الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

65 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 11830264 681242192011997 1630948292 n

القاهرة – الوعي الشبابي:

يضم كتاب "كوني صحابية" مجموعة مقالات موجه تحديدًا للفتيات للفئة العمرية تحت العشرين وربما أكبر قليلا فترة المراهقة، يتحدث في الجزء الأول منه بأسلوب سهل وبسيط عن حياة الصحابيات لربط حياة الفتاة خلال تعاملاتها اليومية بصور الصحابيات ومواقفهن، وبعض المقالات لترقيق القلوب ودعم الفتيات نفسيا في تلك المرحلة من العمر، إضافة إلى ما يشغل الفتيات في سن المراهقة من عدم رضاهن عن الشكل والجمال، وبداية التفكير في الزواج، وبعض المقالات عن المشاعر.

والكتاب صادر عن دار البشير للطبع والنشر والتوزيع للكاتبة حنان لاشين وفيه تخاطب الكاتبة كل فتاة قائلة: "كوني صحابية، واستمتعي بهذا الإحساس الرائع وأنتِ على الطريق، ولتنهلي من حلاوة الإيمان ولذة الطاعة".

وتدعو الكاتبة بنات حواء إلى التحلي بأخلاق الصحابيات اللاتي مرت بهن الفتن والمحن فلم يزدهن ذلك إلا تثبيتاً.

القلب المهاجر

تذكرنا الكاتبة بقصة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، وهي فتاة رقيقة انتفض قلبها ودقّ وسبّح بحمد الله فهاجر وحيدًا، تارِكًا الأب، والأهل، والدار، والمال، والجاه، واستجاب لنداء الحق، وأسلم مع الحبيب محمد صلّ الله عليه وسلم.

إنه قلب الحبيبة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها.. هاجرت بقلبها واشتاقت لهذه الراحة والسكينة التي يحتويها ديننا، فآمنت وأسلمت رغم أنها كانت ترى والدها (عقبة) وشقيقها (الوليد) والآخر (عمارة) - يتفنّنون في تعذيب العبيد والضعفاء لأنهم أسلموا.. فلم تتراجع بل حلّقت معهم، وهاجرت بنفسها عندما اتخذت قرارًا شُجاعًا فخرجت من بيتها لتهرب بدينها مهاجرةً إلى المدينة.

وحيدةٌ لا تجد من يصاحبها ويؤنسها، احتواها الليل بظلمته، وقست عليها الشمس الحارقة فأظمأتها فلم تتراجع وبلّلت شفتيها بالتسبيح، وتمسّكت بأطراف حجابها تطلب منها الأمان، واستعانت بدقات قلبها تسألها الأُنس في الطريق الوعرة، حتى الرمال الناعمة لم ترحم أقدامها الصغيرة فصارت تبتلعها بدقتها ورِقتها ورغم هذا.. أكملت الطريق مُهاجِرةً على قدميها من مكة إلى المدينة بروحٍ شريفة وقلب مهاجر.

وأخيرًا وصلت.. وأخيرًا فرِحت، وها هي في المدينة، لكنهم سرقوا منها فرحتها عندما سارع أهلها للمدينة طالبين من النبي أن يرجعها التزامًا بصُلح الحديبية، وبنود المعاهدة التي نصّت على إرجاع كل من أتى من مكة مُسلمًا وردِّه لأهله.

حزِنت الحبيبة واعتصر فؤادها المهاجر ألمًا، وارتفع مُحلِّقا في السماء يبتهل ويتوسّل إلى الله، فارتجت السماء، واهتزت أجنحة الملائكة، واقترب الأمين جبريل حامِلًا لآياتٍ أنزلها الله عز وجل رحمةً بقلبها، وقال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}  .

الله أكبر..هنيئًا لك أيها القلب المُهاجِر، الآن فقط تستطيع أن تفتح جناجيك وتُحلِّق بأمان..هكذا كانت حبيبتنا، فهاجري بقلبكِ مثلها.. وكوني مثلها.. كوني صحابية.

الياسمينة الحلوة

لم تكن تعلم أنها ستحبُّه هكذا؛ فكلُّ لحظة تمرُّ وهو أمامَها بوجهه الطيِّب تزيدها عشقًا وحبًّا له!، كانت عيناها لا تغادران صفحة وجهه وهو يُخْبِرُها بموعد السفر: سنرحل اليومَ يا حبَّة القلب.

ارتدَت ثوبًا خشع على بدنها، وتستَّرت بجلبابها، وسارت بحياءٍ تتحرَّى موضع قَدَمِه لتضع قدمها مكانه حبًّا وطاعةً، وكيف لا، والقلب يتبع القلب؟! وقد سكن قلبُها لديه رضي الله عنه وأرضاه، إنها أسماءُ بنت عميس، تلك الشريفة التي هاجرت بدينها مع زوجها جعفرٍ إلى الحبشة، في فضاءٍ واسعٍ تسابقت ذرّات الرمال لتَلْثِم أقدامهما الشريفة، التي حملت التوحيد بوجلٍ في قلبها لتهاجر به.

حرارة شمس النهار لم تحجب وجهه المستضيء عن عينيها، وظلمة الليل لم تنجح في ابتلاع ملامحه الوضّاءة، وكيف تخفي الظلمات وجهًا يشبه في خَلْقه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

وأراد الله أن يلطف بهذا القلب الأخضر، فرزقت الحبيبة من زوجها بصغير كان أول صبيانها، إنه “عبدالله” أول الفرحة.

كسَتِ البهجة وجه “جعفر” وهو يحمل ابنه بين يديه، إنه يشبهه، يشبه أباه، وأبوه يشبه الحبيب صلى الله عليه وسلم، تذكره وهو ينظر إليه ويقول له: “أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي”، يا حبيبي يا رسول الله!

ازداد شوقُه للقاء النبي صل الله عليه وسلم، فكلما أطلَّت عيناه على ولده اشتاق له، وكلما تطلعت “أسماء” بعينيها بين زوجها وولدها تذكرت النبي صل الله عليه وسلم، فاشتاقت لشرف جواره وصحبته، البيت كله يشتاق إليك يا رسول الله!

ومرَّت الأيام والشوق ما زال يجول هنا وهناك في جنَبات البيت الطيب، ولدَت أسماءُ بعدها محمدًا، وعونًا، وانشغلت برعاية حبّات قلبها الثلاث، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المهاجِرين بالتوجه إلى المدينة، استبشَرَت وكادت تطير من الفرح، وحملت صغارها وعادت تسير خلف زوجها تبحث عن آثار أقدامه لتضع قدمها مكانها، على خطى حبيبها تسير حبًّا وطاعةً.

وبعد طريق طويل وصل الأحباب أخيرًا، وتقدم جعفرٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم فتلقاه بالبِشْر، وقبَّل جبهته، وهو يقول: “والله ما أدري بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟”.

وكان لا بد من ألم وابتلاء؛ توجه جيش المسلمين إلى الشام، وهناك في أرض المعركة اختار الله حبيبها وقرّة عينها وأول فرحتها “جعفر” ليفوز بالشهادة في سبيله، ويأتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتها، وعلى وجهه التأثر..

سأل النبي صلّ الله عليه وسلم عن الصبيان الثلاثة، فضمَّهم إليه، وشَمَّهم ومسح رؤوسهم برحمة، وذرفت عيناه الشريفتان الدموع.

اقتربت أسماء، والجزع قد ملأ كِيانها، وقد وقع في نفسها ما تخشاه فقالت بوهنٍ:

بأبي أنت وأمي، ما يُبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟

قال: نعم، أُصيبوا هذا اليوم.

انفطَر فؤادها، وجُرح قلبها جرحًا بليغًا لفِراقِ حبيبها وقرة عينها، فانهارت باكيةً، تبكي الحبَّ والشباب، وتتوجع رُوحها ألَمًا من الفِراق، واساها صلى الله عليه وسلم، ودعا لها.

ويأتي النبي صل الله عليه وسلم مرة أخرى ويسلّم على ابنها:”السلام عليك يا بنَ ذي الجَناحين”، تدرك أسماء - رضي الله عنها - معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لولدها؛ فقد أبدله الله عن يديه المقطوعتين - وهو يحاول أن يحتضن راية التوحيد بأي قطعة من جسده حتى لا تهان وتسقط على الأرض - جَناحينِ يطير بهما حيث شاء!.

لم تمضِ فترة طويلة حتى خطبها أبو بكر - رضي الله عنه - وذلك بعد وفاة زوجته أم رومان - رضي الله عنها - ولم يكن لأسماء أن ترفض مِثل الصِّدِّيق، وهكذا انتقلت إلى بيت الصِّدِّيق لتستلهم منه المزيد من نور الخُلق والإيمان، ولتضفي على بيتِه الحب والوفاء، ورُزِقت منه بولد، وكانت الزوجة المخلصة الوفية، تعينه على حمل الأمانة وأداء الرسالة وهو خليفةٌ للمسلمين، صابرةً محتسبةً، ومُحبةً ودودة، وأمًّا رحيمةً عظيمةً، ولكن ذلك لم يدُمْ طويلاً؛ فقد مرض زوجها واشتد عليه المرض، وأخذ العرق يتصبَّبُ مِن جبهته، فأحس بشعور المؤمن الصادق بدنوِّ أجله، فسارع بوصيته: أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - كلَّفها بالأمانة!

وكان مِن وصيته أيضًا: أن تُفطِرَ في هذا اليوم، وقال لها: (هو أقوى لك)، وشعَرت أسماء بقرب الفاجعة، فاسترجعت واستغفرت، وثبَّتها الله - عز وجل - كما ثبتها من قبل، وهي لا تميل بنظرها عن وجه زوجها الذي علاه الذبول إلى أن أسلَم الرُّوح إلى بارئها، فدمعت العين، وخشع القلب، وانفطر الفؤاد مرة أخرى.

لكنها لم تقُلْ إلا ما يرضي الله - تبارك وتعالى - فاحتسبت وصبرت، ثم قامت بالمَهَمَّة التي طلبها منها زوجها، حيث كانت محلَّ ثقته، فبدأت بتغسيله وقد أضناها الهم والحزن.

ونسِيت وصيته الأخرى، وظلت صائمةً، وعندما جاء المهاجرون قالت لهم: إني صائمةٌ وهذا يومٌ شديد البرد، فهل عليَّ مِن غسلٍ؟ فقالوا: لا، وفي آخر النهار تذكرت وصية زوجها بأن تفطر، فماذا عساها أن تفعل الآن والوقت آخرَ النهار، وما هي إلا فترة وجيزة وتغرب الشمس ويفطر الصائمون؟ فهل تستجيب لعزيمة زوجها ووصيته؟ نعم.. أطاعته حتى بعد وفاته، ودعت بماء وشربت وأفطرت وفاءً له! وقالت: واللهِ لا أتبعه اليوم حِنثًا.

ولزِمت بيتها ترعى أولادها من جعفر ومن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - تضمهم إلى صدرها، ومرت الأيام... وها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أخو جعفرٍ الطيار ذي الجَناحين يتقدم طالبًا الزواج منها، وبعد تردُّد قررت الموافقة على الزواج منه؛ لتتيح له بذلك الفرصة لمساعدتها في رعاية أولاد أخيه جعفر.

وانتقلت معه إلى بيته، وتمر الأيام ويشاهد علي - رضي الله عنه - ولدًا لأخيه جعفر يتشاجر مع محمد بن أبي بكر، وكل منهما يتفاخر على الآخر، ويقول: أنا أكرم منك، وأبي خيرٌ مِن أبيك، ولم يدرِ عليٌّ ماذا يقول لهما! وكيف يصلح بينهما بحيث يرضي عواطفهما معًا!

فما كان منه إلا أن استدعى أمَّهما أسماء، وقال لها: اقضي بينهما، وبفكر حاضرٍ وحكمة بالغة قالت: ما رأيت شابًّا من العرب خيرًا من جعفر، ولا رأيت كهلاً خيرًا من أبي بكر.

وهكذا انتهت المشاجرة، وعاد الصغيرانِ إلى التعانق واللعب، ولكن عليًّا المعجَبَ بحُسن القضاء بين الأولاد، التفَت إلى زوجته الذكية العاقلة، وتأمَّلها بإعجابٍ ونفسه راضيةٌ، وازداد حبًّا وإجلالًا لها.

واختار المسلمون عليًّا - رضي الله عنه - خليفةً بعد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأصبحت أسماء للمرة الثانية زوجًا لأمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم أجمعين، ويا له من شرف!

ثبتت حبيبتنا، وتجلَّدت، واستعانت بالصبر والصلاة على ما ألمَّ بها، فبقيت رمزًا تتعلَّم منه كل امرأة فقَدَتْ زوجها.

عاشت “أسماء” كغُصن الياسَمِينِ؛ فقد صبرت رغم الإقامة الجبرية على الأرض القاسية عندما استُشهِد زوجها في أول حياتها وهي ما زالت كغصن لينٍ أخضر، وتحملت شحَّ الحياة كما تتحمل شجرة الياسمين شح الماء، وكلما فقدت عوامل الصمود لتكسر أغصانها، رزقها الله ظلاًّ تستظل به، فكان زواجها من “الصِّدِّيق” أولًا، ثم من “علي” بعده رضي الله عنهما وأرضاهما.

لم تمنعها المعاناة وقسوة الحياة وتلك الجِراح التي جنتها مِن منح كلِّ مَن حولها الحبَّ والحنان والرفق والأمان.

نشرت حولها رائحةً طيبةً تريح النفس والبال، ومنحت مَن حولها الحبَّ حتى النهاية وعيناها على الجنة.

كوني يا صاحبة الفؤاد المفطور المكلوم على حبيبك كأسماءَ بنت عميس. كوني ياسمينة حُلوة على غصنٍ أخضرَ، تشبَّهي بأشجار الياسمين، واثبُتي. كوني مثلها.. كوني صحابيةً.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال