الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

66 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

eU titl

د. المحجوب قدار - دكتوراه في التاريخ والتراث - المغرب:

على الرغم من الصمت الذي طال أخبار النساء بين ثنايا مصادر العصر الوسيط الإسلامي مقارنة بالرجال، إلا أن ما وصلنا من أخبارهن يدل على المكانة المرموقة التي بلغتها بعض النساء وسط المجتمع في مختلف المجالات..

ويعد المجال الطبي من بين المجالات التي أبانت فيها المرأة المغربية عن براعتها وحرفيتها الكبيرة، إلى درجة الترجمة لها من طرف مؤلفي الفترة الوسيطية على قدم المساواة مع رجال عصرها من المتفوقين والمميزين في مجالاتهم. ومن بينهن الطبيبة الماهرة عائشة بنت الجيار السبتية التي عاصرت الدولة المرينية. كتاب «بلغة الأمنية» المصدر الوحيد الذي ترجم للطبيبة عائشة بنت الجيار في الواقع تبقى المصادر التي ترجمت للنساء خلال العصر الوسيط قليلة جدا مقارنة بالرجال، لذلك فلا شك أن الكثير من النساء قد أهملت أخبارهن لأسباب مرتبطة بالثقافة الذكورية التي غلبت على المجتمع وقتئذ. لذلك فليس غريبا أن أخبار الطبيبة عائشة بنت الجيار لم ترد - على حد علمنا - سوى في مصدر وحيد، وهو الكتاب المسمى «بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب» لمؤلف مجهول عاش بين نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الهجري. وتعد الطبيبة عائشة بنت الجيار المرأة الوحيدة التي ترجم لها في كتابه الذي ضم 48 ترجمة(١)، مما يعكس المكانة التي كانت لهذه الطبيبة ليس في حقل الطب فقط بل في ميدان العلوم عموما.

أما مؤلف الكتاب فهو غير معروف، توفي بعد سنة 820هـ/1417م، وهي السنة التي انتهى فيها من تأليف كتاب «بلغة الأمنية». على الرغم من أن البعض قد رجح أن يكون هو نفس مؤلف كتاب «اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار» وهو محمد ابن القاسم الأنصاري السبتي(٢)، لكن بدون قرائن واضحة يصعب القطع بهذا القول، ليبقى مؤلف «بلغة الأمنية» مجهولا إلى الآن. وقد تم تحقيق هذا الكتاب لأول مرة علـى يد محــمد ابن تاويت التطواني، ونشر في مجلة تطوان ضمن العدد التاسع في سنة 1964م في حوالي عشرين صفحة، ثم حققه للمرة الثانية عبدالوهاب بن منصور سنة 1984م/ 1404هـ.

طبيبة من بيت علم وأدب

تنحدر الطبيبة عائشة من بيت بني الجيار، أحد البيوتات السبتية العريقة في العلم والأدب، عرف أبوها الشيخ أبو عبدالله بن الجيار ببراعته في الكتابة، كما تقلد خطة الحسبة بمدينة سبتة(٣) خلال القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي(٤)، وقد أتاح لها هذا الوسط العملي الذي نشأت فيه إمكانية التعلم والاحتكاك بالعلم والعلماء منذ نعومة أظافرها. تعلمت الطب على يد صهرها الشيخ أبي عبدالله الشريسي (ت 771هـ/ 1369م)، الطبيب الماهر المعروف بمكانته المكينة عند الأمراء والملوك، والمشهور عند العامة بحكيم الرعاء(٥). ومما يبرز علو قدر الشريسي أن السلطان أبا عنان قال عنه: «اختصت سبتة بأربعة رجال دون سائر بلاد المغرب، كملوا في عصرهم خلقا وخلقا، وسماهم، ومن جملتهم الطبيب أبو عبدالله هذا»(٦).

وهكذا كان من نصيب بنت الجيار أن تتعلم الطب على يد أحد كبار الأطباء في سبتة والمغرب الأقصى عامة خلال تلك الفترة، لذلك فليس غريبا أن تتقن مهنة الطب وأصولها، حتى اشتهرت بين أطباء عصرها من الرجال. ولا غرو فصاحب «البلغة» قد قال عنها: إنها قد نبغت في علم الطب(٧)، ولولا ذلك ما ضمنت لاسمها مكانا ضمن من ترجم لهم. وقد ساعدتها على ذلك الخصال التي تميزت بها، فقد كانت «امرأة عاقلة، عالية الهمة، نزيهة النفس، معروفة القدر، لمكان بيتها»(٨). فضلا عن دور الوسط الأسري العلمي، الذي نبتت فيه، في صقل شخصيتها، وتنمية مواهبها.

مهارات طبية مميزة

لا شك أن الطبيبة عائشة قد أتقنت الطب علما وعملا، وبرعت فيه براعة معلمها أبي عبدالله الشريسي، ولا غرو فقد كانت عارفة بالأدوية والعقاقير وما يختص بها، بصيرة بالماء وعلاماته(٩). وقد أهلها ذلك لدخول بلاطات الأمراء والملوك، وجعلها مقبولة عندهم، إذ كانوا يتحفونها بالهدايا والتحف لقاء خبرتها ومهارتها، حتى تأتت لها الرباع والأملاك الكثيرة من وراء تلك الحرفة. واستمر بها الحال سيدة محفوظة المنصب، محترمة الجانب، إلى أن توفيت رحمها الله. وقد عرفت عائشة بنت الجيار، إلى جانب اهتمامها بالتطبيب، بالإحسان وبذل الخيرات، فقد عهدت قبل وفاتها بتوقيف رباعها وأملاكها في وجوه الخير، وسبيل الخيرات(١٠).

ونظرا لمكانتها وعلو كعبها فقد صنفها عبدالله كنون ضمن أعلام المغرب الذين بصموا الثقافة المغربية خلال الفترة المرينية(١١)، كما تم إدراج اسمها ضمن معلمة المغرب كإحدى الطبيبات البارعات(١٢). ونجد اسمها أيضا ضمن الأعلام الذين ذكرهم محمود عبدالعزيز الزعبي ضمن كتابه «المحكم في تاريخ الطب»، وقد ذهب صاحبه إلى أن الطبيبات في المغرب الأقصى وقتئذ كن كثيرات، قياسا على عدد المدن الكثيرة كفاس ومراكش ومكناس وسجلماسة وغيرها، ونظرا لحاجة المارستانات، التي كانت منتشرة في الحواضر الكبرى، للأطباء والصيادلة(١٣). أما شوقي ضيف فقد اعتبرها من أوليات المغربيات اللاتي برعن في علم الطب خلال العصر المريني بعدما كان حكرا على نساء بني زهر خلال العصر الموحدي(١٤). وتجدر الإشارة إلى أن كل هؤلاء استقوا معلوماتهم من كتاب «بلغة الأمنية» لكاتبه المجهول.

خاتمة

قصارى القول: إن التراث الإسلامي خلال العصر الوسيط يزخر بالعديد من الإنجازات التي غطت كل المجالات، كما أسهمت فيها مختلف شرائح المجتمع رجالا ونساء، ولم يكن نموذج الطبيبة عائشة بنت الجيار سوى مثال ضمن عديد الأمثلة التي تثبت تفوق المرأة في مجالات كانت تعد في تصور الكثير أنها حكرا على الرجال. ومن البديهي أن الطبيبة عائشة بنت الجيار قد استطاعت إثبات نفسها في المجتمع اعتمادا على مقومات ذاتية تتمثل في عنصري الإرادة والإتقان، وأخرى موضوعية تتجسد في الانتماء إلى بيت علم وأدب.

الهوامش

1- مؤلف مجهول، بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب، أورده محمد بن تاويت ضمن مجلة تطوان، عدد. 9، 1964، ص 188.

2- نفسه، ص 174.

3- تعد سبتة إحدى المدن التاريخية المغربية العتيقة تقع في أقصى الشمال الغربي للمغرب الأقصى، تحتل موقعا استراتيجيا في منطقة تضاريسية مرتفعة تطل على البحر الأبيض المتوسط، الشيء الذي أهلها للقيام بأدوار تاريخية مهمة في حوض البحر المتوسط الغربي، كما اشتهرت بكونها فضاء سياسيا وتجاريا وثقافيا. سقطت في أيدي الاحتلال البرتغالي سنة 808 هـ/ 1415م لتحتلها اسبانيا سنة 1497م. وبالرغم من المحاولات التي قام بها المغرب لاسترجاعها من أيدي المحتل منذ بداية احتلالها إلا أنها مازالت في يد المحتل الاسباني إلى حد اليوم. معلمة المغرب، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر مطابع سلا، 1422هـ/ 2001م، ج. 14، ص 4842- 4851.

4- مؤلف مجهول، بلغة الأمنية ...، م. س، ص 187.

5- نفسه، ص 186.

6- نفسه، ص 186.

7- نفسه، ص 187.

8- نفسه، ص 188.

9- نفسه، ص 188.

10- نفسه، ص 188.

11- كنون عبد الله، النبوغ المغربي في الأدب العربي، ط. 2، دون تاريخ، ج. 1، ص 203، 215.

12- معلمة المغرب، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر مطابع سلا، 2003م/ 1424هـ، ج. 17، ص 5860- 5861.

13- الزعبي محمود عبد العزيز، المحكم في تاريخ الطب، أمواج للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، 2009، ج. 2، ص 596.

14- شوقي ضيف، عصر الدول والإمارات الجزائر - المغرب الأقصى - موريتانيا- السودان، دار المعارف، ط. 1، القاهرة، دون.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال