ty777

القاهرة - أحمد فوزي حميدة:

يبدأ مؤلف كتاب (العلم والعلماء) لفضيلة الشيخ زين بن عبدالعزيز الفياض بالقول: إذا كانت الدول الأوروبية والأمريكية تباهي بما وصلت إليه من تقدم في العمران والصناعات والاختراعات وما وصلت إليه من علم ومعرفة، فإن المسلمين يعتزون بما لديهم من قرآن وسنة مطهرة ومن سيرة السلف الصالح التى رسمت نهجاً عظيماً، وأبقت أثرا فائقا يحتذى في ميادين العلم والحضارة والازدهار، وقد أراد الغرب المستعمر كجزء من حملته على الإسلام أن يبعد المسلمين عن تراثهم، فنشأت أجيال جاهلة بأمجادها، معجبة بثقافة أوروبا وحضارتها ومدنيتها.

ويقول فضيلة الشيخ -رحمه الله- في كتابه: لقد آن الأوان لكي يدرس أبناء المسلمين علم أوائلهم وأن يبحثوا عن الكنوز التى ورثوها لخلفهم بعد عناية فائقة واجتهاد بالغ وتصحيح وتمييز. ثم يدلف الشيخ إلى متن مادة كتابه وفق تسلسل تبويبه، بادئاً بقسم الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله، وآداب العلم ، وهيبة العلماء وتوقيرهم، وضرورة نشر العلم، وآداب سؤال العلماء، وأهمية (لا أدري) فيما لا يعلمه، والحرص على جمع الكتب، والطب عند العرب، ثم يتجه إلى نوع آخر من التعليم الذي يربي الأخلاق والفروسية وينتهي في كتابه بأبواب: طرائف العلماء، وفكاهات ومُلَح، وأجوبة طريفة، نبوغ العميان والمبصرين، والعلم يقوي الإيمان.

ويختتم كتابه بباب متفرقات ضم فيه حكايات العلماء ومواضع وأسباب نبوغهم وأحوالهم في مدنهم والقرى التى سكنوها.

وكتاب "العلم والعلماء" صدر عن دار "الألوكة" للنشر - في باكورة مطبوعاتها - للشيخ المربي "زيد بن عبدالعزيز الفياض" - رحمه الله - وهي أول مرة تطبع فيها مؤلفات الشيخ "زيد الفياض"، ومخطوطات كتبه، وتراثه، وينشر نتاجه العلمي والأدبي المميز في صورة مشروع متكامل، بالتعاون مع أسرته، وهذا الكتاب - خاصةً - يعد من أمتع ما جمعه الشيخ "زيد الفياض" بدأبه وحسن انتقائه، وضم منثور حكمه ولطيف فوائده؛ من خلال سعة غوصه في بطون كتب التراث، ودربته في النظر في أسفار التراجم وسير أهل العلم؛ حيث نلمح من خلال فصول هذا الكتاب سعة حب الشيخ الراحل "زيد الفياض" للعلم والعلماء، واحتفاءه بهم، وبسيرهم، وبما ورد في أخبارهم وتراجمهم.

وقد أراد الشيخ "زيد الفياض" بمصنفه هذا تذكيرَ العرب والمسلمين بفضل أسلافهم الأوائل في الاهتمام بالعلم، وتقدير أهله، وريادتهم في تأصيل النزعة العلمية وقت تسيد المسلمين العالم، ويرى الشيخ "الفياض" أن تأخر المسلمين في الوقت الحالي راجع لمؤامرة استعمارية خبيثة، هدفت في المقام الأول إلى الحط من شأن العلم، وقتل الكفاءات العلمية في البلاد الإسلامية؛ حتى لا ينتبه المسلمون إلى طريق ريادتهم، وبعثهم من انحطاطهم الحضاري في المستقبل، يقول الشيخ "زيد الفياض" في مقدمة كتابه:

ويرى الشيخ "زيد الفياض" أن السبيل إلى استعادة الريادة الحضارية التي تُعَد من أهم خصائص الإسلام ومقوماته الحضارية لن يكون إلا بالعودة إلى مَعِينَي الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وتطبيقهما واقعًا حياتيًّا معاشًا، إلى جانب دراسة علم الأوائل، والبحث عن الكنوز التي ورثها السلف للخلف بعد عناية فائقة، واجتهاد بالغ، وتبويب وترتيب، وجرح وتعديل، وتصحيح وتمييز.

وحاول الشيخ "زيد الفياض" في هذا الكتاب أن يعطي "صورة مصغرة لحال أولئك العلماء المسلمين الذين قدموا للإنسانية علمًا عظيمًا، وتراثًا حافلاً"؛ عله يكون ذلك دافعًا للعودة إلى تقدير العلم وآله، وعلو الهمة من جانب شباب الإسلام في الاهتمام بالتراث العلمي الذاخر لعلماء المسلمين في العصور السابقة.

يعتبر الكتاب سلسلة من الفوائد واللطائف التي جمعها الشيخ "زيد الفياض" وتصرف فيها بقلمه، وولف بينها في صورة أدبية لطيفة، على أمل تنقيح الكتاب فيما بعد، والعمل على تبويب فصوله، وتعديل ما حوته أوراقه ومسودة الكتاب لاحقًا، ويبدو أن الشيخ "زيد الفياض" لم يعد ثانية للكتاب، واستمر في الإضافة إليه طيلة حياته على أمل إثراء الكتاب بالمزيد والمزيد من تلك الفرائد المتنوعة من سير العلم والعلماء، ثم تركه على حالته تلك، فاجتهد بنو الشيخ "الفياض" ومحررو كتبه بتبويب هذه الفصول الغنية وترتيبها وتحريرها، وتصحيحها، والربط بينها على قدر الاستطاعة حسب فهمهم لمنهج الشيخ "زيد الفياض" الذي أراده في كتابه؛ مما أخرج لنا هذه الصورة التي تعد في جملتها من المحاولات الجديرة بالثناء والشكر على حسن الجهد والتعايش مع منهج الكاتب.

وجاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:

المقدمة.

الفصل الأول: الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله.

الفصل الثاني: من آداب العلم.

الفصل الثالث: هيبة العلماء وتوقيرهم.

الفصل الرابع: نشر العلم ومذاكرته.

الفصل الخامس: سؤال العلماء وقول: لا أدري، فيما لا يعلمه.

الفصل السادس: الحرص على جمع الكتب.

الفصل السابع: الطب عند المسلمين القدماء.

الفصل الثامن: تعلم الفروسية.

الفصل التاسع: مؤلفون مكثرون.

الفصل العاشر: نماذج من العلماء.

الفصل الحادي عشر: من طرائف العلماء.

الفصل الثاني عشر: فُكاهات ومُلَح.

الفصل الثالث عشر: أجوبة طريفة.

الفصل الرابع عشر: جوائز.

الفصل الخامس عشر: تشجيع ذَوي المواهب والذَّكاء.

الفصل السادس عشر: نبوغ العُميان.

الفصل السابع عشر: من نوادر العُميان.

الفصل الثامن عشر: ابتلاءات ومِحَن.

الفصل التاسع عشر: العلم يقوِّي الإيمان.

الفصل العشرون: متفرِّقات.. يجمعها حبُّ العلم.

وقد أجاد الشيخ "زيد الفياض" في عرض الفكرة الرئيسية للكتاب، وإن كان قد مال في بعض مواضع الكتاب للإطناب في بعض فصوله، والاختصار في بعضها الآخر، مع تكرار بعض الفوائد من خلال عدة روايات، وذكر نفس الحادثة من أكثر من كتاب، وعدم ترتيب الفوائد زمنيًّا أو مكانيًّا، وإن كان منهج الكاتب كان أكثر من مميز؛ حيث قدم لأكثر من فائدة بذكر نبذة مختصرة عن صاحبها ومكانته العلمية وبعض ملابسات الشاهد من ترجمته في بيان موضوع فصله، والكتاب بصفة عامة مشوق للقراءة، جدير بالمطالعة، قد أجمل الشيخ "زيد الفياض" في موضوعه، وجمع فيه السمين النافع الذي يصور جانبًا من الحياة العلمية الثرية التي احتفى بها المسلمون واتخذوها منهاجًا حياتيًّا.