه الفريضة. وعليه يكون فعله وعمله وكل حركاته وإحساساته هي، ضمنيا، سلوك حب، وفعل رضا؛ لأن الذي جعله يأتي بهذا الأمر الإلهي ليس هو الأمر ذاته وإنما حب صاحب هذا الأمر.

وبناء عليه، يكون الحب الإلهي هو مصدر فعل المأمورات وترك المنهيات واجتناب المشتبهات. ولا يتم هذا الحب الإلهي إلا بحب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علمنا كيف نصوم وكيف نأتي بباقي الفرائض والعبادات الأخرى، وإليه يرجع الفضل في تعليمنا كيف نحب الله، وكيف نكون من المقربين لديه، ومن المذكورين عنده في ملئه الأعلى. 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال